مقالات

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..حين يُقصى الضوء ويُحتفى بالظل تأملات في اغتيال الكفاءات داخل المؤسسة الشرطية

د. الشاذلي عبداللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..حين يُقصى الضوء ويُحتفى بالظل تأملات في اغتيال الكفاءات داخل المؤسسة الشرطية

 

 

 

أنا لست طبيبًا نفسيًا… بل متأمّلًا في النفس.
لا أزعم امتلاك مفاتيح العقول البشرية من منطلقٍ أكاديمي، لكنني متأمِّل…
في النفوس، في السلوك، في ما وراء الكلمات، وفي ما يُقال بالصمت أكثر مما يُقال بالصوت.
أراقب منذ سنوات، لا كمحللٍ جامد، بل كإنسانٍ يشعر، ويُصغي، ويتساءل:

> لماذا يُحارَب الكُفء؟
لماذا يُقصى صاحب الرأي والمبادرة؟
لماذا أصبح التميّز تهمة تُخيف، لا قيمة تُشجَّع؟

لقد شهدتُ بنفسي كيف يُستنزَف المُخلِص، ويُكافَأ الفارغ، وكيف يُصبح الحسد المؤسسي أقوى من أي قانون مكتوب.

أولًا: الحسد المؤسسي – التحليل النفسي للسلوك الإداري

في علم النفس، يُعرَّف الحسد بأنه شعور بالنقص تجاه ما يمتلكه الآخر.
أما في المؤسسة، فلا يبقى الحسد عاطفةً داخلية، بل يتحوّل إلى:

تقارير غير عادلة.

تهميش متعمَّد.

عزل ممنهج.

> هذا ما يُعرف بـ “العدوانية السلبية في العمل” (Passive-Aggressive Behavior)، وهي أكثر تدميرًا من العداء الصريح.

ثانيًا: سيكولوجية الحاسد – لماذا يُقصي الأكفاء؟

يخشى بعض القياديين بروز زملائهم، نتيجة ما يُعرف بـ:

> “التهديد المهني الوجودي” (Existential Professional Threat)

فينشأ عن ذلك سلوك دفاعي يشمل:

التقليل من إنجازات الآخرين.

اختلاق الملاحظات ضد المتميّزين.

تقديم الولاء الشخصي على الأداء المهني.

تشويه السمعة بالإشاعات أو التقارير المغرضة.

ثالثًا: آثار الحسد على بيئة العمل

حين يستشري الحسد في مؤسسةٍ ما، فإنها تشهد:

1. انخفاض الدافعية.

2. عزلة داخلية للكفاءات.

3. احتراقًا نفسيًا وارتفاعًا في التوتر.

4. مغادرة صامتة للمبدعين.

5. تثبيت الرداءة كمعيار مقبول.

> إنها بيئة تُعيد تدوير الفشل، وتُقصي الناجحين، وتُقوّض العدالة من جذورها.

رابعًا: من التحليل إلى الإصلاح

من يفهم الحسد كنظامٍ مختل، لا كعاطفةٍ فردية فقط، يُدرك ضرورة الإصلاح المؤسسي.

نوصي بما يلي:

1. إنشاء وحدة نفسية تنظيمية ترصد المناخ المهني وتتدخل مبكرًا.

2. وضع معايير شفافة للترقيات تستند إلى الأداء، لا العلاقات.

3. تشكيل لجان مستقلة للنظر في الشكاوى المهنية.

4. تقييم السلوك الإداري للقيادات عند التجديد أو الترقية.

5. تعزيز ثقافة التقدير العلني للكفاءات والمبادرات.

الكفاءة لا تُهدِّد… إلا من يخشى الضوء

> في بيئة العمل العادلة، يُرحَّب بالضوء.
أما في البيئة المختلَّة، فإن أول ما يُحارَب هو من يُضيء.

نعم، لقد قُتلت الكفاءة…
لا بطلقة، بل بتقرير.
لا بمحاكمة، بل بصمت.

فاحموا الكفاءات، قبل أن يُصبح الضوء استثناءً… والظلُّ قاعدة.

> قال تعالى:
“قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ”
(الأنعام: 104)

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى