د.عبدالسلام محمد خير يكتب :وطنية الإذاعة ومهنيتها..سيرة وانفتحت
وطنية الإذاعة ومهنيتها..سيرة وانفتحت
كتب د.عبدالسلام محمد خير:
إنتهى الحفل ولم تنته السيرة،بل إنفتحت!..هناك من إستدعتهم الذاكرة من غياهب النسيان،ومن إستهوتهم حكاية(نعيد الماضي من أول)!..ومن يضيفون،إستدراكا نبيلا أوإحقاقا لحق فالتجربة بلا حدود،رموزها كثر..هذه سانحة لنشكر من نظموا ودعونا، ولأضيف، فأجعل هذا المقال وصلا لسابقه، وقد تكرم أبو العزائم الإبن وهو بالقاهرة مستشفيا شفاه الله و(سدد خطاه) فأعاد نشره بزاويته المتوافق على أنها مقروءة..إن علاقة آل ابوالعزائم بالإذاعة رواية لم تكتمل،فإنى عجبت لحكاية على لسان مذيعة تم إكتشافها على(طريقة) الأستاذ محمود أبو العزايم،المجربة إذاعيا وصحافيا..تدرجت المذيعة أمام المايكرفون حتى أصبحت وزيرة!.
تصوروا!!..الرواية مشوقة مسرحها الأسافير..إكتشفها صدفة أحد(أولاد أبوالعزايم) بإذاعة(صوت الأمة)الذين أرسلوا للولايات مؤسسين لإذاعاتها،وهذا فتح آخر من فتوحات الإذاعة(الأم) وأساطيرها التى لم توثق بعد..هناك(حالة)من التعلق بحاضنة إفتراضية دفيئة ثير في الأجيال مكامن العبقرية وقوة الإحتمال، تذكرهم بأسطورة(نبني فتهدمها الرياح فلا نضج ولا نثور)!. هم يشكون من ظروفهم لكنهم منهمكون فى عمل خرافي وعن حب يتخيلونه بخيال من قال(الحب فى الأرض بعض من تخيلنا..لو لم نجده عليها لاختلقناه)!..كأنما قصده القول(الإذاعة فى الأرض بعض من تخيلنا)كما حدث يوم إحتفالها!- محبة غامضة هجمت فجأة على راهن تعتريه العزلة، تغلغلت فى النفوس تمسح عليها بدفء الذكريات المتفق على أنها(صادقة ونبيلة)فتنسيهم ما كان قد كدر الأجواء،لينطلقوا من جديد نحو وطن ينتظر منذ رفع العلم.
منذ تأسيس الإذاعة بأياد سودانية خالصة بين يدي مستعمر غاشم تترى الذكريات،وطنية ومهنية..(شىء ما)يوحد السودانيين كلما تناوشتهم سهام الجفاء والإقصاء،ليته يعاود..لعله الآن هاجس الراديو،أعلن عالميا فى حوش الإذاعة الأحد الماضي أنه(الثقة)- رأسمالها..إنهم يتزاحمون والدنيا(تترقمن) فضائيا و(تتنمر) وجدانيا بلا هوادة..هل هو توجس من بيده مجدا موروثا تتناوشه الرياح؟..العقل الباطن يبدو حاضرا داخل الصالة وعبر الاذاعات والقنوات والصحف فتشكلت(حالة تفاؤلية)سيطرت على المزاج العام شعارها(وحدة الوجدان..وحدة السودان)-غاية المنى للكافة، تجسده إذاعة شهرتها(مهنية ووطنية)هاجس الدولة- اليوم .
الإحتفالية أججت أشواق المهنية والمقارنة التى تعيدك للظن(رغم كل شىء) بأن الاصل فى(التميز الإعلامي)أنه (سوداني)وإن فتشه البعض بعيدا كما يبدو الحبيب صلاح حبيب فى عموده الرصين وهو يستدعى نموذج المذيع(المحاور)من الخارج..قفذ لذهني(محمد طاهر)مذيع من جيل الرواد، تتجلى طلته فى صيوان الاحتفالية بتواضع من عرف بأنه(كاريزما)وأنه كان مديرا للتلفزيون وأنه متمكن من أدواته وأنه أدار حوارا بقي فى الذاكرة مع رئيس وزراء مصري مرموق زائر1983..إنه محاور فذ(من عندنا)وله أترب أماجد وتلاميذ بل تلميذات نابهات..توجبت التحية له ولهم فى عيد الراديو..كما توجبت التذكرة(بسمته)الأخاذ،مديرا ومذيعا وبرامجيا ومخرجا لمسلسلات شهيرة،الحيطة المايلة،اللسان المقطوع،المقاصيف- للأستاذ حمدنا الله عبدالقادر،وأشهر الممثلين..ثم قارىء أخبار التلفاز بلا ورق قبل عصر الرقمنة هذا.
الإشارة فى الإحتفالية إنداحت فاتجهت نحو(كيانات)تعمل فى صمت كمحمد طاهر،الهندسة،الأوركسترا،الترحيل،وأفراد قمم أصبحوا مثالا لغيرهم..الإبتهالات تنساب لمن رحلوا،ولأسرهم التجلة..مما يجبر الخاطر،تفقد الغائب،الحاضر ببصماته..تذكرت(مهندس صالح الحاج)حين سرت سيرة الهندسة قوام كل النجاحات،التحية لروادها وشبابها..عرفته عن قرب،نائبا للمدير العام للإذاعة،إرتبط بالرقمنة،الاستديوهات،المحطات الولائية،الأقمار الإصطناعية،التكييف..إنه ومهندس عبدالله اسماعيل وجيلهم يذكروننا بنفر من المهندسين ومهندسات نابهات وفنيين أفذاذ تباروا إبداعا وشكلوا النواة الملهمة لفكرة(هيئة البث)الراقية- وثقت لها فى كتابي(إدارة المؤسسات الإعلامية فى عالم متغير)2019..إنها عنوان لكفاح هندسي أهل البلاد للتألق عالميا والتحليق فضائيا،صوتا وصورة ورسالة..رحم الله من رحل،منهم مهندس حسن عبدالرحمن أول مدير للتلفزيون من المهندسين،نائبه مهندس أحمد دفع الله..ومتع الله بالصحة من بقوا،باقين على العهد،جميعهم جديرون بالذكر اليوم،وبالتوثيق..منهم من استقطبته المؤسسات العالمية والاقليمية ومن بقى صامدا،مهندس كمال نور الدايم مثالا،فلقد خبرت تعاونه كأحد الرموز المضيئة للهندسة قرين الإدارة والبرامج..مهندس صلاح طه،نجم الإذاعة وإعلام الجزيرة،عليه الرحمة،عملنا معا لتأسيس إذاعة جامعة أمدرمان الإسلامية..ذهب من ذهب وبقى من بقى تشهد لهم(بصماتهم)والحمد لله،مثل كلما(يبقى فى الأرض وينفع الناس).
حديث(البصمات)وإحتساب الأمر عند الله جل وعلا هو الغالب على روح الإحتفالية،ليت الهيئة و(اليونسكو) تكملان الجميل بالتوثيق لكل أهل الفضل..بصمتهم شاخصة،ظهروا أم بقوا وراء الستار..تذكرت الأستاذ مكي سنادة،ممثلا ومؤلفا ومخرجا وراويا(مشهيا) فهاتفته.. حدثني من قبيل تهامس ما وراء الخشبة..الجملة المفتاحية طرف لسانه(دخلت الإذاعة1963وأول دور كان ممثل الإتهام فى البرنامج الدرامي التلفزيوني محكمة المجتمع يكتبه ويخرجه على الهواء أحمد قباني،المذيع الفخم، عليه رحمة الله..فاجأني المخرج أحمد عاطف عليه رحمة الله بإعجابه بأدائي فأسند لي بطولة مسلسل المستعمرة)..و(بذلك يكون عمري الإذاعي والتلفزيوني تجاوز الخمسين)- يقول مكي مفاخرا، وأنا معه..ما شاء الله تبارك الله.
الأستاذ مكي سنادة من أبناء الإذاعة،معترفين،بل هو إبن الحيشان الثلاثة بلا نزاع..برق إسمه تمثيلا وإخراجا عام1977مع مسرحية(سفر الجفا)على خسبة المسرح القومي تأليف المرحوم بدر الدين هاشم..تقول الرواية إن الرئيس نميري عليه رحمة الله حضر أحد عروضها..كان يبدو منفعلا،فمنديله ظل بيده طوال الفصل الثالث!..فى نهاية العرض فاجأ الجمهور وصعد على المسرح لتحية الممثلين!..للحكاية بقية يحتفظ بها مكي ربما بانتظار من يوثق لبطولاته ويكشف عن ما خفي وهو أعجب(فى مهرجان الثقافة الثاني قال لي وهو يضع الوسام على صدري أنت من أبكاني!..ثم تبسم وقدم لي الظرف إياهو يذكرني هامسا بمشهد من(خطوبة سهير)مانساه وما نسيته!. ولا أنا يا أيها المكي سنادة(المابتتنسي)..لك التحية فى عيد الراديو- بتاعك، وبتاع أهل الدراما حصريا..لكم التحية مع إن المسرح اليوم– كما ترى،وهو أبو الفنون!.
د.عبدالسلام محمد خير