محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء وتدبر..خطورة وأضرار الخبز الأبيض دعوة للعودة إلى الحبوب الكاملة والمحلية

محمد عثمان الشيخ النبوي يكتب:.. بهدوء وتدبر..خطورة وأضرار الخبز الأبيض دعوة للعودة إلى الحبوب الكاملة والمحلية
“الخبز الأبيض”، الذي غزا موائدنا واحتلها، حتى صار رمزًا للرفاهية المزيفة، هو في حقيقته آفة بيضاء تُنذر بسواد في الصحة، وفوات في المناعة، وخراب في الجسد.
إنّ الإنسان المعاصر قد ضيّع بوصلته الغذائية، فترك الأصل واتجه إلى الزيف، واستبدل النعمة التي كانت تُطحن بأيدٍ صافية وتُخبز على نار الحطب، بخبز أبيض هشّ، معزول حتى من طينته، منزوع البركة قبل أن تُنزع منه الردّة والقشرة.
أولاً: ما هو الخبز الأبيض؟
الخبز الأبيض هو الناتج عن طحن القمح بعد إزالة قشرته الخارجية (الردة)، وجنين القمح، واستخراج الدقيق الأبيض النقي، الذي يخلو من الألياف والمعادن والفيتامينات. يُعالج هذا الدقيق بالمواد الكيميائية لتبييضه وتحسين قوامه، مثل “البنزوئيل بيروكسيد” و”برومات البوتاسيوم”، وهي مواد ثبت ضررها البالغ على الصحة العامة.
ثانياً: أضرار الخبز الأبيض… قنابل ناعمة في جوف الإنسان
1.يرفع السكر في الدم ويزيد مقاومة الإنسولين:
يؤدي الخبز الأبيض إلى ارتفاع سريع في مستوى السكر في الدم بسبب مؤشره الجلايسيمي المرتفع، مما ينهك البنكرياس، ويهيئ للإصابة بالسكري من النوع الثاني. وقد نشرت جامعة هارفارد دراسة بيّنت أن تناول الكربوهيدرات المكررة – كالخبز الأبيض – يرفع خطر السكري بنسبة تفوق 30%.
2.يسبب الإدمان الغذائي وزيادة الوزن حيث أن نقص الألياف والبروتين يجعله غير مشبع، فيضطر الجسم لتناول كميات أكبر منه، ويؤدي إلى الإدمان الغذائي. وقد وصف الدكتور كاس إنغرام – الباحث الشهير في الطب الطبيعي – الخبز الأبيض بأنه “خدعة صناعية تسبب الإدمان البطيء، وتخلّ بتوازن الغدد والدماغ”.
3.يضعف المناعة العامة فالخبز الأبيض لا يمد الجسم بما يحتاجه من الزنك والمغنيسيوم والسيلينيوم والألياف والفيتامينات، مما يضعف الجهاز المناعي ويجعله عرضة للأمراض.
4.يسبب أمراضاً في الجهاز الهضمي بسبب غياب الألياف، يُحدث الخبز الأبيض اضطرابات في الهضم، ويؤدي للإمساك وتراكم السموم في القولون. وقد نشرت Mayo Clinic نتائج تربط بين تناول الحبوب المكررة وزيادة أمراض القولون.
5.يتسبب في أمراض القلب والأوعية لأن الخبز الأبيض يؤدي إلى رفع مستويات الكوليسترول الضار، مما يساهم في تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم. ونشرت جمعية القلب الأمريكية تقريراً يحذر من الإفراط في تناول الكربوهيدرات المكررة كمسبب رئيسي لأمراض القلب.
6.التأثيرات السامة للمواد الكيميائية المضافة:
بعض الدول لا تزال تسمح باستخدام برومات البوتاسيوم – وهي مادة صنفتها منظمة الصحة العالمية ضمن المواد المحتملة التسرطن – تستعمل لتحسين قوام الخبز الأبيض، رغم منعها في عدة دول أوروبية.
ثالثًا: الدكتور كاس إنغرام، المختص في الطب الطبيعي ومؤلف كتاب “Let’s Stay Healthy”, أشار مرارًا إلى أن الخبز الأبيض “واحد من أكثر الأغذية الصناعية تضليلاً وخطراً”، ووصفه بأنه “مادة ميتة، تُعبّر عن موت الأرض والإنسان، وتجريد القمح من قشرته هو تجريد للجسد من مناعته”. ويدعو إلى العودة إلى الحبوب الكاملة وإلى الحمية الطبيعية غير المصنعة.
رابعاً: القمح الكامل… هل هو البديل المثالي؟
، القمح الكامل – الذي يُطحن بقشرته وجنينه – أفضل بكثير من الخبز الأبيض، لاحتوائه على الألياف والمعادن، ولكنه ليس بمنأى عن التحوير الوراثي الذي طال كثيرًا من سلالاته، بل أصبح مصدراً للتشكيك عند بعض الخبراء.
لذلك، فإن الاستمرار في الاعتماد عليه – وخاصة المستورد – يجب أن يكون بحذر، مع تشجيع زراعة الأصناف القديمة الأصلية (القمح البلدي) وتناولها بنمط صحي.
خامساً: الحل الحقيقي في الحبوب السودانية الأصيلة
إذا كنا نريد فعلاً غذاءً طيباً، يعيد التوازن لجسد الإنسان، فلابد من العودة إلى محاصيلنا السودانية الكاملة، غير المحورة، التي زرعها أجدادنا وأثبتت سلامتها على مدى قرون. ومن أهمها:
الذرة البيضاء الكاملة بأنواعها: الفِترِيتة وود عكر وطابت وود أحمد وغيرها من أصناف الذُرة التي تحتفظ بقيمتها الكاملة، وتحتوي على الألياف والبروتينات والفيتامينات، وتتحول عند طحنها وخبزها إلى طعام متكامل بامتياز.
الدُخن الأصفر والأخضر:
حبوب غنية بالمغذيات، وتُعد من أكثر الأغذية القلوية، وتساهم في توازن السكر في الدم، ورفع المناعة، وتحسين الهضم.
سادسًا: دعوة للتحرر الغذائي الوطني
إن التحرر الحقيقي لا يبدأ فقط بالسيادة السياسية، بل بالسيادة على غذائنا. ومن هنا، فإن العودة إلى الحبوب المحلية وتطوير طرق إعدادها وتوفيرها بأسعار مناسبة هو مشروع نهضوي وطني.
وهناك تجارب أثبتت نجاحاً كاملاً في صنع الخبز من مخلوط الذرة والقمح بنسبة قليلة من القمح أو بدونه وانتجت خبزاً يضاهي خبز الدقيق الأبيض المضر من حيث الشكل وجودة الطعم والانتفاخ . ويفوقه بخلوه من الأضرار الصحية الخطيرة التي يحدثها الخبز الأبيض فقط بإضافة مادة غذائية طبيعية تولى انتاجها سودانيون وبخبرات محلية وأجنبية رفيعة . هذا إضافة إلى توفير أكداس العملة الصعبة التي نقتطعها من مواردنا الشحيحة لنستورد بها هذا الدقيق بالغ الضرر .
وقد نجحت في بلادنا تجربة متميزة في استنبات عينة من القمح طبيعية وغير محورة وراثياً ومقاومة للحرارة ويمكن زراعتها حتى في عز الصيف .
المدهش أن تجربة تصنيع رغيف الخبز من الذرة خالصة او من مخلوطها مع القمح لقيت قبولاً واستحساناً كبيراً من أجهزة الدولة المختصة والأجهزة السيادية في أرفع مستوياتها آنذاك وتم تصنيع هذا الرغيف في مخابز الهيئة الإقتصادية التابعة للقوات المسلحة .
وحصل هذا الخبز على شهادات الجودة من الجهات الرسمية المختصة . لكن للأسف توقف الأمر عند الإستحسان والتهليل والتكبير والإشادة بالتجربة دون تبنيها وادخالها حيز التنفيذ .
فلنُقلّل من تناول الخبز الأبيض إلى أقصى حد، ونعلّم أبناءنا أن البياض ليس دائمًا طهارة، وأن سواد طحين حبوب الذرة الكاملة أنقى وأطهر وانفع من بياض الطحين المجرّد.
بهدوء… دعونا نعيد التفكير، نُراجع موائدنا، نقرأ الملصقات، نُعيد توزيع ما يدخل أفواهنا. فالصحة ثروة، وهي أول ما يُنهب حين نستبدل النعمة بالأذى. فلنعد إلى أصلنا، إلى طيّب زرعنا، إلى طعام اهلنا الذي يشبهنا.
محمد عثمان الشيخ النبوي