غلاء الأسعار يضرب موائد إفطار الجاليات العربية بأوروبا
غلاء الأسعار يضرب موائد إفطار الجاليات العربية بأوروبا
تحاول الجالية العربية المقيمة بالدول الأوروبية خلال شهر رمضان أن تحافظ على تقاليد بلدانها الأصلية، وذلك من خلال تحضير أشهر الأطباق التقليدية المعروفة، إلا أن الحرب الأوكرانية وتداعياتها السلبية على أسعار المواد الغذائية قد أثر على هؤلاء وحرمهم من أطعمة كانوا يحرصون على إعدادها في الشهر الفضيل.
وفرضت الحرب الأوكرانية التي تسببت في ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القدرة الشرائية في معظم دول العالم، على الجالية المحسوبة على الطبقة الوسطى أو الفقيرة أن تغير من سلوكها في الأكل والشرب والتعامل مع مصادر الطاقة.
وشهدت أسعار معظم المواد الغذائية الأساسية ارتفاعا كبيرا، وهو ما أكدته رجاء، المغربية المقيمة في مدينة إشبيلية، لموقع “سكاي نيوز عربية” قائلة: “لم أستطع تحضير العديد من الأطباق المغربية استعدادا لشهر رمضان الكريم، فقد وصل ثمن اللتر الواحد للزيت النباتي أكثر من 2.5 يورو، كما أنني عجزت عن إعداد شوربة الحريرة التي لا تفارق موائد الإفطار المغربية لأن ثمن كيلو الطماطم يتعدى أربعة يوروهات”.
ولا يختلف حال رجاء عن هشام، وهو لبناني يقيم في باريس، حيث تحدث لموقع “سكاي نيوز عربية” عن الغلاء وتأثير ذلك على قدرته الشرائية قائلا: “هذه الزيادة في الأسعار، جعلتني أتخلى عن سيارتي وأعود لركوب الحافلة، لم يعد مدخولي، رغم أنني مهندس معلومات، يسمح لي بدفع الإيجار الغالي جدا في باريس وفاتورة الماء والكهرباء وضرائب السيارة وثمن البنزين الذي وصل إلى 2 يورو للتر الواحد. اليوم ندخل للأسواق التجارية، لنخرج بعربة أقل امتلاء وفاتورة تثقل الكاهل. تحتوي مائدة إفطاري على طبق واحد لا أكثر”.
ورغم محاولات الدول الأوروبية المتأثرة بالأزمة تجنب الغلاء والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، إلا أنه ومع دخول اليوم الأول من رمضان، اختفت من الأسواق التجارية الكبرى عبوات زيت المائدة المستخدمة على نطاق واسع في هذا الشهر، وقلت بشكل كبير أكياس الدقيق، فيما عرفت أسعار اللحوم موجة غلاء ملحوظة، فبعدما كانت أثمانها تبدأ من 7 يورو، بات سعرها يتعدى العشرة يورو”.
ويبرر أحمد، وهو جزار جزائري، يبيع اللحوم “الحلال” بمدينة ليون الفرنسية هذا الغلاء، لموقع “سكاي نيوز عربية” بارتفاع مصاريف النقل وغلاء العلف، مضيفا: “لاحظت هذه السنة أن الأغلبية لا تشتري اللحوم بكميات كبيرة كما كان يفعل أغلب الصائمين في شهر رمضان الكريم. يكتفون ببعض الغرامات لإضفاء اللذة على أطباقهم فقط دون أن تشبع معدتهم”.
أما أيوب، التونسي المقيم في مدينة غرونوبل الفرنسية فقد فضل عدم زيارة شقيقته حتى لا يحملها عناء تحضير مائدة إفطار مكلفة، موضحا لموقع “سكاي نيوز عربية”: “اكتفيت هذه السنة بزيارة شقيقتي بعد الإفطار. كنا نقضي اليوم الأول من شهر رمضان بصحبة بعضنا، لكن الحمل ثقيل، عشرة أشخاص على مائدة إفطار واحدة، وأطباق متنوعة يكلف ثروة الآن”.
الانتخابات الرئاسية
وتعتبر القدرة الشرائية من الموضوعات المثيرة للجدل في الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا، فالمهاجرون مثلهم مثل الفرنسيين من الطبقة الوسطى والفقيرة، يعانون من زيادة أسعار مصادر الطاقة والمنتجات الغذائية الأساسية.
ويقر المحلل الاقتصادي، كميل ساري، في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “هذا اللهيب في الأسعار لم يبدأ مع انطلاق الحرب في أوكرانيا، بل لوحظ مع نهاية الحجر الصحي وتعطل الإمدادات من المواد الاساسية، سواء كانت زراعية أو صناعية. ولهذا قامت الدولة الفرنسية قبل نهاية العام الماضي بمنح 100 يورو للمواطنين ذوي الدخل المحدود، لكنها لم تكن كافية لتغطية المصاريف الإضافية”.
وبيّن ساري أن “دراسات حديثة تفيد بأن الاستهلاك المفرط في شهر رمضان لبعض المواد الأساسية من طرف المهاجرين ساهم في اختفاء بعض المواد كالزيت والقمح من الأسواق وارتفاع أسعار أخرى، خاصة الطماطم التي قارب ثمنها ستة يورو. وأمام هذا الاستهلاك الكبير وارتفاع الطلب، يغتنم التجار الفرصة ويزيدون في الأسعار”.
وتوقع المحلل الاقتصادي أن لا تستقر الأسعار على المستوى الحالي، بل ستعرف المزيد من الارتفاع لأن “الحرب في أوكرانيا لن تنتهي على المدى القصير وخزانات الدول الاوروبية من المواد الأساسية المستوردة ستنفد، وستبحث أوروبا عن استيرادها من دول أخرى. لكن مع مقاطعة عالمية للبنوك الروسية وصعوبة تأمين البواخر القادمة من روسيا، والعقوبات الدولية المستمرة ضد موسكو قد يبدو الأمر صعبا بعض الشيء”.
ورغم وعود ماكرون الانتخابية بضخ 30 في المئة من ميزانية الدولة لدعم القدرة الشرائية للمواطنين، لا يرى ساري أنه وعد قابل للتحقيق في ظل مديونية الدولة الكبيرة التي تتعدى 120 في المئة من الناتج الداخلي المحلي.
وفي غياب أي دعم إضافي، يرى الخبير الاقتصادي أن “العديد من المهاجرين العرب الذين في معظمهم يعملون بمهن بسيطة مع بعض الاستثناءات، ولا يملكون منازلهم الخاصة، وإنما يعيش معظمهم في منازل مستأجرة قد تكلفهم أكثر من 40 في المئة من دخلهم الشهري، ويستفيدون من مساعدات الدولة، قد يكونون من أكبر المتضررين”.