مقالات

إبراهيم شقلاوي يكتب :..وجه الحقيقة..المعادلة الذهبية للتفاوض والسلام

إبراهيم شقلاوي يكتب :..وجه الحقيقة..المعادلة الذهبية للتفاوض والسلام

 

تخوض بلادنا معركة وجودية لاستعادة وحدتها، وقد جاءت المبادرة السعودية – الأمريكية عقب تصريحات مفوض حقوق الإنسان فولكر تورك التي أكدت أن الحرب تُدار بالوكالة بدافع الأطماع في الموارد.

هذا التصريح أعاد ترتيب قواعد اللعبة، وشرعن سرديات ظلت الخرطوم ترددها طويلاً دون أن تجد صدى في الخطاب الإقليمي والدولي. في هذا المقال نناقش كل هذه الأفكار، بجانب الفرصة الذهبية للتفاوض والسلام.

لقد انتقل النقاش من “كيفية إنهاء حرب داخلية” إلى “كيفية وقف تدخلات خارجية توظّف الحرب لتحقيق أطماع ومكاسب اقتصادية”، وهو تحول جوهري يجعل أي حديث عن تسوية سياسية غير ممكن ما لم تُعالج مستويات الصراع الثلاثة معًا:

مستوى داخلي بين الدولة ومليشيا مسنودة من الخارج، ومستوى إقليمي تتنازع فيه المحاور على موطئ قدم في بلد بالغ الثراء، ومستوى دولي يتعامل مع الأزمة وفق منطق إدارة المخاطر المهددة لأمن المنطقة لا وفق منطق دعم استعادة السيادة السودانية وحفظ مؤسسات الدولة من الانهيار.

وتأتي أهمية التصريح الأممي أنه للمرة الأولى يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته : السودان ليس مجرد ساحة نزاع محلي، بل ساحة تنافس فوق إقليمي تُستخدم فيها الحرب بالوكالة طمعا في الموارد والثروات.

في هذا المناخ المخزي تحاول الدولة إعادة تثبيت موقعها. فزيارة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان للقطينة وما حملته من رسائل حول تماسك الجبهة الداخلية، تعتبر محاولة واعية لإعادة بناء الشرعية من الداخل في وقت تحاول فيه قوى خارجية — وعلى رأسها الإمارات وفق التقارير الدولية — إعادة هندسة المشهد السياسي فرضًا لصالح أجندتها.

وإصرار الجيش والحكومة على أن الحرب ليست خيارًا بل ضرورة وجودية يأتي في مواجهة سرديات كانت تسعى لمساواة الجيش بالمليشيا، وهي سرديات فقدت قوتها بعد الاعتراف الأممي بالتدخلات الخارجية.

وفي إطار الحديث عن التفاوض وما رشح عن رؤية السعودية للحل، تجدر الإشارة إلى أن موقع المؤسسة العسكرية ليس مطروحًا على الطاولة لسببين موضوعيين: أولًا: لأنها تحولت بفعل الحرب إلى الضامن الوحيد لاستمرار الدولة، لا طرفًا سياسيًا يخضع للمساومة أو الابتزاز.

وثانيًا: لأن الأحزاب السياسية — المنقسمة والمنهكة — غير قادرة حاليًا على تشكيل كتلة مدنية موحدة يمكن الاستناد إليها في عملية انتقال متماسك.

وبالتالي فإن التفاوض لا يستهدف إعادة تعريف موقع الجيش، بل يستهدف تمكينه من أداء دوره في حماية مسار الدولة، مع تحميله مسؤولية رؤية واضحة للسلام، لا جعله موضوعًا للمزايدة.

هذا يفرض رؤية جديدة لمسار التفاوض: تفاوض يُبنى على واقعية القوة، لا على هندسة سياسية متخيلة، بحيث تُدار العملية وفق معادلة تُوازن بين سلطة الدولة وشرعية المجتمع، وتعيد الاعتبار لثوابت السيادة دون الانزلاق نحو عسكرة السياسة أو تدويل القرار الوطني.

