
محمد عثمان الشيخ النبوى يكتب:.. بهدوء و تدبر..سد النهضة: مخاطر محتملة وفوائد ممكنة .. أين موقف السودان؟
ظل موقف السودان الرسمي من سد النهضة حتى الآن غامضاً ومتذبذباً، لا يعكس – في نظر كثير من الخبراء – رؤية استراتيجية متماسكة تضع المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الجانبية أو ضغوط المحاور الإقليمية . وذلك رغم مرور أكثر من عقد على انطلاق المشروع الذي لا يزال الجدل حوله يتجدد مع كل خطوة إنشائية أو إعلان إثيوبي أحادي بشأن الملء والتشغيل.،
مسار التفاوض السوداني ظل – لفترة طويلة – يلعب دور الوسيط أكثر من كونه صاحب مصلحة، وهو ما انعكس في تراجع فعالية التفاوض، وغياب التقدير العلمي الكامل للمخاطر والفرص معاً. وهذا ما أكدته ما بين أيدينا من وثائق ومعلومات فنية، على رأسها مذكرة رسمية رفعها ثمانية عشر من كبار المهندسين السودانيين إلى رئيس الوزراء ووزير الري في سبتمبر 2020 .
◀️ وبحسب تلك المذكرة، ومعلومات أخرى مؤكدة فإن السد يمثل مجموعة من المخاطر الكبيرة المحتملة و يرى عدد من الخبراء أن المخاطر قد تكون مصيرية، ومنها :
📌 أنشئ السد على بعد أقل من 20 كيلومتراًِ من الحدود السودانية، بسعة تخزينية ضخمة تبلغ 74 مليار متر مكعب، وطاقة توليدية تتجاوز 5150 ميغاواط، وهو ما يجعل أي خلل في التشغيل أو أمان السد يشكل تهديداً مباشراً للمنشآت السودانية وعلى رأسها سد الروصيرص .
📌جرى تنفيذ المشروع دون التزام إثيوبي مسبق بإجراء دراسات الأمان البيئي والهيدرولوجي والاجتماعي المطلوبة .
📌تم على أساس عقود تسليم مفتاح (Turnkey) دون الإفصاح عن التفاصيل الفنية الدقيقة.
📌فقدان الري الفيضي التقليدي الذي تعتمد عليه آلاف الأفدنة الزراعية في الجروف.
📌تدهور خصوبة التربة الزراعية بسبب غياب الطمي، ما يرفع الاعتماد على الأسمدة الكيميائية.
📌عدم التزام إثيوبيا بتزويد السودان بمعلومات التشغيل اليومية، مما يربك إدارة سد الروصيرص ومشاريع الري المرتبطة به.
📌عدم إجراء مراجعات دولية مستقلة لسلامة السد، رغم الطلب المتكرر من السودان ومصر، وهو ما يثير قلقاً مشروعاً حول تأثير انهيار مفاجئ – لا قدر الله – على منشآت السودان الحيوية.
📌 يُدار المشروع حتى الآن بسياسة أحادية، تتجاهل اتفاق إعلان المبادئ الموقّع في الخرطوم عام 2015 بين الدول الثلاث، والذي نصّ على التعاون وتبادل المعلومات والالتزام بالدراسات المشتركة قبل الملء والتشغيل.
◀️ من جهة أخرى، تبرز إفادة ميدانية موثقة أدلى بها د. عبد الجبار حسين عثمان، الذي كُلّف سابقاً من قبل وزير الري السوداني الأسبق بروفيسور ياسر عباس بجمع معلومات من الميدان حول أثر السد، وتُعد من أهم المساهمات التي رصدت ميدانياً بعض الفوائد الفعلية المتوقعة للسودان، ومنها :
📌زيادة توليد الكهرباء في سد الروصيرص خلال أشهر الصيف، كنتيجة مباشرة لتنظيم جريان المياه.
📌إمكانية إدخال عروة زراعية ثالثة في المشاريع الكبرى كالرهد والجزيرة والسوكي، بفضل استقرار مناسيب النيل الأزرق.
📌تراجع الفيضانات السنوية العشوائية التي كانت تُكبّد سكان النيل الأزرق والنيل الأبيض خسائر متكررة.
📌تقليل الطمي في خزانات السودان الثلاثة (الروصيرص، سنار، مروي)، وهو ما يُطيل عمرها الافتراضي.
📌تحول النيل الأزرق إلى نهر دائم الجريان بدلاً من نهر موسمي، ما يفتح المجال للملاحة النهرية طيلة العام.
📌إمكانية شراء الكهرباء الإثيوبية الرخيصة، حيث يتم حالياً تزويد السودان بـ200 ميغاواط قابلة للزيادة إلى 1000 حال استكمال الربط الكهربائي.
◀️ ومع أن مصر والسودان لجأتا إلى مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي، إلا أن غياب موقف سوداني واضح ومعلن يجعل أثر أي ضغط إقليمي أو دولي ضعيفاً ومشتتاً.
وفي ضوء هذه المعطيات، يُطرح السؤال الحتمي :
👈 ما الذي يمنع السودان من اتخاذ موقف استراتيجي وطني واضح يُعبّر عن مصلحته العليا؟ وهل يُعقل أن يستمر التعتيم والغموض تجاه ملف بهذه الحساسية، في الوقت الذي يتحسس فيه المواطنون والخبراء المنافع والمضار كلٌّ من زاويته، وسط غياب معلن لرؤية حكومية حاسمة ومعلّلة علمياً؟
إن سد النهضة لم يعد مجرد مشروع هندسي، بل بات قضية سيادية شاملة تمسّ الأمن المائي، والسياسات الزراعية، والتخطيط الكهربائي، وإدارة موارد البلاد للأجيال القادمة. ولذا فإن الجهات السودانية المعنية، وعلى رأسها وزارة الري ومكتب رئيس الوزراء، مطلوب منها بقوة أن تتبنّى سياسة واضحة تُعلن للشعب السوداني بصورة شفافة، تشرح فيها رؤية الدولة تجاه هذا الملف، بما في ذلك المنافع الممكنة والمخاطر الحقيقية، والخيارات المطروحة للتعامل مع تطوراته.
هذه الدعوة لا تأتي بدافع المزايدة أو التشكيك، بل من منطلق أن غياب المعلومة الرسمية في القضايا المصيرية، يفتح الباب واسعاً أمام الرجم بالغيب، وصناعة الانقسام الشعبي، وتعطيل فرص الاستفادة من المكاسب، والاستعداد الفعلي للمهددات.
فإما أن يكون السد فرصة تاريخية يستفيد منها السودان، إذا أدار الملف بعين استراتيجية يقظة، وإما أن يتحول إلى عبء يطال أمنه المائي والاقتصادي والسياسي إذا تُرك للحسابات الخارجية.
إنها لحظة صدق مع النفس، يجب أن تُعلَن فيها الرؤية بوضوح، ويُحدّد فيها موقع السودان من مشروع جارٍ على حدوده، لا يجوز تجاهله ولا تفويض مصيره لغيره.
محمد عثمان الشيخ النبوي