مقالات

محمد احمد عبدالقادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية: ١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ الحلقة الثانية مدراء الموانئ….. ما لهم و ما عليهم و حكاياتى معهم الجزء الرابع

محمد احمد عبدالقادر يكتب: فى الذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الموانئ البحرية: ١٩٧٤ _ ٢٠٢٤ الحلقة الثانية مدراء الموانئ….. ما لهم و ما عليهم و حكاياتى معهم الجزء الرابع

 

المهندس ابراهيم الأمين إسماعيل ھو المدير العام السادس لهيئة الموانئ البحرية . وهو ثالث مهندس يشغل ھذا المنصب… المرة الأولى التى رأيته فيها كانت فى ذلك الحفل الكبير الذي أقيم بنادى الموانئ ببورسودان لوداع المدير الذى كان قبله حمزة الفاضلابى… حفل وداع الفاضلابى ھو اكبر حفل وداع اشھدھ ببورسودان طوال فترة اقامتى فيها. وكلمات الوداع التى قيلت في ھذا الحفل اظنھا أيضا ھى الاصدق و الابلغ .

* عندما كنت انظر إلى المهندس ابراهيم ھو جالس الى جوار الفاضلابى فى ذلك الحفل. أشعر بأن الرجل يستشعر خطورة ان يأتى خلفا لرجل يحظى بكل ذلك الطوفان من المشاعر الجياشة… منذ ذلك اليوم لم أرى المهندس ابراهيم قط إلا قبل ايام قليلة من تقديمه لاستقالته من منصب مدير هيئة الموانئ . كأول من يستقيل من ھذا المنصب . وليس ادنى اشك بأنھ آخر من يستقيل من ھذا المنصب… صديقى الدكتور حسن حسين إدريس المدير الأسبق لهيئة الآثار و المتاحف لديه مقولة من المناسب ذكرها ھنا ( اى زول يستقيل من الشغل زعلان دا ابدا زول ما ساهل ) . فما بالك بمن يستقيل مغاضبا من منصب مدير هيئة الموانئ .

* خلال فترة ابراهيم الأمين بالموانى كنت قد غادرت بورتسودان مستقرا بالخرطوم . و لم اعد متابعا لما يجرى بالهيئة . إلى ان اتصل بي ذات يوم مدير مكتب الموانى بالخرطوم الاخ صلاح هجام طالبا منى الحضور لمقابلته… عندما حضرت قدم لى الرجل نشرة صادرة من نقابة عمال الموانئ و ھو يقول ( اقراها كويس ) …ما ان فرغت من القراءة حتى قدم لى ملفا بھ كمية من الأوراق و ھو يقول ( كل الكلام الفى النشرة دا ما صاح و دى المستندات ) . و طلب منى الاطلاع علي ما بالملف و كتابة رد على ما جاء بنشرة النقابة .

* ذھبت و معى الاوراق التى عكفت على قراءتها باهتمام و تمعن… صدمت من جرأة نقابة الموانئ على الكذب و الافتراء… قررت أن يكون الرد على النشرة النقابية ردا غير تقليدى و أيضا صادق و امين … الھمنى الله فكرة تحويل اتهامات النقابة الى أسئلة تطرح على مدير الهيئة. و تكون الاجابة عليھا من خلال المستندات الكافية التى كانت معى… و ھذا ما حدث… مقابلة مكتملة الأركان مع مدير هيئة الموانئ حول خلافه مع النقابة … طرحت عليه أسئلة جريئة و أجاب عليھا بشفافية و شجاعة إجابات شافية كافية… عندما فرغت من كتابة ھذھ المقابلة التى اجريتھا مع نفسى متقمصا شخصية مدير هيئة الموانئ و متحدثا بلسانه حمدت الله كثيرا على الھامى ھذھ الفكرة . و انتظرت الصبح بفارغ الصبر حتى اطلع الاخ صلاح هجام عليھا الذى وافق على نشرها فورا .

* لكم ان تتخيلوا شعور المهندس ابراهيم الأمين الذى لم يسبق ان أجريت معه اى مقابلة صحفية. وهو يتصفح جريدة (الأهرام اليوم) و يجد فيها مقابلة معه فى صفحة كاملة بصورته و عناوين و خطوط عبرت عما كان فى نفسه و ذھنھ و ما يفترض أن يقوله… الرجل طلب لقائى… كان اللقاء لدقائق معدودة و كان اول و آخر لقاء لى مع المهندس ابراهيم الأمين عليھ رحمة الله .
* بعد نشر المقابلة بيوم واحد كنت قد كتبت تعليقا عليھا. وجھت فيھ انتقادات شديدة اللهجة و بعبارات حادة لنقابة الموانئ كان عنوانھ ( نقابة الموانى… سوء فى التوقيت و قبح في التقدير ) … فى اليوم الذى قابلت فيھ المهندس ابراهيم الأمين كانت الصحيفة قد أوردت تنويھا بنشر المقال فى اليوم التالى… عندما اطلعت الرجل على التنويه علق قائلا ( و اللھ حقو ما ينشروھ العنوان دا براھ يكفى ) . تعليقھ كشف لى كمية الغيظ و حجم امتعاض الرجل و غضبھ على النقابة .

* ما ان نشر المقال حتى اتصل بى اثنين من قادة النقابة احدھم اعلامى… قالوا كلاما ظاھرھ العتاب و باطنه الإغراء… ركزوا على نقطة واحدة و ھى ( كيف تقف مع من أوقف الدعم الذى كانت تقدمھ الھيئة للمجلة التى كنت تصدرها ) .
* تلك الجرعة الإعلامية شديدة التركيز اربكت النقابة. و أدركت انھا مواجهة بحملة إعلامية لا قبل لھا بھا. و ھذا ما جعلها تعلن عن قبولها لوساطة قالت ان الدكتور ابراهيم غندور رئيس اتحاد نقابات العمال قد قام بها لاحتواء الخلاف بينهم وبين مدير الھيئة. و تم سحب الدعوة لعقد مؤتمر عام للنقابة للمطالبة بإعفاء المدير.

* لم تمضى ايام طويلة حتى بلغني خبر استقالة المهندس ابراهيم الأمين من منصب عام هيئة الموانئ البحرية… استقالة الرجل كان دافعا لى لمعرفة تفاصيل فترته بالهيئة و خلفيات خلافه مع النقابة… وجدت أن خلاف الرجل لم يكن مع النقابة فقط . إنما كان أيضا على خلاف مع الوزارة… أسباب الخلاف تعود و بالدرجة الأولى إلى أن ابراهيم الأمين رجل ( دغرى ) و النقابة لم تكن ( دغرية ) و كذلك الوزارة.

* الخير الذى شھدتھ ھيئة الموانئ فى فترة الفاضلابى كان قد فاض و وصل الى رئاسة وزارة النقل التى تتبع لھا الھيئة… فى عھد الفاضلابى عرفت الوزارة الرضاعة من ثدى الموانئ و ابراهيم الأمين اراد فطامھا… الخير فى تلك الفترة أغرى بعض القيادات النقابية لتحقيق منافع شخصية من خلال العمل النقابى و ھذا ما أراد ابراهيم الأمين التصدى لھ.
* قد يستغرب البعض قولى ان المهندس ابراهيم الأمين ھو الامتداد الموضوعى و المنطقى للمھندس الفاضلابى… أرى أن فترة الفاضلابى كانت البركة ھى الغالبة فيها… بعد أكثر من عقد من الزمان و البركة ھى سيدة الموقف. كان كافيا لتأتى فترة أخرى تكون فيها السمات و الأدوات التي يحملها ابراهيم الأمين ھى

الغالبة… لو قدر لإبراهيم ان يقضى بالموانى ذات الفترة التى قضاھا الفاضلابى. لكانت فترتھ افضل من فترة الفاضلابى… إلا ان اھل الموانئ لم يصبروا على الرجل و ھو ايضا لم يصبر عليهم… الفرق عندى بين ابراهيم الأمين و حمزة الفاضلابى كالفرق بين مكة والمدينة… الحجاج يحبون المدينة اكثر من مكة. مع ان مكة افضل و اجرھا اكبر بكثير من المدينة… بين الرجلين العديد من المشتركات و المتشابهات. لدرجة أن لكل واحد منھم اخ شقيق طبيب مشهور.

* المهندس ابراهيم الأمين ميال للصمت… حديثھ قليل حتى مع من ھم حولھ . لذا من الطبيعى لا يكون لھ حديث عبر الإعلام… صمت ابراهيم الأمين عبرت عنه زميلتنا العزيزة اللطيفة الظريفة اسماء الشيخ متعها الله بالصحة والعافية . عندما مر الرجل بالقرب منھا فقالت ( حيرنى صمتك يا جميل ) و أطلقت ضحكتها تلك. أو كما قال لى الزميل و الفنان عادل مسلم.

* معرفتى بالمھندس ابراهيم الأمين لم تستغرق سوى دقائق معدودة… لذا ليس لدى حكاية معه لاحكيھا… احكى لكم حكايتھ مع أحد أصدقائى… مھدى بابكر المهدى اخ و صديق عزيز تربطه علاقة صداقة قوية بالفنان الكبير عبدالكريم الكابلى. كما يوجد بينهما شبھ في الملامح… فى جلسة فنية للكابلى في إحدى زياراتھ لبورسودان حضرھا ابراهيم الأمين و كان يجلس بالقرب من صاحبنا مھدى… من طريقة التعامل بين مھدى و

الكابلى بالإضافة إلى الشبھ. ظن ابراهيم الأمين ان مھدى أحد أفراد أسرة الكابلى. فطلب منھ ان يوفر لھ بعض اشرطة أغنيات الكابلى و اعطاھ الكرت الشخصى… اخذ مھدى الكرت و وضعھ فى جيبھ من دون أن ينظر إليه و الموضوع ( انتھى على كدا )… بعد فترة ليست بالقصيرة وجد من كان يغسل ملابس مھدى الكرت… لم يصدق صاحبنا ان الذى كان يجلس بجواره يومئذ ھو مدير عام هيئة الموانئ… بأسرع ما يمكن جھز مھدى الأشرطة المطلوبة و ذھب بھا إلى رئاسة الموانئ ليجد الرجل لوحده بالمكتب… اعتذر لھ عن التأخير و سلمھ الأشرطة و امضايا وقتا و ھما يتحدثان عن الفن و الفنانين… أظنها المرة الوحيدة التي دار فيها حديث فنى بمكتب مدير عام هيئة الموانئ البحرية.
نواصل… بإذن الله
فى حضرة جلال يطيب الحديث و يحلو الكلام

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى