مقالات

د.محمد مجذوب محمد صالح يكتب: هل ستتحول دارفور الي يمن أخرى؟

معلوم وبحسب ما رشح من معلومات إعلامية واخرى دبلوماسية؛ أن الرياض طلبت من واشنطن الضغط على الإمارات لكي تكف عدوانها على السودان إبان زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة إلى واشنطن ولقائه بالرئيس الامريكي ترامب؛ حيث أوضح له طبيعة ما يجري في حرب السودان. 

وعليه بدأت الإدارة الأمريكية الطلب من الإمارات إعادة النظر في التعامل  مع مليشيا متهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى السودان وفي الفاشر على وجه الخصوص ؛ وقد ظهر ذلك جليا من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي وتقارير المخابرات والإعلام الأمريكية. 

أبو ظبي من جانبها وبدلا من تبني سياسة ناعمة للخروج من وحل دارفور ومحاولة غسل اسمها الذي ارتبط بمليشيا مدانة ومجرمة على مستوي العالم فى المحافل السياسية والاعلامية والامنية والحقوقية ؛ قامت بتهديد الرياض من خلال اساليب التصعيد الاعلامي والتهديد السياسي؛ معلية سقف التحدي مع الرياض بالتلويح بتخريب حدود المملكة السعودية الجنوبية. 

وهذا ما حدث بالفعل عندما اوحت ابوظبي إلى التيار الجنوبي ذو النزعة الانفصالية إلى السيطرة على اهم محافظتين يمنيتين في جنوب اليمن (حضرموت والمكلاء)؛ تمهيدا للانفصال ومن ثم نقل التمرد إلى الداخل السعودي. 

الرياض من جانبها تعاملت بما يمليه عليها منطق الأمن القومي والاقليمي؛ وقامت بالرد العسكري المباشر؛ الذي كسر حاجز الصمت وهدم بنيان الثقة؛ وحول صراع النفوذ السعودي الإماراتي إلى صراع عسكري مسلح ومكشوف؛ وهنا ادركت ابوظبي سوء تقديراتها وتهورها فرضيت من غنيمة اليمن بالاياب. 

هذا الوضع أوضح نفوذ الرياض الإقليمي والدولي وقدرتها على الحشد السياسي الخليجي والدبلوماسي الدولي وتحول ابتزار ابوظبي إلى هزيمة سياسية مذلة فى الإقليم والعالم. 

ولكن هل ستنتهي المنافسة بين العاصمتين عند هذا الحد؛ بحيث تطمئن الرياض على امنها الوطني في حدودها الجنوبية؛ وتقض الطرف عن مشروع الإمارات التوسعي فى البحر الأحمر والسودان والصومال وفى بقية البلدان … الخ؟  ؛ خاصة وان ابو ظبي لن تترك اليمن ولكنها ستغير من ادواتها فى التأثير عليه. 

قد يقول قائل أن الإجابة هي نعم؛ وان الرياض قد ترضى بما حققته من اهداف امنية وحيوية مهمة ؛ ولكن يبقي السؤال هل زال الخطر عن الأمن الوطني السعودي؟ وهل الأمن الوطني للرياض يقتصر على الأوضاع السياسية في اليمن فحسب؟ وهل مجالات البحر الأحمر والسودان والصومال؛ لا تدخل فى نطاق امن الرياض الوطني؟ ولماذا تكلم ولى العهد السعودي ابتداء مع السياسة الأمريكية بشان حرب السودان إذن؟.

الإجابة على هذه الاسئلة ونحوها؛ توضح أن المواجهة بين الرياض وابو ظبي لن تنتهي عند المجال اليمني الجنوبي؛  بيد انها ستنتقل إلى الميادين الأخرى وبالسرعة ذاتها؛ فالمعركة هي معركة على النفوذ والأمن بصرف النظر عن الجغرافيا السياسية التي تصدر منها المهددات الأمنية.

من جانبها فإن ابوظبي امام خياران اثنان؛ الأول: الاستفادة من درس اليمن؛ والخروج من مناطق النزاع الاخرى فى الإقليم “بمحض ارادتها”؛ وهذا الخيار ممكن إذا حدث تغيير في السلطة داخل أسرة ال نهيان الحاكمة في أبو ظبي؛ كثمن سياسي لتركم الخسائر على الدويلة جراء سياسات فتاهم المغرور. 

والثاني هو خيار الإستمرار في سياسة الامبراطورية؛ وبالتالي عدم التخلي عن حلفائها من المليشيات في كل من السودان والصومال وسوريا وليبيا ونحو ذلك؛ كونها ترى نفسها قد خسرت معركة اليمن ولم تخسر حروب الامبراطورية الأخرى. 
هذآ الخيار الأخير يبدوا أنه هو المرجح؛ وان ابوظبي ستستمر في دعم مليشيتها في دارفور؛ وستحاول إعادة الاعتبار لنفسها بعد  مذلة ميناء المكلاء القاسية. 

ولان النوايا اصبحت مكشوفة من قبل  الدويلة وحليفتها إسرائيل رغبة في هدم المنطقة برمتها وتقسيمها من جديد؛ فإن التداخل فى حرب السودان لن يقتصر على إرادة الرياض ؛ باعتبار ان الخطر على أمنها الوطني سينتقل إلى الغرب عوضا عن الجنوب؛ وانما سيمتد التداخل الأمني ليشمل القاهرة وانقرة والخرطوم واسمره وعواصم اخرى في المنطقة؛ فالامن الإقليمي هنا متداخل وخطره يشمل الجميع.

هذه المعطيات الواقعية؛ تنبئ بان المسرح القادم سيكون دارفور؛ والصومال وهو المسرح الأصلي لصراع النفوذ لولا غطرسة ابوظبي وذهابها المتعجل الي حضرموت ؛ مما يعني أن المواجهة لا زالت كما هي في بدايتها وان أحداث اليمن (العارضة) قد زادت الرياض والقاهرة وانقرة قناعة أكبر على مواجهة لا مفر منها مع المشروع الصهيوني فى المنطقة وادواته الضالة..

الخرطوم وكما خاضت معركتها بعون الله وإرادة الشعب لا مانع لديها من عون الشركاء الامنيين؛ بل تسعي جاهدة لقيام حلف السلام بين الخرطوم والقاهرة والرياض واسمره ومقديشو والبقية. 

ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى