مقالات

سعاد سلامة تكتب: ..همس البوادي..عمالة الأطفال في السودان: ظاهرة تتهدّد مستقبل البلاد (2)

سعاد سلامة تكتب: ..همس البوادي..عمالة الأطفال في السودان: ظاهرة تتهدّد مستقبل البلاد (2)

 

 

تشهد عمالة الأطفال في السودان تنامياً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة وصراعات مسلّحة تركت آثاراً مباشرة على الأسر ودَفعت آلاف الأطفال إلى سوق العمل في سنّ مبكرة في انتهاك واضح لحقوقهم الأساسية وتهديد لمستقبلهم ومستقبل البلاد.
تدهور الوضع المعيشي في السودان بصورة حادة
خاصة بعد اندلاع الحرب الأخيرة وما تبعها من نزوح واسع وانهيار للخدمات الأساسية ومع غياب مصدر دخل ثابت لكثير من الأسر بات الأطفال يشكلون جزءاً رئيسياً من القوة العاملة في الأسواق الورش المزارع وحتى الأعمال الخطرة مثل التنقيب عن الذهب

وفق تقديرات منظمات محلية ودولية فإن نسبة كبيرة من الأطفال باتت تعمل قبل بلوغها سن التعليم الإلزامي في وقت توقفت فيه الدراسة في مناطق عدة بسبب الحرب مما ساهم في رفع معدلات التسرب الدراسي ودفع الأطفال نحو العمل
أشكال عمالة الأطفال واقع قاسٍ متعدد الوجوه
تتنوع الأعمال التي يُزج فيها الأطفال في السودان، وتشمل العمل في الأسواق كحَمَلة بائعين متجولين أو مساعدي تجار الورش والمصانع الصغيرة خاصة ورش الحدادة والنجارة وهي أعمال ذات خطورة عالية
حيث يعمل الأطفال لساعات طويلة في الحقول مقابل أجور زهيدة التعدين التقليدي عن الذهب من أخطر المجالات إذ يتعرض الأطفال لمواد سامة وحوادث انهيار الآبارالخدمة داخل المنازل غالباً ما تكون غير منظمة وتخضع لاستغلال كبير

في كثير من الحالات يعمل الأطفال لساعات تفوق 10 ساعات يومياً دون حماية قانونية أو صحية
الحرب وتفاقم الظاهرة
أدت الحرب الأخيرة إلى موجة نزوح هي الأكبر في تاريخ السودان ما خلّف ملايين الأطفال بلا مدارس وبلا بيئة أسرية مستقرة كثير من الأسر فقدت معيلها فاضطر الأطفال لتحمّل دور المعيل البديل
كما أدى غياب الدولة عن مناطق واسعة إلى ضعف الرقابة على تشغيل الأطفال واستغلالهم. الظاهرة لا تقتصر على الفقر وحده بل تشمل أيضاً التجنيد القسري للأطفال في مناطق النزاع، سواء للقيام بأعمال قتالية أو خدمات لوجستية.

القوانين موجودة ولكن بلا تطبيق
يمتلك السودان قوانين تجرّم عمالة الأطفال وتحدد سنّ العمل بـ 14 عاماً على الأقل مع منع عمل من هم دون 18 عاماً في المهن الخطرة لكن الواقع يختلف كثيراًضعف تطبيق القوانين غياب التفتيش العمالي
انهيار مؤسسات الدولة بفعل الحرب انتشار الاقتصاد غير الرسمي
كل هذا جعل من حماية الأطفال أمراً شبه غائب
منظمات المجتمع المدني جهود تحت النار
تسعى منظمات محلية ودولية إلى الحد من عمالة الأطفال عبر فتح مراكز تعليم بديلة في مناطق النزوح توفير دعم غذائي وأسرٍي لتقليل الحاجة الاقتصادية حملات توعية حول مخاطر عمالة الأطفال برامج تدريب مهني لكبار المراهقين
لكن هذه الجهود تواجه صعوبات كبيرة بسبب الأوضاع الأمنية ونقص التمويل.
مستقبل غامض لأطفال السودان
تمثل عمالة الأطفال واحدة من أخطر التحديات التي تواجه السودان حالياً إذ تهدد جيلاً كاملاً بفقدان حقه في التعليم والأمان والنمو السليم استمرار الظاهرة يعني إنتاج دورة جديدة من الفقر والجهل وغياب الفرص وهو ما قد يعيق أي مشروع لإعادة بناء البلاد بعد الحرب.
*فاصلة*
عمالة الأطفال في السودان ليست مجرد قضية اجتماعية، بل هي انعكاس لأزمة وطنية أعمق تجمع بين الفقر الحرب ضعف الدولة وغياب التعليم. إن حماية هؤلاء الأطفال لا تتطلب فقط قوانين بل تحتاج إلى وقف الحرب واستقرار اقتصادي وحماية اجتماعية حقيقية تعيد للأطفال مكانهم الطبيعي المدرسة وليس سوق العم
اللهم أمنافي أوطاننا.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى