مقالات

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق..الموقف من التغيير.. إصلاح الواقع أم معاقبته..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق..الموقف من التغيير.. إصلاح الواقع أم معاقبته..!

 

*”في العلاقات الدولية ليس أخطر من العدو إلا سوء قراءة العدو، فالخطأ في الفهم يكون أحياناً أقسى من الهزيمة”.. الكاتبة..!*

 

في النقاشات الكبرى، لا ينتصر الأكثر صخباً، بل الأقدر على رؤية ما وراء المشهد. ذلك أن العلاقات الدولية – خلافاً لما يظن البعض – ليست فروسيةً في ميدان أخلاقيات مطلقة، بل فن إدارة الممكن في زمن تختلط فيه الحقائق بالقناعات. وهنا، يصبح الفرق حاسماً بين من يقرأ العلاقات الدولية كنسقٍ تحكمه المصالح، ومن يحاكمها كأنها وصايا ملائكة نزلت للتو من السماء..!

بهذا المعنى، تبدو أطروحة د. الواثق كمير المضمنة في مقاله “التعامل مع دولة الإمارات” أكثر التصاقاً بالواقع، لأنها تتعامل مع الإمارات كما تُعامل الدولُ الدول، بمنطق الدولة لا بمنطق الشعب. بينما تُحيل رؤية د.عشاري – المضمنة في نقده لذات المقال – الحديث عن سيناريوهات للتعامل معها إلى مستوى التأثيم الأخلاقي، كأن أي مقاربة واقعية تُعدُّ بالضرورة تبريراً أو اصطفافاً. وهذه أولى مغالطاتنا السودانية في لحظة حرب: تحويل الخلاف بشأن وجهات النظر السياسية إلى ميزان للفروسية الوطنية..!

جوهر موقف د. الواثق لا يقوم على الثناء على أي طرف، بل على الاعتراف بأن الإمارات – شئنا أم أبينا – لاعب مؤثر في الإقليم وفي الملف السوداني تحديداً. وأن تجاهل وجودها، أو بناء مواقف مطلقة تجاهها، لا يغيّر شيئاً في موازين القوى على الأرض. فالدولة التي تفكر بمنطق “ضد الإمارات مطلقاً” تشبه من يعترض على شروق الشمس لأنها أحرقت جداره الطيني؛ بينما المطلوب هو بناء ظلٍّ يحمي، وليس الاستمرار بالصراخ في وجه الضوء..!

أمّا خطاب د. عشاري، فيتأسس على فرضية أن أي اعتراف بدور الحوار المستقل مع الإمارات هو تواطؤ أو تبرير. وهنا تكمن المشكلة. فنقده يخلط بين توصيف الواقع وبين التماهي معه. ففي العلاقات الدولية، ليس كل فهمٍ تأييداً، ولا كل تشخيص تطبيعاً. ولو حكمت الدول بهذا المنطق لانقطعت السياسة من جذورها؛ ولأصبح الحوار خطيئة، والبراغماتية خيانة..!

القضية ليست الإمارات نفسها، بل طريقة التعامل معها. ود. الواثق يدعو إلى مقاربة عقلانية تضع المصلحة السودانية فوق العواطف، لأن الحرب الحالية صنعت فراغاً لا تملؤه الشعارات. الدول لا تسمع صراخ الشعوب، لكنها تصغي جيداً لترتيبات المصالح؛ وهذه حقيقة يعرفها كل من درس طبيعة التحولات في القرن الإفريقي..!

ثم إن تحليل د. عشاري – رغم مكانته الأكاديمية وقيمته النقدية – يسقط في فخ التعميم الأخلاقي. فهو لا يفرق بين التأمين على وجوب نقد السلوك الإماراتي في السودان، وبين الحديث عن ضرورة التعامل مع الإمارات كفاعل سياسي لا يمكن القفز فوقه. وهو بذلك، كأنه يطالب الدولة بأن تحاكم الواقع بدلاً من أن تفاوضه. وهذا ضرب من المثالية التي لا يحتملها بلد ينزف..!

ما يطرحه د. الواثق ليس دفاعاً عن الإمارات، بل عن فكرة الدولة نفسها، أن يكون السودان فاعلاً لا مفعولاً به، وأن يتعامل مع اللاعبين الإقليميين بعقل بارد، وليس بوجدان جريح. وأن يخرج من دائرة “اللاءات” الأخلاقية إلى هندسة مواقف تحفظ سيادة الدولة وكرامة الشعب دون أن تكابر في مواجهة الحقائق..!
.

وفي النهاية، يبقى الفرق بين المنهجين مثل الفرق بين من ينظر إلى البحر كفاجعة تغرق المراكب، ومن يراه ممراً لا بد من عبوره للوصول إلى اليابسة. د. الواثق يرى وجوب عبور البحر، بينما يريد د. عشاري تجفيفه. فضلاً عن أن المؤامرات لا تتوقف لأن أحدنا قد انزعج من تلاطم أمواجه!.

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر: صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى