مقالات

صديق البادي يكتب: دكتور عبد الله حمدوك والحساب ولد

صديق البادي يكتب: دكتور عبد الله حمدوك والحساب ولد

 

دكتور عبد الله آدم حمدوك من مواليد منطقة الدبيبات بجنوب كردفان في منتصف خمسينات القرن الماضي أي أن عمره الآن حوالي سبعين عاماً أو أكثر قليلاً (متعه الله بالصحة والعافية) ودرس في تلك المنطقة المرحلة الأولية والمرحلة المتوسطة ودرس المرحلة الثانوية بمدرسة خور طقت الثانوية وقبل بكلية العلوم بجامعة الخرطوم في عام 1976م وتخرج في كلية الزراعة (اقتصاد زراعي) في عام 1981م وكان طالباً عادياً وربما كان عضواً بالجبهة

 

الديمقراطية أو بالحزب الشيوعي ولم يكن ناشطاً سياسياً ونفى عدد من أقطاب الحزب معرفتهم لاسمه قبل تعيينه رئيساً للوزراء ولا يعرفون له سابق انتماء يذكر للحزب الشيوعي ولعله ترك هذا الانتماء السطحي للحزب الشيوعي منذ خروجه من السودان وأصبح علمانياً غربياً يميل أكثر (للخواجات والخوجنة) وعمل لسنوات قليلة بعد تخرجه موظفاً بكردفان وبعث لبريطانيا في منتصف ثمانينات القرن الماضي ولم يعد للسودان بعد حصوله على شهادة الدكتوراة وعمل في المنظمات الخارجية وعمل موظفاً بالأمم المتحدة وآخر محطات عمله فيها كانت بأديس أبابا التي أمضى فيها عدة سنوات.

وقد أمضى دكتور حمدوك أكثر من نصف عمره خارج الوطن واقتصرت معرفته وصلته المباشرة بمناطق السودان على منطقة الدبيبات بجنوب كردفان وخور طقت التي تقع على بعد خمسة أميال من مدينة الأبيض والخرطوم وشمبات حيث نال دراسته الجامعية وربما لم تتح له ظروف الدراسة والغربة الطويلة عن الوطن التجول في أرجاء كردفان الكبرى في ديار المسيرية وديار حمر وديار الجوامعة وديار الكبابيش والكواهلة ودار حامد .. و. الخ والمؤكد أنه لا يلم بكثير شئ أو قليله عن دارفور الكبرى بكل ولاياتها الخمس ولا الولايات الوسطى ولا الولايات الشمالية ولا الولايات

الشرقية ولا جنوب السودان قبل انفصاله ووفقاً لذلك فهو لا يلم كثيراً بمعلومات وافية عن مساجد وخلاوي وعادات وتقاليد وآداب وفنون ومعالم وأعلام ورموز و… الخ تلك المناطق والولايات.
وكانت الأستاذة أميرة الفاضل تعمل بالإتحاد الأفريقي بأديس أبابا وكان دكتور حمدوك يعمل بنفس العاصمة والأستاذة أميرة وزيرة سابقة وكانت لها مكانتها داخل التنظيم الحاكم وقتئذ وكان دكتور فيصل حسن إبراهيم مساعداً لرئيس الجمهورية ونائباً لرئيس المؤتمر الوطني وهو طبيب بيطري جمعته ظروف الدراسة الجامعية بدكتور حمدوك بشمبات حيث توجد كليتا البيطرة والزراعة

وجمعتهما أيضاً رابطة طلاب كردفان والراجح أن دكتور فيصل والأستاذة أميرة هما من قاما بترشيح دكتور حمدوك لمنصب وزير المالية في حكومة الأستاذ معتز موسى الذي وافق ووافقت الأجهزة التنظيمية والأمنية على ترشيحه وأُبلغ بهذا الترشيح ووافق على الفور مبتهجاً وشاكراً ومقدراً لهم وأُعلنت موافقته على الملأ ولكنه نكص عنها واعتذر مبرراً ذلك بأن ظروفه الخاصة لا تسمح له بذلك في الوقت الراهن وهو على أتم الاستعداد للتعاون معهم في أية مهمة يكلفونه بها ويؤكد البعض أن سبب اعتذاره أن رجل أعمال سوداني من كبار الأثرياء يقيم في الخارج وليست له علاقة تذكر بالسودان منذ عقود من الزمان وله علاقات بدوائر

وشبكات غربية هو الذي طلب منه استجابة لطلبها الاعتذار عن قبول المنصب. وبعد سقوط النظام السابق في اليوم الحادي عشر من شهر أبريل عام 2019م ظلت البلاد لمدة أربعة أشهر بلا حكومة وكانت في حالة فوران وغليان ومواجهات وصد بالبمبان ومظاهرات مدنياو مدنياو وبعد شد وجذب وأخذ ورد ووسطاء وأجاويد من الخارج والداخل تم الاتفاق في شهر أغسطس وأقيم احتفال كبير بثته الفضائيات والاذاعات بثاً مباشراً وتم التوقيع على وثيقة سميت بالوثيقة الدستورية أُقر فيها أن يكون عمر الفترة الانتقالية تسعة وثلاثين شهراً تبدأ فور التوقيع على الاتفاقية (وهذا يعني أن تنتهي الفترة الإنتقالية وتنتهي

صلاحية تلك الوثيقة الدستورية في شهر نوفمبر عام 2022م) وتم الاتفاق في تلك الوثيقة أن يكون مجلس السيادة مناصفة بين العسكريين والمدنيين وأن يتبادل الطرفان رئاسة مجلس السيادة وتكون الرئاسة في النصف الأول من الفترة الإنتقالية للعسكريين وتكون في النصف الثاني للمدنيين (وكنا نشاهد في الشاشة البلورية ما يجري في ذلك الاحتفال بتلك القاعة وقلت لمن كانوا معي وبدون دخول في التفاصيل إن خلفيات ومؤشرات عديدة تؤكد أن السيد رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة لن يتنازل للشق المدني عندما يحين وقت التنازل والتسليم وفقاً للمكتوب على الورق حتى لو انطبقت السماء على

الأرض) وأُقر في الوثيقة الدستورية أن يعهد اختيار وتعيين رئيس الوزراء لقوى الحرية والتغيير (قحت) التي وجدت فيها الأحزاب الصفرية وشبه الصفرية ذات الوزن الجماهيري الخفيف ضالتها ويحب المنتمون إليها أن ينسبوا لقوى الحرية والتغيير واسمها الفخيم ولا يحبون أن ينسبوا لأحزابهم ذات الأوزان الجماهيرية الخفيفة (وزن الريشة) ورغم أن دكتور بركات موسى الحواتي اعتذر عن تولي منصب وزير وزارة الحكم الإتحادي كما اعتذر دكتور حمدوك إلا أن استقالته أصبحت نسياً منسياً ولم يذكره أحد واتفقت الأطراف الداخلية القحتية مع القوى الأجنبية التي تحدد المسار على اختيار دكتور عبد الله حمدوك لتولي منصب رئيس الوزراء. وقبل أن يحضر ويؤدي القسم ويباشر مهامه

قاموا وهو بالخارج بعملية مكياج إعلامي كثيف وتجميل لصورته وصوروه للشعب السوداني وللعالم بأنه البطل المرتقب المنقذ للسودان وزعموا أن له علاقات خارجية ستفك العزلة عن السودان وله خبرات وقدرات اقتصادية ستحول التراب لتبر وسيخلق من الفسيخ شربات وسيعم الرخاء والهناء بعد عودته الميمونة وقبل أن يحضر أعدوا تمثيلية ووضعوا خطة يصبح فيها هو مثل من يركب بكامل زينته كأي عريس على ظهر فرس مطهم ولكنهم هم الذين يمسكون بلجام الفرس ليوجهوه ويقودوه لأية وجهة يريدونها وما على راكب الفرس إلا الطاعة والولاء وتنفيذ ما يطلبونه وقد درسوا شخصيته جيداً قبل أن يقع اختيارهم عليه. وعند وصوله للخرطوم صحب ذلك إعلام صاخب

كثيف واستقبل كأنه محمد الفاتح عند فتح القسطنطينية أو كأنه المعتصم عند انتصاره في عمورية وبعد أدائه القسم ومباشرته لمهامه وقبل أن يؤدي أي عمل وانجاز يذكر وصف بأنه يتمتع بتأييد وسند شعبي كبير وان شعبيته أكثر من شعبية الإمام المهدي ومن شعبية الرئيس إسماعيل الأزهري !!! وأخذوا بعد ذلك يهتفون شكراً حمدوك شكراً حمدوك (وكل هذا كان تمثيل في تمثيل) ورددوا كثيراً وأشاعوا أن لدكتور حمدوك علاقات دولية ستفك العزلة عن السودان وتجلب له دعماً كبيراً مالياً وعينياً من الخارج. والأمم المتحدة تضم موظفين كثيرين أعدادهم بالمئات بل بالآلاف

يعملون في عواصم دول كثيرة. وليس لحمدوك علاقات مباشرة مع رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية وغيرهم ولم يكن يعمل بنيويورك أو جنيف وهو موظف أممي يعمل في أديس أبابا له مهام محددة يؤديها كسائر الموظفين الأمميين الآخرين. والأمم المتحدة ومنظماتها لا تتعامل مع الدول والحكومات عبر الأفراد وعلاقاتهم الشخصية حتى لو كانت لهم مواقع رفيعة في مقر رئاسة الأمم المتحدة بنيويورك أو في مقر مجلس الأمن بجنيف وحتى دكتور بطرس بطرس غالي عندما كان سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة لم يصدر عنه ادعاء بأنه سيقدم لمصر كذا وكذا وكذلك فإن دكتور كوفي عنان عندما كان سكرتيراً عاماً للأمم المتحدة لم يصدر عنه مثل هذا الادعاء ولم يصرح بأنه سيفعل لغانا كذا وكذا وعمل في الأمم

المتحدة ومنظماتها عدد من السودانيين كانت مواقعهم أكبر وأرفع كثيراً من موقع دكتور حمدوك ومنهم على سبيل المثال دكتور منصور خالد الذي اعتلى مواقع أممية رفيعة وعمل وزيراً للخارجية وكانت له معرفة شخصية وعلاقات واسعة مع رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية ولم يصدر عنه مثل هذا الادعاء.
والسياسة العامة للدولة والخطط الاقتصادية وموجهات السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والحديث عن اعفاء الديون الخارجية لا تتم خبط عشوائي بالشعارات والهتافات (ولا بالكواريك) في الشوارع لتنتهي بمقولة (شكراً حمدوك).
والمجال لا يتسع للخوض في التفاصيل وأكتفي هنا بوقفات قصيرة ومنها أن الحبل ترك على القارب في الفترة الانتقالية ولذلك أخذ عدد من السفراء والدبلوماسيين الأجانب

 

يسرحون ويمرحون ويبرطعون وتعاملوا مع السودان باستخفاف كأنه وطن بلا عزة أو كرامة ودولة بلا سيادة وكان بعض الموهومين تنتفخ أوداجهم ويحسون بالزهو عندما يردد الواحد منهم بكل فخر أنه ألتقى بالسفير الأمريكي وضحكا وتبادلا الحديث. وكان السفير البريطاني السابق يكتب في الصحف ويطرح آراءه ويدلي بإفاداته ويخوض في مسائل داخلية تمس السيادة الوطنية وينتقد ويرشد ويوجه وكأنه وصي على السودان وهو الذي ساهم في كتابة الخطاب الذي كتبه دكتور حمدوك للأمم المتحدة ولمجلس الأمن وبموجبه أستجيب لطلب حمدوك وتم تعيين الاستعماري الخبيث فولكرالذي كان في فترة وجوده في السودان يتعامل وكأنه الحاكم العام للسودان وكان يتدخل

ويحشر أنفه في المسائل الداخلية وكان هو المشرف الخفي والممول للمظاهرات وما كان يتبعها من حرائق ومواجهات دموية وتعطيل للعمل مع سعيه هو ومن معه من مستشاري السوء والعمالة للاساءة للجيش الباسل ومحاولة اضعافه وقد خاب سعيهم مع محاولاتهم اليائسة البائسة ليكون الدعم السريع هو الأساس والعمود الفقري لجيشهم الجديد الذي كانوا يحلمون به في الخيال ويتحدثون عن ضرورة تكوينه بأسس جديدة وعقيدة جديدة كما كانوا يتوهمون. وفي تلك المرحلة أصبح السودان شبه مستعمر ويتدخل الأجانب في وضع سياساته الاقتصادية وتسيير شؤونه المالية مع التدخل بإعادة النظر في بعض المناهج الدراسية التي لا تروق لهم لا سيما في مادة التربية الإسلامية مع

سعيهم لفرض القوانين التي يريدونها. ومع ان الفترات الإنتقالية لا يوضع فيها دستور دائم ويتم الإكتفاء بالدستور المعدل الذي كان قائماً ومسألة النظر في الدستور لم تكن مسألة عاجلة أو مطلباً شعبياً ملحاً ولكن بكل استبداد وغطرسة وضعوا دستوراً للسودان في الخارج وأقاموا في إحدى القاعات بالخرطوم احتفالاً للتوقيع على ما أطلقوا عليه الإطاري وحددوا من يوقع عليه ومن لا يوقع عليه ليحدثوا فتنة وانقساماً في الصف الوطني مع توقيع القائد العام للقوات المسلحة باسمها وتوقيع قائد الدعم السريع باسم تلك القوات وأرادوا بخبث أن يعلنوا للعالم بأنه يوجد في السودان جيشين. وفي ظل الهمجية والفوضى

والمراهقة السياسية والصراع المفتعل بين ما يطلق عليه (القحاتة والفلول) فرضوا هيمنتهم… وفي السياسة الخارجية كان حميدتي يتصرف كما يشاء ويقوم بزيارات رسمية لبعض الدول مثل روسيا والأمارات لعقد صفقات تتعلق بالذهب الذي يخصه وأسرته (وقد تم تمليكه بطريقة عشوائية جبلاً من الذهب هو جبل عامر) وتلك زيارات وصفقات تخصه ولكنه ربطها بمسار العلاقات الخارجية السودانية وفي هذا خلط بين العام والخاص… وعندما التقى الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة في كمبالا بنتنياهو رئيس وزراء اسرائيل وكان ترامب يسابق الزمن ليعلن السودان تطبيع علاقته مع اسرائيل ليفيده ذلك في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الدورة السابقة

التي فاز فيها الرئيس بايدن عليه ولم يتحقق له ما أراده وعندما سئل حمدوك عن لقاء البرهان ونتنياهو وكان على علم مسبق به أمسك العصاة من منتصفها وقال إن هذا الموضوع متروك للمجلس التشريعي الانتقالي عند تكوينه ولم يعلن موافقته على اللقاء ولم يعلن رفضه له وأراد أن يرضي الخواجات واسرائيل والدول الغربية ومن جهة أخرى أراد أن يتحاشى الدخول في خلاف مع قحت إذا أبدت تحفظها أو رفضها. أما الإمام الصادق المهدي رحمه الله فقد كان واضحاً وصريحاً وأعلن أنه ضد التطبيع مع اسرائيل ولم تكن له سلطة لينفذ التطبيع أو يرفضه (ولكنه أعلن رأيه بصراحة وحدث ما حدث بعد ذلك والله أعلم).

وفي المجال المالي والاقتصادي أعلن عن مؤتمر للمانحين يعقد ببرلين بألمانيا لتقديم دعم ومساعدات للسودان وكانت حصيلته هزيلة رغم ما صحبه من إعلام (جعجعة بلا طحين) وأعلن عن مؤتمر في باريس سبقه وتزامن مع انعقاده إعلام كثيف وحضر المؤتمر وفد سوداني كبير وكانوا يحسبون أن الأموال والمساعدات ستنهمر عليهم مع اتخاذ قرارات بإعفاء الديون ولو بالتدريج ولم يتحقق ما كان منتظر اًو متوقعاً من مؤتمر باريس وقدمت مساعدات ضئيلة هي مجرد فتات مع عقد اتفاقيات مبدئية لاستثمارات قيل أن النظر في هذه الاتفاقيات سيكون بعد عدة سنوات يعني (الموضوع طلع بندق في بحر).

والإتحاد الأوروبي كان يدفع بالعملات الحرة مرتبات العاملين في مكتب رئيس الوزراء من الذين يتم تعيينهم تعييناً سياسياً وليس من الذين تدرجوا تدرجاً عادياً في الخدمة المدنية. وفي صرف سودانيين يعملون في حكومة السودان لأموال تأتي من الخارج فيه مس بالسيادة الوطنية ولكن لا غبار على من يعملون في السودان في منظمات اقليمية أو دولية ويصرفون بالعملات الحرة أو المحلية ولكن أن يكونوا عاملين في مكتب رئيس وزراء جمهورية السودان فهذا خطأ.

وأعلن دكتور حمدوك رئيس الوزراء عن منحة من الإتحاد الأوروبي تقدم في مشروع اسمه ثمرات وتمنح لكل سوداني هبة مالية مبلغها ضئيل لا يكفي متطلبات طفل صغير لمدة يومين. ولعل أكثر من ثمانين في المائة كما أعلن في الصحف لم يصرفوها لصعوبة الإجراءات مع امتناع الكثيرين عن صرفها وكانوا يأنفون أن تمتد أيديهم لأخذها. وكان مشروع منحة ثمرات مشروعاً فاشلاً وكان الأنسب أن تحول تلك الأموال للخدمات.

وبعد أشهر قليلة من تعيينه زار دكتور حمدوك المملكة العربية السعودية وهناك صرح بأنه يعمل بلا خطة وبرنامج اقتصادي واضح لأن قحت لم تسلمه هذا البرنامج وبعد ذلك ظهر تياران في المجال الاقتصادي كالخطين المتوازيين أحدهما أعلنه دكتور صدقي كبلو رئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب الشيوعي والعضو باللجنة الاقتصادية لقحت ومفاده أنهم ضد أي إملاءات من البنك الدولي أو أي فاتورة يقدمها صندوق النقد الدولي والتيار الثاني يتمثل في رؤية دكتور البدوي وزير المالية وهو خبير اقتصادي لا أدري هل كان يعمل بالبنك الدولي أو بصندوق النقد الدولي ووقف دكتور

حمدوك حائراً بينهما. ومضى وزير المالية بما يملكه من سلطة في تنفيذ ما يراه في ظل عدم وجود برلمان أو مجلس تشريعي انتقالي يحاسب ويراجع ويجيز أو يرفض إجازة أي مشروع بعد إجراء مداولات وافية حوله وأعلن وزير المالية عن زيادة المرتبات بنسبة خمسمائة وخمسين في المائة بنسبة زيادة لم يحدث مثلها في العالم وفي السودان كانت الزيادات في المرات السابقة لا تزيد على العشرين في المائة أو أقل من ذلك ونفذ الوزير ما قرره وأحدثت الزيادات تضخماً هائلاً وارتفاعاً جنونياً في الأسعار وأصبح الموظفون والعمال يحنون لمرتباتهم السابقة قبل الزيادة الخرافية التي تضررت منها كل قطاعات الشعب السوداني وهبطت القيمة الشرائية للعملات المحلية

للحضيض. وتعاقب على وزارة المالية في عهد دكتور حمدوك ثلاثة وزراء هم دكتور ود البدوي ودكتورة هبة ودكتور جبريل إبراهيم. وكان حميدتي رئيس اللجنة الاقتصادية العليا!!!!!!! كثير النقد لأداء حكومة حمدوك نائبه في رئاسة اللجنة الاقتصادية !!!! وكان كثير النقد للأداء الاقتصادي للحكومة وآنئذ كان بينه وبين قحت من العداوة والبغضاء ما صنع الحداد.

وعندما أعلن الفريق عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة قراراته الشهيرة في رمضان المعظم في عام 2021م والتي حل بموجبها مجلس السيادة ومجلس الوزراء وعدد من اللجان والهيئات وتم اعتقال عدد من أولئك المسؤولين المعفيين ولم يعتقل دكتور عبد الله حمدوك وتم التحفظ عليه بمنزله أو بمنزل آخر وعومل أفضل معاملة وكان يدور همس غير مؤكد بأنه كان على علم مسبق بتلك القرارات وكان في حالة ضيق شديد من قحت ويريد التخلص من سعيها المتصل لفرض وصايتها عليه ليكون رهن إشارتها لأنها هي التي رشحته وساهمت في تعيينه ولعله

أراد أن يكون التخلص منها بيد غيره لا بيده وكان يأمل بعد التخلص من قبضتها أن يُكون مجلس تشريعي انتقالي ينهي هيمنتها ومحاولة سيطرتها. وفي الوقت المناسب المتفق عليه عقد اجتماع بثته الفضائيات أعلن فيه الاتفاق مع دكتور حمدوك على إعادته لموقع رئيس الوزراء وقال الفريق أول البرهان بالحرف الواحد (أشكر الأخ عبد الرحيم حمدان الذي كان له دور مقدر في الوصول لهذا الاتفاق) ولعل كل شئ كان متفق عليه وأرسل دقلو ليحضره معه لحضور الاجتماع الذي أعلن فيه الاتفاق وفي تقديري ان سبب تمسكهم به أنه لين العريكة والتعامل معه سهل. والعلاقة كما هو واضح سلسة بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد

الفتاح البرهان وبين رئيس مجلس الوزراء دكتور كامل إدريس وبذات القدر فإن الفريق أول البرهان في تقديري لا يمانع في تعيين دكتور حمدوك لأن التعامل معه سهل. وبعيداً عن عالم ساس يسوس الشائك وتباين وجهات النظر والمواقف فإننا كمواطنين عاديين نراقب من بعيد فإننا نشهد بأن دكتور حمدوك على المستوى الشخصي ومن خلال خطبه التي سمعناها ومن خلال مؤتمراته الصحفية التي عقدها واللقاءات التي تجري معه في الفضائيات والاذاعات يتضح منها انه على قدر من التهذيب واللياقة عندما يتحدث وذهنه مرتب ويضبط كلماته ضبطاً محكماً وقد دانت له

السلطة والحكم وكما يقول الشيخ العبيد ود بدر عن من يحكم (الحكم داير ضهر وداير قهر) والدكتور كان له ضهر (ظهر) يستند عليه يتمثل في قحت وفي القوى الأجنبية الداعمة له لينفذ خططها وسياساتها أما القَهَر فإن الحاكم في مثل الظروف الراهنة وغيرها ينبغي أن يكون ليناً في وقت اللين ومرناً في وقت المرونة وحازماً وصارماً في وقت الشدة التي تقتضي أحياناً (نفساً حاراً) وحمدوك كما يبدو فإن نفسه هادئ ولا أقول بارد ولذلك استغل البعض هذه المرونة والسهولة واعتبروا انه هين لين وأشيع في بداية عهده أن دكتور الشفيع خضر كان وصياً عليه وقيل فيما بعد أنه بحكم صداقة قديمة بينهما كان يدبر معه كيفية سكنه وما إلى ذلك من الأشياء الخاصة وأشيع بعد ذلك أن ما

يطلق عليها شلة المزرعة هي الوصية عليه ثم عُين مستشار سياسي له أعد وأعلن ما سميت المبادرة السياسية لدكتور حمدوك. وفور إعادة تعيين دكتور حمدوك بعد قرارات رمضان المشار إليها آنفاً شنت عليه قحت حملة إعلامية شرسة واضطر لتقديم استقالته في شهر فبراير عام 2022م وهي استقالة أذيعت على الملأ ومنذ ذلك الوقت أصبح رئيس وزراء سابق ولكنه ظل يعلن أنه رئيس الوزراء الشرعي ولا ندري من أين استمد هذه الشرعية؟! وبمناسبة الذكرى الستينية لثورة اكتوبر في عام 1964م ألقى خطاباً

وجهه للشعب السوداني وكأنه رئيس للوزراء أو للدولة. والبلاد شهدت اقذر وأحط حرب في تاريخها فهل يرضى ضمير دكتور حمدوك أن ينتظر القوى الأجنبية المعادية للسودان أن تعيد تعيينه رئيساً للوزراء ليصعد على جماجم وجثث عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء العزل من السلاح وهل يرضى أن يصعد لهذا الموقع على أكتاف من سرقوا ونهبوا واغتصبوا وأهانوا الشعب السوداني العظيم ولا أحد يفرض وصايته عليه ولكن من الخير له أن يعتزل السياسة في هذه المرحلة مع التزام الصمت لأن من هو معهم الآن لن يسمحوا له بالإدلاء بأي تصريح ضدهم وإلا فإنهم سيصفونه ويمكنه إن أراد أن يعود للوطن وهو يصلح أن يكون وزيراً مقتدراً للزراعة أو وزيراً مقتدراً للاستثمار ولكنه لا يصلح للقيادة والرئاسة في هذه المرحلة لأنه لا يجابه ولا يواجه ولا يكون حازماً عندما يقتضي الموقف ذلك ويحبذ أن يجابه الآخرون بالإنابة عنه.

حاشية:
بعض الشباب الذين كانوا مسؤولين يتسم بعضهم بالهدوء والرزانة وهم مؤهلين علمياً ونالوا أرفع الشهادات من أرقى الجامعات ويمكن أن يعملوا في أرقى الجامعات أو تستوعبهم المنظمات الاقليمية أو الدولية بأعلى المرتبات والإمتيازات فما الذي يجبرهم على الخوض في بحر السياسة الآسن في هذه المرحلة التي يمر بها الوطن العملاق الجريح الذي سيعود عملاقاً ومارداً اقتصادياً ورقماً اقليمياً ودولياً مرموقاً بإذن الله سبحانه وتعالى.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى