سعاد سلامة تكتب: ..همس البوادي..حملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة: حين يصبح الصوت واجبًا والوعي ضرورة

سعاد سلامة تكتب: ..همس البوادي..حملة 16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة: حين يصبح الصوت واجبًا والوعي ضرورة
في عالمٍ يتغيّر بسرعة مذهلة ما تزال المرأة في بلدان عديدة تقف على حدود الخطر تواجه عنفا بأشكال لا تنتهي بعضها يُرى بالعين وبعضها أشد قسوة لأنه يُمارَس في صمت
مع حلول الخامس والعشرين من نوفمبر كل عام ينطلق النداء العالمي عبر حملة الستة عشر يوما لمناهضة العنف ضد المرأة ليذكّر البشرية بأن حق النساء في الأمان ليس أمتيازا بل حق أصيل لا يمكن المساومة عليه.
تكتسب هذه الحملة أهميتها من أتساع رقعة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتعدد مظاهره، إذ تُعقد خلالها الورش والندوات والبرامج التوعوية وتُفتح ملفات كثيرة طالما ظلت بعيدة عن النقاش المباشر.
الهدف ليس فقط تسليط الضوء بل خلق وعي حقيقي ودفع المجتمعات إلى الاعتراف بأن العنف ضد المرأة ليس ظاهرة فردية بل بنية اجتماعية تحتاج إلى تفكيك وإصلاح.
العنف القائم على النوع الاجتماعي يتراوح بين العنف المنزلي والجنسي والاقتصادي وصولاً إلى الاتجار بالبشر والاستغلال وهو عنف يترك جروحا لا تُرى بسهولة لكنه يغيّر حياة الضحايا كلياً .
في دول مثل السودان تتضاعف التحديات مع ظروف النزوح والحروب والضغوط الاقتصادية، ما يجعل النساء والفتيات أكثر عرضة للتهديد خاصة النازحات واللاجئات والمهاجرات اللواتي يفتقرن أحيانا لأبسط وسائل الحماية والدعم.
تتجذر هذه الظاهرة في عوامل متعددة ثقافية واجتماعية واقتصادية ونفسية فالأعراف التي تقلل من قيمة المرأة والتقاليد التي تمنح الرجل سلطة مطلقة داخل الأسرة والفقر والبطالة والاعتماد المالي الكامل على الزوج جميعها تصنع بيئة تسمح باستمرار العنف.
كما يسهم ضعف القوانين وبطء العدالة في مضاعفة الخطر إذ يشعر المعتدون بأنهم في مأمن من المساءلة.
لا تقتصر آثار العنف على لحظة الاعتداء بل تمتد إلى أعماق النفس فتخلّف القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس وإلى الجسد فتسبب إصابات دائمة ومشاكل صحية خطيرة وإلى المجتمع فتؤدي إلى تفكك الأسرة وزيادة معدلات التسرب من التعليم وإقصاء المرأة من سوق العمل ما ينعكس سلبًا على التنمية بأكملها.
لهذا فإن معركة القضاء على العنف ضد المرأة تبدأ أولًا من الاعتراف بأن المشكلة ليست شأنًا خاصًا بل مسؤولية عامة، وأن حماية المرأة لا تكتمل بالقوانين وحدها بل تحتاج إلى تمكين اقتصادي حقيقي وفرص عمل عادلة وتغيير في أنماط التنشئة وتعزيز ثقافة تحترم إنسانية المرأة وتضع كرامتها فوق أي اعتبارات اجتماعية بالية.
كما يجب أن تتضافر جهود المؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لتوفير الدعم النفسي والقانوني وضمان وصول الضحايا إلى خدمات آمنة وسرية.
في ظل حملة الستة عشر يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة تتجه الأنظار نحو المنظمات الدولية بوصفها شركاء أساسيين في معركة لا تزال النساء في كل مكان يدفعن ثمنها.
فالعنف القائم على النوع الاجتماعي لم يعد قضية محلية بل جرحا إنسانيا يتطلب من هذه المنظمات انتقالا جادا من مرحلة التقارير إلى مرحلة الفعل المباشر.
إن العالم ينتظر منكم إجراءات ملموسة تنقذ النساء اللواتي يعشن تحت التهديد اليومي وأن تتحول الوعود إلى شبكات حماية حقيقة تتيح لكل امرأة بابا مفتوحا للدعم لا قائمة انتظار طويلة
وعلى المنظمات الدولية أن تكون الصوت الذي يعلو نيابة عن النساء في مناطق النزاعات حيث تختلط المعاناة بالصمت، وحيث تُترك النازحات واللاجئات والمهاجرات بلا حماية كافية.
إن الضغط من أجل قوانين رادعة ومسارات عدالة سريعة وخدمات طوارئ آمنة لم يعد ترفًا بل ضرورة ملحّة.
نطالب هذه المنظمات بأن تعزز برامج التمكين الاقتصادي للنساء لأن المرأة التي تمتلك قوت يومها تمتلك حريتها وقرارها وأن تعمل على تأسيس مراكز للدعم النفسي والقانوني تستمر ولا تتلاشى بانتهاء التمويل.
لا بد من الاستثمار في تغيير الثقافة قبل تغيير النصوص القانونية فالعنف يبدأ بفكرة ويتغذّى بصمت المجتمع وينتشر حين تغيب العدالة.
إن تجاهل أصوات النساء أو تأجيل قضاياهن يعني فتح الباب لمزيد من الألم والظلم فالمجتمع الذي تُهان فيه المرأة لن يعرف استقرارًا ولا سلامًا.
في هذه الحملة العالمية يبقى النداء موجّها إلى المنظمات الدولية، لا نريد شعارات جديدة بل أثرا حقيقيا يعيد للمرأة حقها في الأمان والعدالة والكرامة.
*فاصلة*
في خضم هذه الجهود تبقى الحقيقة واضحة إن بناء مجتمع آمن يبدأ من حماية أضعف حلقاته وكل خطوة تُتخذ نحو إنصاف المرأة هي خطوة نحو مجتمع أكثر عدلا واتزانا.
فالمرأة ليست نصف المجتمع كما يُقال بل هي قلبه الذي إن تأذّى اختلّت الحياة.
فلنرفع صوت الوعي فوق ضجيج العنف ولنجعل من هذه الحملة بداية لا نهاية
اللهم أحفظ نساء أوطاننا واجعل لهن في كل طريق أمناً.
اللهم أمنا في أوطاننا.





