د. عبدالسلام محمد خير يكتب : وحشة رمضان.. يتحسرون و(الدين المعاملة)!
*وحشة رمضان.. يتحسرون و(الدين المعاملة)!*
كل عام وأنتم بخير..إستوقفني مشهد لافت يفيض شفافية وانشراحا بين مشاهد لافتة مؤثرة..رمضان يفعلها لكنه يرحل!..إنسان(خدم البلد ونزل المعاش)صادفته يتوكأ على عصاه وإبنه، متجها للمسجد فأسرعت نحوه بلهفة محب لأستاذه،وقلت كأني أبحث عن مبرر لهذه الأريحية المباغتة من جانبي(رمضان يؤدبنا يا أستاذ)!..فكأنه وجدها فرصة فباغتني هو أيضا يقول متبسما متهلل الأسارير يزيح عن وجهه آثار سنين الكد(ليت رمضان يستمر فنبقى على تأدبنا)!..ومر بنا آخرون يتعجلون إدراك ميقات الصلاة كأنهم يؤدونها لأول مرة،ففات عليهم أن يبادرونا بالسلام.. تحية الإسلام!.
تتزاحم الخواطر تجاه شهر إحتمينا بسلوكياته مما إعترانا..فى الأمر حسرة لدى رحيله والعهد أنه(أياما معدودات)-البقرة..وقد كان!..الخلق كما كانوا،تزاحما فى المساجد وضمورا فى المعاملة..تؤدى الفرائض ولا إستحضار لعظمة إقترانها بالعمل الصالح والكف عن أذى الآخرين..هناك حرص على(لمة) الجمعة وتناقل خطبتها ومآثر الصالحين، ثم لا إقتفاء لخطى الإصلاح المرجو..يتبارون لإداراك العمرة ولا تستوقفهم محفزات هذا المؤتمر العالمي الفريد للمسلمين. وإلافأينالتعايش،التراحم،التكافل،الحسنى؟!..إنها مشكلة!.
البعض يفيض حسرة فيما فرط فيه المسلمون مما هو بين أيديهم طوال الشهر،كرم،تسامح،تواصل، وإستقامة على تقوى من الله ورضوان ، قيم كامنة فيهم، كفيلة بأن تبقيهم مسلمين (فعلا)على مدى الزمن،وليس شكلا..الوقائع تعيد للأذهان المقولة المشهورة(ذهبت لأوربا فوجدت الإسلام ولم أجدالمسلمين،عدت فوجدت المسلمين ولم أجد الإسلام)!- الإمام محمد عبده..متى تراجع هذه الصورة النشاذ ومثيلاتها؟!.
ضالة المسلمين اليوم فى وداع رمضان أن يراجعوا ما أقعدهم عن تمام المقاصد ونيل المكارم والتخلص من هواجس الإحساس بالتقليد وما يؤجج الوحشة..(لا أوحش الله منك يا رمضان)لسان حال المسلمين والشهر يغادر بعد أن طيب الخواطر..كرم وفضائل وقيم لو أنهم أبقوا عليها طوال العام لا مجال لوحشة أبدا..ولقد ورد أن المسلمين قديما كانوا يبقون فى سيرة رمضان وهديه وأفضاله لست أشهر من بعده،وهم من كانوا يتلهفون لمقدمه لست قبله..هذا يعني أنه باق بينهم بروحه لتمام العام..وبعض أهل العلم يقولون إن إلهامات رمضان بالتقرب لله تعالي باقية طوال الوقت،صلاة الجماعة،الدعاء،العمل الصالح،الإنفاق،التراحم، الإيثار،الصدق،فلماذا لا نبقيها كما عهدناها طوال الشهر، حتى لا تكون وحشة؟!.
متى تصبح معطيات العبادة سلوكا دائما؟!..هذا وجه آخر لمن يراجعون أحوال المسلمين عقب صومهم الشهر إقداما على الخير ،تدافعا نحو المساجد ،تفقدا للجار،جودا بالموجود، موائد الإفطار فى الشارع،وتعزيزا للخطاب العام.لماذا لا نحافظ على هذا(السلوك)ليبقى منهجا لمعاملات داهمها الإختراق والتناحر وحب الذات ورهق المعاش، بإنتظار رمضان؟!..الأمر يبدو شائكا بسبب قلة تبصرنا فيما يعترينا مما صنعت أيدينا، بدليل الواقع.
إن الحل كامن فينا متى إهتدينا لمفاتح التحلى بقيم خبرناها طوال الشهر،وبها نباهي فى العيد كجديد أزيائنا ، تحدثا بنعمة الله ودلائل إستقامتنا..رمضان فرصة لإستقامة مشتهاة شرعا(فاستقم كما أمرت)-هود..الإستقامة بريق الصوم..شرطها إلتماس الهداية بإلهام الخالق(إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)-القصص..اللهم أهدنا..فلنقلها ونتبع القول العمل،نقرن الدعاء بالحمد،الإنفاق،والعمل الصالح..إتضح أن السودانيين أقرب إلى(كرم رمضان)..وبالفطرة..قنوات وإذاعات ووسائل تواصل تضج بمآثرهم وتفرد كرمهم..صادفت دراسة عن التجمل بالعطاء..إفطارات الطريق تعززها قناعات المجتمع،بارك الله فى طعام كثرت فيه الأيادي،الجود بالموجود،بليلة مباشر ولا ضبيحة مكاشر..فلمن يتركنا رمضان؟!.
الخلق قلقون جراء تراكم الأنانية والتواكل وخطاب الكراهية..كأنهم أدركوا من توحدهم على شىء مشترك(صومهم)وهيبة صفوفهم وتصافي المزاج العام حول شأن مشترك أن الأمر كله يتوجه مع صومهم للخالق المعبود..صادفت على الواتساب رسالة من مظلوم يعلن أنه سامح من ظلمه قائلا(إن كان الله عز وجل يتسامح فمن نحن حتى لا نتسامح؟!)..سبحان الله،إنه شهر الرجوع لله بالصوم الذى اختص بجزائه جل وعلا(إنه لي وأنا أجز به)-الحديث..الصائم قريب من الله فى شهر قوامه التسامح والعفو والإخلاص فى العمل طاعة لوجه الله..المخلصون هؤلاء نزلت فى شأنهم آية(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)-الكهف..رمضان؟!..إنه إخلاص فى العمل لوجه الله،أسلوب حياة، فكيف تكون وحشة؟!. (حالة تزاحم)تسيطر على الأجواء لا تلبث أن تفيض بركة..فكأنما العمرة شرعت هذا العام،وليس لأنها الأولى بعد تراجع الوباء..كأنما الأمة أدركت توا سر الدعاء(مخ العبادة)وفضل(إعتياد المساجد)..لربما وراء هذا التزاحم المبرور(على باب الله) تكالب الشدائد التى أسعفت الأكف لتسترحم الخالق وتشعل تسابق الخلق نحو الخير ونيل وسام(كرماء) فى شهر كريم..ليس شيخ الطريقة وإمام المسجد فقط،أنت(زول صباح خير) وأنت مسافر للعمرة أو فى طريقك للزاوية أو تتصفح جوالك فالكل يسألك الدعاء ويستبشر، فلقد علمهم القرآن الكريم أن الله جل وعلا تكفل بالإجابة ليلهمهم رفع الأكف بالدعاء..كم من رواية عن حلم تحقق لفلان،عن خير باغت فلانة..والقصة الرائجة فضائيا عنوانها(سوداني دعت له أم أيتام فانشقت له الأرض
ذهبا)!.. تصور!!..كيف لشهر بهذا الإستبشار لا يكون رحيله وحشة؟!.
هناك مخرج..(أعبد ربك حتى يأتيك اليقين)-النحل..كم من نصائح مبشرة باليقين عاقبةالصوم..لا تودعوه،بل افسحوا له المجال ليحيا معكم وتحيون به طوال العام..الصوم لاينتهي،القرآن لايهجر،والمسجد لا يترك..لا تحزنوا على وداعه، بل أحمدوا الله أن بلغكم إياه وافرحوا وكبروا الله أن هداكم لصيامه وقيامه،فأسالوه القبول..هناك من يحفزنا لنذكر بعضنا بما وعدنا الله جل وعلا،وهاأنذا أفعل:(وقال ربكم أدعوني أستجب لكم)-غافر..(أذكروني أذكركم)- البقرة..(وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)-الأنفال..(لئن شكرتم لأزيدنكم)- إبراهيم..هكذا،رمضان شهر الشاكرين..قالها إمام الحرم المكي فى خطبة العيد..فالشاكرون موعودون بالزيادة..يرحل الشهر ويبقى الأمل فى دعاء الشاكرين،به ترحل المحن فتستطيب الحياة..لله الحمد والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين..وكل عام وأنتم بخير.
د. عبدالسلام محمد خير