هاشم عمر يكتب: . مدارات للناس..حيدر بورتسودان: صوت المدينة والبحر

هاشم عمر يكتب: . مدارات للناس..حيدر بورتسودان: صوت المدينة والبحر
في مدينةٍ تتنفس من رئة البحر، وتغسل صباحاتها بموجاتٍ من الملح والضوء، وُلد صوتٌ مختلف، يحمل نكهة الساحل ودفء الحنين. إنه *حيدر محمد عثمان* ، المعروف فنيًا بـ”حيدر بورتسودان”، أحد أبرز الأصوات التي خرجت من شرق السودان لتُغني للوطن، للحب، وللحلم.
نشأ حيدر في حي *سكة حديد* بمدينة بورتسودان، وسط أسرة فنية عريقة. بدأ مشواره الفني في المدرسة الأهلية المتوسطة، ثم واصل في مدرسة *باوارث الثانوية* (كفر ووتر)، وهناك بزغ نجمه في *الدورة المدرسية* ، التي كانت آنذاك منصة ذهبية لاكتشاف المواهب.
لم يكن مجرد مغنٍ، بل كان *عازفًا بارعًا* على العود والبيانو، يملك حسًا موسيقيًا عاليًا، وصوتًا يحمل نبرة البحر ودفء الرمال.
غنّى حيدر أعمالًا لكبار الفنانين مثل *محمد الأمين* و *محمد وردي* ، لكنه لم يكن مجرد مؤدٍ، بل كان يعيد صياغة الأغنية بروحه الخاصة، ويمنحها طابعًا ساحليًا مميزًا. في حفلاته، كان يختم دائمًا بأغنية *”الكون كله بيدور”* للفنان المصري *محمد منير* (الكنج)، وكأنها رسالة رمزية بأن الفن يدور حول الإنسان، حول الحلم، حول الغد.
الكون كله بيدور واحنا وياه بندور
واليوم بحر نعديه للاحنا بنحلم بيه
الكون كله بيدور الكون كله بيدور واحنا وياه بندور
واليوم بحر نعديه للاحنا بنحلم بيه
حبيبى مد ايديك دا العالم ملك ايدينا الكدب
غيطان احزان والصدق اللى مدفينا
يا حبيبى مد ايديك دا العالم ملك ايدينا
الكدب غيطان احزان والصدق اللى مدفينا
في الثمانينات، كانت بورتسودان أكثر من مجرد مدينة ساحلية، كانت *مركزًا ثقافيًا وفنيًا* لا يقل إشعاعًا عن الخرطوم. كان *مسرح الثغر* يضيء ليالي المدينة، وبرز فيه فنانون مثل *إدريس الأمير* و *محمد البدري* ، بينما كانت أصوات البواخر القادمة ترمز لمدن السودان: دنقلا، الأبيض، والفاشر.
وكان *حي العرب* يهز العاصمة كرويًا، بينما كان *الطاهر حسيب* يُبدع في الملاعب كنسخة سودانية من رونالدينيو.
وسط هذا الزخم، كان صوت حيدر يعلو، لا ليغني فقط، بل ليحكي قصة مدينة، قصة جيل، وقصة وطن.
لم يكتفِ حيدر بالغناء المحلي، بل شارك في مهرجانات خارجية، مؤكدًا أن الفن يمكن أن يكون جسرًا بين الثقافات، ونافذة تطل منها بورتسودان على العالم.
*حيدر بورتسودان* ليس مجرد فنان، بل هو ذاكرة صوتية لمدينةٍ تنبض بالحياة، وهو شاهدٌ على زمنٍ كان فيه الفن مرآةً للناس، ونافذةً للأمل. في صوته، تسمع البحر، وفي أغانيه، ترى الوطن.
 
 


 