وتأتي المبادرة السعودية –الأمريكية في لحظة اختناق سياسي عالمي، حيث تسعى واشنطن والرياض لتثبيت دورهما قبل تغيّر موازين القوى ميدانيًا. إلا أن الإشكالية تكمن في أن المبادرة تتحرك دون الاعتراف الكامل بأن أحد أبرز الأطراف المتهمة — الإمارات — أصبح طرفًا غير مقبول شعبياً ولا رسميًا بعد القطيعة المعلنة. وهنا يثور سؤال مشروع:

لماذا لا تُعلن الحكومة السودانية خارطة طريق محكمة تستبعد الإمارات وتستعين بأطراف أكثر موثوقية مثل قطر ومصر وتركيا؟

الإجابة ليست أخلاقية بل سياسية: فالسودان يعمل داخل شبكة ضغوط دقيقة، وأي استبعاد مباشر قد يفتح جبهة صراع دبلوماسي أوسع، بينما الهدف الأساسي هو تحييد الدور الإماراتي عملياً دون خلق مواجهة مفتوحة. ولذلك يبدو الحل العملي هو توسيع دائرة الوساطة بدل استبدال طرف بآخر، وبذلك يتحقق التوازن المطلوب ويُقلَّص نفوذ أي قوة منفردة دون إثارة توتر إقليمي إضافي.

ومع اتساع رقعة الصراع وترهّل البنية السياسية، يبرز سؤال الشرعية المجتمعية كعامل حاسم في حماية ظهر المفاوض السوداني. فالقوى السياسية ليست في وضع يسمح لها بتقديم غطاء تفاوضي، مما يستوجب إدماج المجتمع السوداني عبر آليات عملية تضمن مشاركته الفاعلة دون تحويل العملية إلى فوضى. يمكن تحقيق ذلك عبر ثلاث أدوات رئيسية:

الأداة الاولي : منصة وفاق مجتمعي تضم قيادات أهلية، خبراء، طرق صوفية، نقابات، شباب، ونساء، لتوفير التفويض الشعبي وتوحيد الرؤية الوطنية.

الثانية : وثيقة مبادئ للتفاوض تُعلن للرأي العام وتوضح الثوابت الوطنية، وشروط وقف الحرب، وما هو قابل للنقاش وما هو خارج الطاولة.

الثالثة : آلية مشاورات متدرجة تُرافق كل مرحلة تفاوضية بإحاطات للرأي العام السوداني وتفاعل مقنّن مع الفاعلين السياسين والاجتماعيين لضمان الشفافية ودعم الجبهة الداخلية.

بهذه الرؤية المتدرجة، يتحول المجتمع إلى ركيزة دعم للمفاوض، لا عبئًا عليه، ويصبح الجيش ضامنًا للانتقال، لا خصمًا سياسيًا، وتتحول العملية التفاوضية من هندسة مفروضة خارجيًا إلى مشروع وطني له جذوره الراسخة في الأرض.

في السياق نفسه، تؤكد المواقف الإقليمية، وعلى رأسها التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ،الذي أكد أن الحفاظ على وحدة السودان وسيادته أصبح مصلحة إقليمية مشتركة. فقد شدد الوزير خلال لقائه مستشار الأمن القومي البريطاني على أهمية تهيئة الظروف لعملية سياسية شاملة، وضرورة التوصل لوقف شامل لإطلاق النار، في إطار رؤية أوسع تتداخل فيها الأزمة السودانية مع أمن البحر الأحمر ، مما يعكس الحجم الجيوسياسي الذي اكتسبته الأزمة.

بحسب #وجه_الحقيقة فإن السودان اليوم يقف عند مفترق طرق . والتحدي الحقيقي لا يكمن في إدارة التفاوض فحسب، بل في تثبيت رواية الدولة واستعادة قدرتها على فرض شروطها السيادية، وبناء جبهة داخلية صلبة تمكّن السودانيين من التقدم نحو سلام عادل يعبر عن المعادلة الذهبية للتفاوض والسلام، لا تصنعه الموازنات الخارجية ، بل إرادة السودانين.

دمتم بخير وعافية.

الأثنين 24 نوفمبر 2025م Shglawi55@gmail.com

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى