مقالات

 منى أبوزيد تكتب: .. هناك فرق.. من حكاية قرية إلى سردية وطن..!

 منى أبوزيد تكتب: .. هناك فرق.. من حكاية قرية إلى سردية وطن..!

 

 

“ليس في متناول القرى أن تختار الحروب، لكنها قد تختار كيف تُهزم، وما بين الرصاصة والركوع، هناك دوماً مساحة للممانعة ولو بالحكاية” .. الكاتبة..!

 

 

في مقالٍ كُتب بجاز المصافي، كما يسميه صاحبه، أطل علينا البروفيسور عبد اللطيف البوني من بين أنقاض اجتياح مليشيا الجنجويد واحتلالها لقريته اللعوتة بعنوان “من اللعوتة إلى نيويورك“، يمتزج فيه التوثيق بالوجع، بين المسح الميداني لما حدث والتساؤل الصامت عن ما لم يكن يجب أن يحدث..!

في اللعوتة، لم تكن الحرب بين قوتين عسكريتين، بل بين أقدارٍ تمشي على قدمين، وأحلامٍ تُسحب من تحت الأسرَّة. المقاومة كما كنا نفهمها من خلال نشرات الأخبار، تحتاج إلى أسلحة وبيانات..!

أما المقاومة كما عرفها أهل شمال الجزيرة، فكانت شيئًا آخر، الصبر حين يسقط آخر باب، والحيلة حين لا تعود الحيلة مجدية، والمصانع أحياناً بلغة تشوبها الواقعية لا الرضا. تلك التي سماها بروفيسور البوني “المقاومة الأولية”، وهي بالمناسبة لا تقبع في كتب السياسة، بل تُنقش على حيطان البيوت المحروقة..!

قد يبدو المشهد هزلياً لمن يشاهده من علٍ، قرى تواجه الرصاص بالفُرجة، وتصد الغزو بالسخرية، لكن السخرية هنا ليست ضعفاً، بل قناع من أقنعة البقاء..!

الذين “تفرزعوا في الحواشات”، ثم عادوا إلى بيوت لا تسكنها حتى الكدايس، لم يكونوا لاجئين، بل أبناء كرامة إنسانية كانت تمشي حافية، ثم قررت أن تعود إلى ديارها ولو زحفاً..!

“السيف لا يتحدى المدفع إلا في الشعر”، قالها بروف البوني، مستدعياً وردي وسيف العشر، لكن ماذا لو لم يكن السيف للقتال أصلاً، ماذا لو كان فقط للاعتراف بأنك لم تمت بعد، وأنك – رغم كل شيء – لست مجرد هدف متحرك..!

في قرى شمال الجزيرة، تعلمت الكرامة كيف تنام جائعة دون أن تبيع لسانها، وتعلم القلب كيف يدقّ بإيقاع الحرب، دون أن يتحول إلى طبلة للجنرالات، وفي كل ذلك، لم يكن “النصر” هو الهدف، بل النجاة..!

أن تبقى على قيد الحلم، ولو مشروخاً، أن تكتب – ولو على شاشة هاتف جوال – أن الذي دخل فيك “ما بيمرق تاني”، لكنه لن يمحوك..!

لذا فإن المقاومة الأولية في اللعوتة وفي غيرها من قرى شمال الجزيرة، في أيام احتلال المليشيا، لم تكن فعلاً عسكرياً، بل كانت قراراً اتخذه مواطن فقد كل شيء، إلا اسمه. كانت سيفاً مكسوراً يكفي لأن يقال به لا!.

 

 

munaabuzaid2@gmail.com

 

المصدر : صحيفة الكرامة

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى