د. الشاذلي عبد اللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..الصبر الاستراتيجي… بين وجع الاباء وامل الامهات..!

د. الشاذلي عبد اللطيف يكتب: .. ترانيم الظلم..الصبر الاستراتيجي… بين وجع الاباء وامل الامهات..!
في قلب كل بيتٍ سوداني، هناك صبرٌ يشبه الوطن؛ لا يُرى، لكنه يمنح الحياة معناها.
في صوت الأمّ وهي تدعو، في نظرة الأب وهو يصمت، في الطفل الذي ينتظر أخاه من الميدان، وفي المهاجر الذي يحدّق في صور الوطن من وراء البحار — هناك وطنٌ يُعاد بناؤه بالوجع والحلم معًا.
* إنّ السودان لم يبقَ قائمًا بالحجارة ولا بالحدود، بل بقلوبٍ صبورةٍ لم تفقد إيمانها رغم البعد والجراح.
فالأمهات اللواتي ينتظرن أبناءهنّ في الليل هنّ مثل الوطن: يفتحن الأبواب رغم الخوف، ويطبخن الحنين على نارٍ هادئة.
* الآباء الذين يخرجون عند الفجر إلى أعمالٍ تهدّمت أو انقطعت، يرفعون رؤوسهم لأنهم يعلمون أن الانحناء بداية السقوط.
وأولئك الذين هاجروا، لم يهربوا من الوطن، بل خرجوا حاملين رايته في قلوبهم، يزرعون صورته في الغربة كما تُزرع شجرة في أرضٍ عطشى.
* أيها المهاجر السوداني،
أنت لست بعيدًا عن وطنك، بل أنت في صفوفه الأخرى؛ صفوف الصبر الطويل.
كل عملٍ تؤديه في بلادٍ بعيدة هو مشاركة في معركة البقاء.
حين ترسل ما تستطيع لأهلك، وحين ترفع اسم السودان في عملك أو علمك، فأنت تمارس الصبر الاستراتيجي بصيغته الراقية؛ صبر الفعل لا الانتظار.
* أيها الأب،
صبرك ليس تسليماً، بل وعيٌ بأن الطريق إلى النصر يمرّ من بيتك، من خبزك، من وضوءك قبل الفجر.
وأيتها الأم،
دمعتك لا تضعف الوطن، بل ترويه. فأنت من تصنعين الصلابة في عروق أبنائك، وتجعلين من وجعك درعًا يحميهم من الانكسار.
* إنّ الصبر في السودان لم يعد شعورًا عابرًا، بل هوية وطنية تسري في الناس كما يسري النيل في الأرض.فالجيش الذي يقاتل اليوم، يستمدّ روحه منكم جميعًا — من أمهاتٍ صابراتٍ وآباءٍ مؤمنين، ومن أبناءٍ في المنافي ما زالوا يرسلون الوطن في بريد الشوق.
* إنّ الصبر الاستراتيجي ليس أن ننتظر انتهاء الحرب، بل أن نبني في قلبها ما سنحتفل به بعدها.
أن نغرس الوحدة في الأرض كما نغرس الأمل في الأبناء، وأن نقف خلف قائدٍ يعرف أن النصر لا يصنعه الحديد وحده، بل الإيمان والعزيمة.
وسيعرف التاريخ، حين يُعيد قراءة هذه الأيام، أن السودان لم يُنقذ بالصدفة، بل بالصبر الهادئ الذي حملته الأمهات في دموعهنّ، والآباء في سكونهم، والمهاجرون في حنينهم.
* أن هذا الشعب، حين انكسر العالم من حوله، ظلّ واقفًا لأنّ في داخله وطنًا لا يُهزم.سيأتي يومٌ
تعود فيه الخرطوم لتغسل وجهها بماء النيل لا بدموعها،
ويعود الأبناء إلى بيوتٍ لم تُغلق يومًا،
ويضحك المهاجر حين يطأ ترابها من جديد فيقول:
“هذا هو الصبر الذي لم يذهب سُدى.”
* اصبروا أيها السودانيون،
في الوطن والغربة معًا،
فمن صبر على الوجع، ملك المستقبل،
ومن حافظ على الأمل، أعاد للوطن روحه.
(مع محبتي وتقديري)





