أفريقياالأخبار

معركة آبي أحمد والتيغراي.. هل ينفرط عقد إثيوبيا؟

معركة آبي أحمد والتيغراي.. هل ينفرط عقد إثيوبيا؟
رغم هزيمتها العسكرية وفقدانها عاصمة إقليمها استطاعت “جبهة تحرير شعب تيغراي ” تنظيم صفوفها والقيام بعمليات محدودة ، ثم استعادة المبادرة من جيش إثيوبيا.

في أبريل/ نيسان 2018 جاء السياسي والمناضل الشاب آبي أحمد علي (47 عاما) إلى رئاسة وزراء إثيوبيا حاملا مشروعا وحلما بالتغيير، مستندا إلى إرث شخصي في دهاليز السياسة من المعارضة إلى المناصب الوزارية، ومسلحا بذخيرة علمية مميزة ودكتوراه كان موضوعها “النزاعات المحلية في البلاد” وبجاذبية لافتة وشخصية قوية وصارمة.

كان الحلم أن يعبر أشواك التناقضات السياسية والعرقية لتحقيق “الوحدة والعدالة والرخاء” وحل النزاعات الداخلية والخارجية، وكافأته لجنة نوبل بمنحه جائزتها للسلام بعد سنة من تسلمه السلطة بعد إبرامه اتفاق المصالحة مع إريتريا، في وقت تماهى فيه معظم الإثيوبيون مع مشروعه الذي بدا برّاقا ومع منجزات كانت لافتة.

يجد الدكتور آبي أحمد نفسه بعد نحو ثلاث سنوات فقط في خضم واحدة من أعقد وأخطر الأزمات التي تهدد وحدة إثيوبيا، وقد تعصف به وبتاريخه كصانع للسلام.

آبي أحمد لدى تسلمه جائزة نوبل للسلام (الفرنسية-أرشيف)

وتشير دعوة آبي أحمد (وهو من عرقية الأورومو) للمواطنين لحمل السلاح والدفاع عن العاصمة أديس أبابا، وتحالف 8 قوى سياسية وعسكرية أخرى مع “جبهة تحرير شعب تيغراي” ضد حكومته وعزمهم الزحف نحو العاصمة الاتحادية أديس أبابا إلى دقة الموقف الذي تعيشه البلاد.

تسلم آبي أحمد رئاسة الحكومة في مارس /آذارعام 2018 في مناخ سياسي يشوبه التوتر والصراع السياسي الظرفي والمزمن، كأول شخص من عرقية الأورومو يشغل هذا المنصب بتزكية من “حزب الأورومو الديمقراطي”، الذي يعد أحد مكونات تحالف “الجبهة الديمقراطية الثورية الإثيوبية” بعد فوزه بأغلبية مقاعد البرلمان (547 مقعدا) في انتخابات عام 2015، وإثر احتجاجات واسعة أطاحت خلفه هايلي ميريام ديسالين (2012-2018).

استطاع الرجل خلال السنة الأولى أن يجذب قطاعات شعبية واسعة بنهجه الداعي إلى السلام والوحدة والمساواة والتوافق ومكافحة الفساد، من خلال إنهاء حالة الطوارئ وإطلاق السجناء السياسيين والدعوة للمصالحة وإقالة ومحاكمة عدد كبير من المسؤولين السياسيين والعسكريين بتهم فساد.

عمل أيضا على تهدئة الصراعات الخارجية ومحاولة استثمار بعض المشاريع التنموية والقضايا الحدودية لاستدعاء “الروح القومية”، لا سيما تصلبه في محادثات سد النهضة مع مصر والسودان، وفي الخلاف الحدودي حول إقليم الفشقة مع الخرطوم.

سرعان ما انفتحت النيران على صاحب “نوبل”، واهتزت أركان المشروع وصورة “صانع السلام” جراء احتجاجات شعبية واسعة، بينها تلك التي أعقبت مقتل المغني الشهير من عرقية الأورومو “هاتشالو هونديسا” في يوليو/تموز 2020 والنزعات الانفصالية المتجددة والتوترات في بعض الأقاليم وإعلان الحرب على إقليم تيغراي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 والتي انتهت بسيطرة القوات الحكومية على عاصمة الإقليم  ميكيلي وسط اتهامات بارتكاب “جرائم حرب” وبانتقادات واسعة لآبي أحمد، الذي بنى مشروعيته على تحقيق السلام والوحدة والرخاء.

جذور الخلاف

تعود جذور الصدام في إثيوبيا بين الحكومة الفيدرالية و”جبهة تحرير شعب تيغراي” إلى احتجاجات الشارع التي أطاحت بالحكومة السابقة التي كانت تهيمن عليها الجبهة في عام 2018 وإلى الإجراءات التي انتهجها آبي أحمد ورأتها الجبهة مقصودة لإقصائها وتصفية سيطرتها على مفاصل الدولة لنحو 27 سنة، ومن أهمها:

– إزاحة واعتقال مجموعة من المسؤولين السياسيين والعسكريين من قومية التيغراي من مناصبهم بتهم فساد وتقديمهم للمحاكمة.

– فقد التيغراي مناصب وزارية وبعض المناصب العسكرية العليا بعد تولي آبي أحمد السلطة.

– سعي آبي أحمد لتوحيد تحالف الأحزاب الحاكمة الممثلة لعدة أعراق في حزب واحد وهو “حزب الازدهار” بما يقوض نفوذ الجبهة.

– تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في يونيو/ حزيران 2020 وبالتالي تمديد ولاية آبي أحمد، وهو ما اعتبرته الجبهة غير دستوري.

– اتفاق المصالحة الذي أبرمه آبي أحمد مع إريتريا المحاذية لإقليم تيغراي، حيث العداوة التاريخية والخلافات على الحدود بين أسمرة والجبهة.

ورغم أن آبي أحمد أجرى إصلاحات حقيقية ومهمة شملت عدة مجالات، فإن أطراف إثيوبية، خصوصا التيغراي قرأتها على أنها تفكيك “الدولة العميقة” وتوجه لتكريس مفهوم جديد للهوية السياسية الإثيوبية، وبناء أسس لشرعية سياسية جديدة تعزز نفوذه مع حلفائه من الأمهرة.

واتهم أبي أحمد بتركيزحكم أكثر مركزية يرتكز على “حزب الازدهار” الذي أسسه، وبالتالي تفكيك نفوذ التيغراي ومناوئيه داخل إقليم أوروميا – الذي ينحدر منه- وخصوصا الأحزاب الأكثر شعبية مثل “جبهة تحرير أورومو” و” مؤتمر أورومو الفيدرالي”.

نحو الحرب

انفصلت الجبهة عن الائتلاف الحاكم، وتحدت آبي أحمد بإجراء انتخابات إقليمية في سبتمبر/ أيلول 2020، اعتبرتها الحكومة “غير قانونية” وبدأت  الاتهامات والإجراءات التي جعلت الحرب أمرا واقعا، خصوصا بعد الإجراءات والخطوات التالية:

–قررت الحكومة تقليص المخصصات المالية الحكومية للإقليم، وهو ما اعتبرته الجبهة “إعلان حرب”.

-اتهم آبي أحمد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 حكومة الإقليم بمهاجمة قوات الجيش الاتحادي المتمركزة هناك، وقال إن الجيش سيستخدم القوة لتأمين البلاد.

-صادق مجلس الوزراء الإثيوبي، خلال اجتماع استثنائي له، على إعلان حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في ولاية (إقليم) تيغراي، على خلفية “اعتداء على قوات الجيش ومحاولة سرقة معداتها”.

-أعلنت الحكومة المركزية توقيف عشرات المسؤولين والقادة العسكريين المحسوبين على الجبهة، ورفع البرلمان الحصانة عن العشرات من النواب المنتمين للجبهة، بما في ذلك زعيمها.

– أمر آبي أحمد في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 برد عسكري على “هجوم خائن مميت” على معسكرات الجيش الاتحادي في تيغراي، فيما نفت الجبهة مسؤوليتها، معتبرة أن ذلك  ذريعة لشن “غزو”.

-اعتبرت أديس أبابا أن الجبهة ارتكبت “خيانة عظمى” بحق البلاد، في حين اتهمتها حكومة تيغراي بالتحيز العرقي، خاصة بعدما استعانت بقوات دولة إريتريا المجاورة وإقليم أمهرة.

بعد اندلاع الحرب، حققت القوات الحكومية المدعومة بقوات من إريتريا وإقليم أمهرة مكاسب عسكرية سريعة، واستطاعت السيطرة على الإقليم وعاصمته ميكيلي في غضون أسابيع. واعتقلت الحكومة المركزية بعض رموز الجبهة ومقاتليها، بينما فر آخرون إلى المناطق الجبلية المتاخمة، وبدؤوا حرب عصابات ضد القوات الإثيوبية والعناصر الموالية لها.

أدت الحرب إلى مقتل الآلاف، وأُجبر نحو مليوني شخص على ترك ديارهم في تيغراي بعد اندلاع الصراع وأكدت العديد من المؤسسات الدولية وقوع فظائع وجرائم حرب في الإقليم، وبات مئات الآلاف يواجهون المجاعة. وهزت التقارير عن جرائم حرب محتملة بعمق صورة آبي أحمد، باعتباره “صانع سلام” حائز على جائزة دولية مرموقة.

لاجئون من التغراي يعبرون الحدود باتجاه السودان (رويترز)

حرب تلد أخرى

 

ميليشيات أمهرية موالية للحكومة قرب مدينة دابات التي هاجمتها قوات تيغراي(الفرنسية)

 

رغم هزيمتها العسكرية وفقدانها عاصمة إقليمها استطاعت “جبهة تحرير شعب تيغراي” تنظيم صفوفها والقيام بعمليات محدودة على مدار الشهور الماضية، ثم استعادة المبادرة العسكرية.

وتجدد الصراع مع عمليات فرز الأصوات في أعقاب الانتخابات الإثيوبية العامة، التي جرت في يونيو/حزيران 2021.دون التصويت في منطقة تيغراي الشمالية وأجزاء أخرى مضطربة، وفاز فيها “حزب الازدهار” الذي شكله آبي أحمد بـ410 مقاعد من  جملة 547، وفي الأثناء حققت الجبهة انتصارات على قوات الجيشين الإثيوبي والإريتري، في أماكن متفرقة من المنطقة الشمالية.

وشهد الصراع نقطة تحول مفاجئة باستعادة قوات دفاع تيغراي السيطرة على مدينة ميكيلي عاصمة الإقليم في 28 يونيو/حزيران 2021، وإعلان قوات الحكومة الاتحادية الانسحاب منها ووقف إطلاق النار من طرف واحد، فيما قالت الجبهة إنها ستكثف نضالها حتى يغادر جميع “الأعداء” المنطقة.

ومع تقدم قوات تيغراي وانضمام “جبهة تحرير أورومو” إليها تم إعلان تشكيل جبهة عسكرية وسياسية ضد رئيس الوزراء آبي أحمد للسعي إلى فترة انتقال سياسي، والتهديد باقتحام العاصمة.

وضم التحالف الجديد، الذي وقع في واشنطن تحت اسم “الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكنفيدرالية الإثيوبية” قوات “جبهة تحرير شعب تيغراي” و”جيش تحرير أورومو”، و7 مجموعات أخرى من جميع أنحاء البلاد هي:

– جبهة وحدة عفار الثورية الديمقراطية

– حركة آغاو الديمقراطية

– حركة تحرير شعب بني شنقول

– جيش تحرير شعب غامبيلا

– حركة العدالة والحق للشعب الكيماني العالمي/ حزب كيمانت الديمقراطي

– جبهة سيداما للتحرير الوطنية

– مقاومة الدولة الصومالية

المصدر : الجزيرة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى