منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. حكاية الدكتور جعفر بلال ..!

منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. حكاية الدكتور جعفر بلال ..!
*”أخطر ما يمكن أن تفعله بك الكتابة الإبداعية أن تسبقك إلى الشهرة بتوقيع شخص غيرك”.. الكاتبة..!*
في شمال السعودية، حيث كانت القرى النائية تمثل محطات انتظار مؤقتة للأطباء السودانيين الشباب، كنتُ زوجة طبيب القرية، وهو لقب اجتماعي عفوي كانت نساء القرية تلقبنني به بلا استئذان..!
وبينما كانت زوجات الأطباء في القرى المجاورة منشغلات بتربية الأطفال وانتظار محطات الترقي المهني والمادي التي يهبها التخصص – عبر عضويات وزمالات الكليات الملكية البريطانية والإيرلندية – كنت أملأ فراغ بيتٍ بلا أطفال بالقراءة والكتابة، وأملأ فراغ الروح بمسامرات جلسات القهوة البدوية مع زوجة أمير القرية الكبرى وبقية الجارات، وأحياناً برياضة المشي مع زوجة الأمير الصغرى، التي كانت شابة مصرية، جميلة الملامح، فارعة القوام ..!
فضلاً عن مشاركة النصوص الأدبية والقراءات النقدية في مواقع ثقافية مثل موقع مدد الثقافي وموقع ذاكرة الجسد الشهير. إلى أن جاء يوم تعثرت فيه بإعلان عن مسابقة لكتابة حلقات الموسم الرمضاني القادم من مسلسل “طاش ما طاش” السعودي الشهير..!
فما كان منِّي إلا أن عكفتُ على كتابة قصة وسيناريو وحوار حلقة بطلها طبيب مغترب سوداني اسمه “جعفر بلال”، يعمل في إحدى قرى شمال السعودية، ويذكر للناس هناك في كل سانحة بأنه خريج جامعة الخرطوم، ويضع خطة محكمة لكل خطوة يخطوها، حتى و إن كانت مشواراً إلى أقرب مدينة. ثم أنني أرسلت الحلقة إلى عنوان المسابقة..!
مرت الأيام وجاء الموسم الرمضاني الموعود وجلستُ كعادتي بعد الإفطار أشاهد المسلسل، مع كوب قهوتي، بانتظار تلك الحلقة التي سوف تضع اسمي على أول عتبات الشهرة في مضمار الكتابة للدراما..!
وأخيراً جاءت الحلقة المنتظرة، لكنها جاءت بتوقيع كاتب غيري، مع بعض التعديلات في بعض الشخصيات والمشاهد..!
الممثل السعودي “ناصر القصبي” كان يؤدي شخصية الدكتور “جعفر بلال” كما رسَمتُها تماماً، بذات التكرار لمعلومة أنه خريج جامعة الخرطوم، وبذات الولع بمسألة الخطط. فقط صار السائق السعودي الذي كان يرافقه في الطريق عاملاً بنغالياً، وصارت خطة جلب الأدوية للمركز الصحي خطةً للهروب من الكفيل..!
باختصار، أعاد احدهم طلاء الفكرة بدرجة أفتح من ذات اللون، ثم وضع توقيعه مكان توقيعي..!
انتهى بث الحلقة، وبقيتُ أحدّق في شاشة التتر وكأنني أشاهد مرآتي وقد وضعت عليها صورة شخص آخر..!
والغريب أنني لم أبد أي احتجاج يذكر. دخلت مطبخي وانشغلت بإعداد وجبة السحور، كأن شيئاً لم يكن، لكنني كنت أتألم في صمت من كل هذا الظلم، وأضمرتُ أمراً عاهدت نفسي عليه “أن أصبح يوماً من أشهر الكاتبات في بلادي وفي الوطن العربي”، إلى الحد الذي لا تعود تعنيني فيه حادثة السطو الدرامي المسلح تلك، على نَصِّي الجميل..!
بعد مرور ما يكفي من السنوات لتحقيق نسبة مئوية مقدرة من ذلك الهدف الطَموح الذي عاهدت نفسي على تحقيقه، وبعد أن نسيت الأمر تماماً – مع سبق إصرارٍ وكبرياء وترصُّد – أرسل أحد أشقائي في مجموعة “أولاد أبوزيد” على تطبيق “واتس آب” مشهداً من مشاهد حلقة الدكتور جعفر بلال إياها ..!
فما كان مني إلا أن حكيت لهم حكايتي مع مسلسل “طاش ما طاش”، وشخصية الدكتور جعفر بلال التي أصبحت من أشهر شخصيات الممثل السعودي ناصر القصبي. فانهالوا عليَّ بالأسئلة واللوم والتقريع، ثم “لماذا لم تخبرينا من قبل”، فأجبتهم “لأنني كنت قد عقدتُ صلحاً مع النسيان مقابل تحقيق النجاح الأهم والأكبر”..!
هكذا علَّمتُ نفسي أن النجاح الحقيقي ليس أن يظهر اسمي في تتر مسلسل أو أن يتم حجبه أو استبداله، بل أن أكتب نصوصاً أطول وأبقى وأهم من حلقة في موسم درامي..!
والحمد لله أنني قد نسيت اليوم اسم ذلك الشخص المنتحل، بعد أن أوفيت لعقلي بذلك العهد الذي قطعته على نفسي!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة





