مقالات

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..الفرح المكلّف والحزن المُنهك: حين تثقل العادات كاهل الناس

 محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب: .. بهدوء و تدبر..الفرح المكلّف والحزن المُنهك: حين تثقل العادات كاهل الناس

 

 

تحولت مظاهر الفرح والحزن ـ للأسف ـ إلى أبواب عناء وهمّ ودَين، بدل أن تكون مواطن رحمة وتراحم وتيسير، كما أرادها الشرع الحنيف .
وأصبح من أشد ما يثقل كاهل المواطن السوداني اليوم تلك النفقات الباهظة التي تُنفق في المناسبات الاجتماعية، لا سيما في الزواج والعزاء . فكم من شاب أو أسرة تراجعت عن إتمام زواج، لا لغياب الرغبة أو العزوف عن العفة أو القدرة على بناء بيت كريم بل لأن التقاليد الجارية فرضت من التكاليف ما لا تُطيقه النفوس ولا

 

تتحمله الجيوب من مظاهر احتفالية وولائم وتجهيزات تفوق الضرورات بأشواط، ويكاد القبول الاجتماعي يرتبط بها ارتباطاً مَرَضياً لا عقل فيه ولا فقه . فليس من الحكمة ولا من الدين أن تبدأ الحياة الزوجية بديون و إحراجات وضغوط نفسية ومادية، فالعبرة في الزواج ليست بكثرة ما يُنفق فيه، بل بحسن النية وطيب العشرة ومتانة البناء.
ومع ذلك، نجد كثيراً من الناس يُحرجون أنفسهم وذويهم لمجاراة ما يسمى عرفا بـ”المظهر اللائق”، مع أن اللائق حقا هو ما وافق طاقة الناس، وكان خاليا من التكلف والتباهي والتقليد الأعمى فتقليل نفقات الزواج سنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقلهن مؤونة أكثرهن (بركة) .

أما في العزاء، فالصورة لا تقلّ حزناً. فكم من بيت مفجوع يُرهق بعد الفقد أكثر مما أُرهق به عند وقوعه، بسبب التزامات اجتماعية تفرض عليهم إقامة صيوانات فخمة، وإعداد ضيافات متواصلة، وخدمات لا تنتهي، وكأن العزاء لا يكون معتبراً إلا إذا استُهلكت فيه أموال طائلة، وأُرهق فيه أهل الميت فوق ما هم فيه. مما يصدق فيه القول الشعبي (ميتة وخراب ديار) وهذا مناف لما جاء به الدين من تيسير وتعاطف، إذ الأصل أن يُواسَى أهل الفقد لا أن يُرهَقوا، وأن يُبادر الناس بخدمتهم لا أن يُحمّلوهم عبء إكرام الضيوف وهم في أضعف حالاتهم .

وقد سن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند استشهاد جعفر بن عبد المطلب عندما رأى انشغال أهله بفاجعتهم فقال : ( اصنعوا لآل جعفر طعاماً) .
لقد تحوّلت كثير من مظاهر المجتمع إلى أوضاع اجتماعية مرهقة، لا تستند إلى دين ، ولا إلى عقل، بل إلى تنافس غير محمود، وتقاليد لو راجعها الناس بعقولهم وقلوبهم لما قبلوا بها. والمؤسف أن كثيراً من الناس يعرفون أن هذا الإنفاق الزائد غير ضروري، بل ويشكون منه سراً، لكنهم لا يجرؤون على الخروج عليه جهراً،

خشية أن يُلاموا أو يُتهموا بالبخل أو الجفاء، رغم أن القرآن الكريم والسنة النبوية الكريمة كانت وما زالت تدعو إلى الاقتصاد في النفقة، والبعد عن كل ما يجر إلى الحرج والتكلف والتفاخر. قال تعالى(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ) . وقال عز من قائل “وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”

إن المجتمع اليوم بحاجة إلى صحوة رشيدة تُعيد هذه المناسبات إلى أصلها الطيب: الزواج مودة ورحمة، لا استعراضاً وإنهاكاً، والعزاء تسليم وصبر ومواساة، لا مظاهر وبذخاً. وهذا ممكن لو صدقت النوايا، وتكافل العقلاء، وخرج الناس من أسر التقليد إلى وعي التبسيط، ومن ضغط العادة إلى نور الشريعة. فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، والدين يسر لا عسر، والكرامة ليست في كثرة الإنفاق، بل في صدق المعنى، وحسن المقصد وبساطة القالب .
محمد عثمان الشيخ النبوي

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى