صناعة التكنولوجيا تتغير مع ظهور النقابات والجيش السيبراني العالمي
تتطور صناعة التكنولوجيا في كل يوم وبشكل متسارع، وتقدم ابتكارات جديدة ومشاريع ثورية ترسم صورا للمستقبل بشكل دائم، وهناك علماء ومهندسون وعقول لامعة في كل مكان في العالم تسعى لبناء القطعة التالية من تكنولوجيا المستقبل التي ستغير حياتنا.
هناك ابتكارات تحدث الآن تم اقتباسها مباشرة من صفحات الخيال العلمي، سواء كان ذلك عبارة عن روبوتات يمكنها قراءة ما تفكر به العقول، أو ذكاء اصطناعي قادر على الإبداع والتفكير الذاتي، أو العيون الإلكترونية، أو الساعات الذكية والكثير من الابتكارات التي تذهل العقل، وهناك دائما المزيد الذي يمكن أن تتوقعه من هذا العالم، أوردت بعضها منصة “ساينس فوكاس” (Science Focus) في تقرير لها مؤخرا.
وفي الحقيقة، نحن في المراحل الأولى فقط من تغيير كبير يطال صناعة التكنولوجيا في العالم وكل مناحي الحياة، ويعود ذلك في جزء منه إلى الكوارث الدولية التي لم تكن بحسبان أحد قبل زمن ليس بالبعيد.
لم تجبرنا جائحة كورونا على التحول للعمل من المنزل فحسب، بل أدت أيضا إلى حدوث موجة من الاستقالات من قبل كثير من الأشخاص الذين قرروا أنهم لا يريدون حقا العودة إلى وظيفة يكرهونها، وبدأوا -في المقابل- العمل في مشاريعهم الشخصية الخاصة.
وتدفع المخاوف بشأن التغير المناخي وارتفاع أسعار النفط كل شركات السيارات الكبرى في العالم إلى التحول إلى السيارات الكهربائية.
كما تفرض الحرب في أوكرانيا تحولا جذريا ليس فقط في هيكل وتوزيع القوة في العالم، ولكنها أنشأت أول جيش إلكتروني دولي قابل للحياة، الذي يشمل العديد من القوى التقنية والقراصنة المحترفين في شتى أنحاء العالم.
بزوغ عصر النقابات التكنولوجية
كانت إحدى المزايا التاريخية المثيرة للاهتمام لشركات التكنولوجيا هي الحصانة ضد النقابات المهنية والعمالية، فلم توجد في السابق نقابات تكنولوجية تنظم العمل والتعامل مع رأس المال، وسمح هذا للشركات بأن تكون أكثر حرية في التعامل مع موظفيها، بحيث حافظت على انخفاض تكاليف الإنتاج من دون إزعاج النقابات.
ومع ذلك، فإن مزيجا من القرارات الإدارية السيئة، وعدم وجود زيادات في الرواتب للموظفين العاديين، وتقديم رواتب خيالية لأعضاء مجالس الإدارة، وممارسات أخرى عدائية تجاه الموظفين، تعمل سريعا على تغيير هذه الطريقة في العمل داخل شركات التكنولوجيا الكبرى في أميركا.
وفي هذا السياق، تبرز شركة “أبل” (Apple) على وجه الخصوص التي يتهمها العاملون بها بأنها غير عادلة في التعامل معهم، وهو ما دفع عددا منهم لاقتناء هواتف أندرويد للحفاظ على سرية جهودهم النقابية، وسعيهم لتنظيم أنفسهم في وجه الشركة العملاقة، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) في تقرير لها مؤخرا.
وقال موظفون في الشركة العملاقة للصحيفة -شريطة عدم الكشف عن أسمائهم- إن عددا كبيرا منهم في مختلف فروع ومتاجر أبل في البلاد يعملون بهدوء من أجل تشكيل نقابة خاصة بهم ترعى مصالحهم، وذلك بدعم من النقابات الوطنية الكبرى العاملة في الولايات المتحدة، ويستعد هؤلاء لتقديم الأوراق المطلوبة إلى “المجلس الوطني لعلاقات العمل” (NLRB) في أميركا في المستقبل القريب.
وحاليا، تواجه كل شركات التكنولوجيا الكبرى تقريبا المشكلة نفسها مع إمكانية تعاملها مع النقابات في القريب العاجل، وبمجرد أن تبدأ النقابات في الانتشار والعمل واكتساب القوة، فإنها تكتسب أيضا القدرة على اختراق شركات التقنية الأخرى، المتوسطة أو الناشئة منها من خلال العمل على إقناع الموظفين فيها بتعرضهم لسوء المعاملة، وذلك كما ذكر الكاتب الأميركي المختص في شؤون التكنولوجيا روب أندرلي في مقالة له بمنصة “تيك نيوز ورلد” (Tech News World) ناقش خلالها التحولات الكبرى التي ستطرأ على صناعة التكنولوجيا في العالم في المرحلة القادمة.
ويوضح الكاتب أنه بمجرد أن تضم النقابات العدد الكافي من الأعضاء في الصناعة، فسيصبح من المستحيل تقريبا إيقافها، لأن التمويل الذي تحصل عليه يمكّنها من إطلاق الحملات لتوحيد الشركات عبر نظام شامل يضم جميع العاملين بالقطاع، وكل فوز في أي معركة تخوضها النقابة سيزيد من تمويلها وانتشارها وقدرتها على إطلاق حملات أخرى للمطالبة بمزيد من الحقوق لأعضائها.
وفي حين أنه لم يتم الوصول إلى هذه النقطة من التحول بعد، ولكن إذا لم تغير الشركات من سلوكها، ولم تركز على رضا الموظفين العاملين بها، وولائهم، فإن النقابات قادمة لا محالة في المستقبل القريب -كما يؤكد الكاتب- وستكون النتيجة تكلفة مالية كبيرة، وعبئا تشغيليا على الشركات المنضمة إلى هذه النقابات، وحينها لا تلوم هذه الشركات إلا نفسها وجشعها وعدم عدالتها تجاه موظفيها.
التحول المتسارع إلى السيارات الكهربائية
تتحرك كل من شركات “فورد” (Ford) و”جاغوار” (Jaguar) و”فولفو” (Volvo) وغيرها من شركات صناعة السيارات في العالم لإنشاء أقسام إنتاج سيارات كهربائية متميزة خاصة بها، وذلك لمنافسة شركة “تسلا” (Tesla) المتخصصة في هذا المجال، كما يقول أندرلي في مقالته.
إن هذا يذكرنا بمعركة الهواتف الذكية بين شركة أبل والشركات الأخرى في مطلع هذا القرن، حيث لم تأخذ شركات الهواتف المهيمنة في ذاك الوقت مثل “بلاك بيري” (BlackBerry) و”نوكيا” (Nokia) و”بالم” (Palm) شركة أبل على محمل الجد، وبقيت في غفوة من أمرها حتى خرجت من السوق ولم يعد لها ذكر.
ولكن، على عكس أبل، فإن شركة تسلا واجهت مشكلات كبيرة في الصناعة ومراقبة الجودة على مدى فترة طويلة، وقد أدى ذلك إلى إدراك منافسيها للفرصة التي تلوح في الأفق، وهي أن عليهم أن يركزوا على السيارات الكهربائية إن كانوا يريدون استمرار وجودهم في المستقبل، ونحن نشهد ظهور هذا التركيز مع الإعلانات المتتالية عن إنشاء أقسام لصناعة وتطوير السيارات الكهربائية، ويتوقع أن تخلق هذه الأقسام الجديدة منافسة قوية لتسلا، وربما بدائل أفضل منها أو تضاهيها في المستوى، وهو ما سيجنب هذه الشركات المصير المر الذي ذاقه منافسو أبل، كما يؤكد الكاتب في مقالته.
علاوة على ذلك، سيؤدي الانتقال إلى السيارات الكهربائية والمنافسة التي تشهدها بين الشركات إلى تطوير هذه الصناعة، وزيادة القدرة الكهربائية، والدفع بقوة أكبر نحو التحول إلى الطاقة المستدامة، كما سنشهد أول مركبة ذاتية القيادة من المستوى الرابع على الطرقات بحلول عام 2026، وهو ما سيغير طبيعة القيادة ذاتها.
الجيش السيبراني الدولي
هاجمت روسيا أوكرانيا، ولكنها وجدت عكس ما كانت تتوقعه، حيث اكتشفت أن الأوكرانيين على استعداد تام للقتال والدفاع عن وطنهم وأرضهم.
ويتدفق حاليا آلاف المقاتلين المتطوعين والمرتزقة كذلك إلى داخل البلاد لمساعدة الشعب الأوكراني في القتال ضد الجيش الروسي، ولكن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام -من وجهة نظر الكاتب- هو جيش تكنولوجيا المعلومات الدولي الذي أخذ يتشكل من غير تخطيط مسبق لمساعدة أوكرانيا في هذه المعركة، وهو يضم مجموعة كبيرة من القراصنة الدوليين، ومن مختلف الدول الذين يعملون معا لهدف واحد وهو هزيمة روسيا.
وما يجعل هذا مثيرا للاهتمام بشكل خاص هو أن الخبراء اعتقدوا أن روسيا ستستخدم الحرب الإلكترونية أولا بما تملكه من قدرات كبيرة في هذا المجال، ولكن قدرة روسيا تضاءلت أمام ما قدمه هؤلاء المتطوعون الدوليون من قدرات تقنية هائلة إلى أرض الميدان.
ومع أن الجيش الذي لا يزال يقاتل على الأرض هو الجيش الأوكراني مع بضعة آلاف من المتطوعين، إلا أن القوة الحقيقية تكمن في جيش تكنولوجيا المعلومات العابر للقارات هذا، الذي ينمو في كل يوم بعيدا عن سيطرة الدول ليصبح قوة الدفاع الإلكتروني الأولى في العالم.
ويؤكد الكاتب أن هذا الجيش السيبراني وُجد ليبقى، وسيظهر دائما عندما تهدد النزاعات والحروب الاستقرار المحلي أو العالمي، وحتى الآن، يُعد هذا التحالف أكثر فاعلية بكثير من الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الدفاع عن أوكرانيا.
عالم جديد يتشكل
ظهور النقابات التكنولوجية، ومطالبة الموظفين في هذا القطاع بحقوقهم المهدورة، وقرب نهاية زمن محركات الاحتراق الداخلي التي تعمل بالوقود، والانتقال الحاسم إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، وظهور جيش إلكتروني دولي ومنسق بشكل متزايد، فضلا عن بزوغ عصر الروبوتات المستقلة، وذكاء اصطناعي أكثر قدرة من أي وقت مضى، و”ميتافيرس” (metaverse)، وغيرها الكثير، كل هذا يشير إلى عالم جديد يتشكل وهو ليس أكثر من غيض من فيض التغيرات الهائلة القادمة، التي ستطال كل شيء في حياتنا على هذه الأرض.