منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. تصريح صمود.. متاخمات لغوية ومناورات سياسية..!

منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق .. تصريح صمود.. متاخمات لغوية ومناورات سياسية..!
*”لم أقل أبدا إن كل الممثلين أغنام، بل قلت بأنه يجب معاملة كل الممثلين وكأنهم أغنام”.. ألفريد هيتشكوك..!*
التصريح الصحفي الأخير للتحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” حول المشاورات غير الرسمية التي تنظمها منظمة بروميديشن في القاهرة، يقدم نموذجاً واضحاً لمواعين اللغة العائمة التي تختارها صمود للتعبير عن موقعها الذي اختارته في فضاء البرزخ بين وجودين..!
بيان طويل يستعرض الحقائق، ويزعم الوضوح، لكنه في العمق يفتح نافذة على عالم من التناقضات الملتوية، حيث الكلمات تعمل كستائر لتأجيل ظهور الحقيقة وليس إنارة الطريق للوصول إليها..!
البيان يوضح أن الدعوة لم تُوجَّه للتحالف بصفته الكاملة، بل لأحزابه المنضوية فيه، وأن هذه الأحزاب اختارت عدم المشاركة في اجتماع القاهرة الأخير. تبدو الفكرة بسيطة، لكنها تخفي معنى أعمق. في السياسة، يمكن للغة أن تتحول إلى مهرب أنيق. إعلان عدم الحضور ليس رفضاً مباشراً، ولكنه يترك انطباعاً مختلفاً، يخلق مساحة رمادية يُمكن التلاعب بها، حتى وإن بقى السؤال قائماً، إذا كانت الأبواب مفتوحة، فلماذا لا يدخل أحد..!
أكثر من ذلك، يؤكد البيان استعداد التحالف للجلوس مع كل الأطراف حين “تهيأ الظروف المناسبة”، وهذه العبارة التي تبدو في ظاهرها إيجابية، هي في جوهرها أداة للمراوغة، وطريقة للقول “نعم، نحن منفتحون” ، بينما يُترك القرار النهائي للزمن أو للظروف التي لا يستطيع أن يحددها أحد. اللغة هنا ليست مجرد أداة للتواصل، بل مساحة للحفاظ على القدرة على التأجيل، للتظاهر بالمرونة بينما يظل الجميع في انتظار “جودو”..!
التناقض الأعمق يظهر في الجمع بين خطابين متضادين” الرغبة في بناء مشروع وطني شامل، وفي الوقت نفسه استثناء المؤتمر الوطني وحركته الإسلامية”. بينما السياسة ليست أمنيات، والسيادة الوطنية لا تُبنى بمقص انتقائي؛ إنها عملية مواجهة الواقع كما هو، لا كما نرغب أن يكون. هذا النوع من التصريحات – بشأن الحوار مع كل الأظراف وبناء عقد اجتماعي جديد – يظهر كيف يمكن للغة أن تحمي نفسها لوهلة، فتمنح صاحبها القدرة على الظهور منفتحاً، ثم لا تلبث أن تذوب..!
كل فقرة في البيان تبدو وكأنها تقول شيئاً وتخفي شيئاً آخر. لا رفض للجلوس، لكن الامتناع قائم. تفاهمات جارية، لكن الخطوة المنطقية التالية مؤجلة. الاستعداد للحوار معلن، لكن بشروط تجعل التنفيذ مستحيلاً تقريباً. في هذا الفضاء الرمادي، يصبح التناقض أداة حماية، وليس خطأً في المنطق. إنه انعكاس لمخاوف سياسية أعمق، الخوف من تهمة الانحياز، من النقد، ومن تحمل مسؤولية القرار..!
في بلد يعيش حرباً مفتوحة، حيث الخرائط تتفكك وتُعاد خياطتها يومياً، تصبح اللغة مسؤولية. التصريحات التي تخشى الاعتراف بموقف واضح ليست جزءاً من الحل، بل هي جزء من المشكلة. والصراحة هنا ليست رفاهية، بل واجب وطني..!
عندما يصبح التناقض في الخطاب السياسي نفسه ممارسة معتادة، يتحول الانتظار نفسه إلى سياسة، ويصبح التردد نفسه موقفاً. بينما يبقى الوطن والمواطن في انتظار المواقف الحقيقية التي ربما لن تظهر أبداً..!
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة





