يوسف عبدالمنان يكتب:.. خارج النص..اين هؤلاء

يوسف عبدالمنان يكتب:.. خارج النص..اين هؤلاء
منذ فترة ليست بالقصيرة، بل منذ شهر رمضان الماضي، اختفت صورة الفريقين شمس الدين كباشي وياسر العطا من ظاهر المشهد السياسي والتنفيذي والعسكري. وربما شكّلا وجوداً في دوائر الفعل الصامت؛ فالسياسة فعلٌ ظاهرٌ وآخر باطن. ولكن قدرنا في الصحافة أن نكون من أهل الظاهر، إلا القليل من المحظوظين برعاية السلطان وثقته، حيث يملك بعضهم أسرار ما وراء الغياب والحضور.
في حالة شمس الدين كباشي، وهو الرجل الثاني في هرم القيادة العسكرية في البلاد، والرجل الأول في متابعة الجهاز التنفيذي ــ حتى اعتُبر رئيس وزراء الظل، إذ لا يكتب رئيس الوزراء السابق عثمان حسين قراراً إلا إذا جاء يسعى من مكتب الكباشي، الذي يحفظ له التاريخ إشرافه وقيادته المباشرة لفتح ثغرة جبل مويه، التي
تدفقت منها شلالات الانتصار وتحرير الجزيرة ــ لكنه، منذ رمضان الماضي، أصبح بعيداً عن مساقط ضوء الإعلام، إلا عبر إطلالة وحيدة حينما التقى وزير الإعلام خالد الأعيسر قبل أسبوعين من الآن، وقيل حينها إن اللقاء بغرض اطلاع الفريق شمس الدين كباشي على خطط وأداء وزارة الإعلام، التي ألغى قبلها مجلس الوزراء قرار وزيرها بتعيين ملحقين بسفارات السودان في إثيوبيا ومصر، واتكأ مجلس الوزراء على ذريعة تقليل الإنفاق العام.
عسكرياً، يُعتبر متحرّك الصياد هو حصاد وثمرة جهود الفريق كباشي، حتى وضع قدمه في الأبيض، وارتفعت الروح المعنوية لأهل كردفان، وظنّ غالبهم أن فتح طريق الأبيض–الدلنج بات أقرب من حبل الوريد، وأن فك الحصار عن جبال النوبة مسألة وقت. ولكن فجأة، اختفى
شمس الدين كباشي عن المشهد، وتوقف الصياد عند منطقة أم عردة جنوب غرب الأبيض، وتبدد حلم التحرير القريب. ومجالس الإنس والأتراح، على كثرتها، والأفراح على قلتها، تقول الكثير عن هذا الغياب. وقد اشتهر أهل السودان بـ”سلخ جلد الناموسة”، وهم يتساءلون عن الغياب وما وراء الغياب.
وكذلك ياسر العطا، الذي كان حاضراً في ساحات المعارك، يخوض غمار المعركة في أم درمان وبحري والخرطوم، ويخاطب الشعب بما يوجع قلوب الجنجويد ويحرق حشاهم. وفجأة، مع الانتصار الذي تحقق، اختفى ود العطا من المشهد، ولم يعد يُسمع له صوتٌ أو يُحسّ له ركزٌ، وغاب الرجل.
ولكن ظل البرهان وحده حاضراً في الساحة، حتى وهن جسده ونال منه الرهق والتعب. وحتى نائبه عقار وعبدالله يحيى، لا وجود للأول في فضاء الفعل الموجب، لكنه كثيف الحضور في أبواق الإعلام السالب. وربما حاصرت الفاشر عبدالله داخل مكتبه، وأقعدته عن العطاء.
ولكن دولةٌ يشكل أعمدتها الغياب في زمن الحضور، لن تحقق انتصاراً في فضاء السياسة أو ساحة المعركة، التي كادت أن تبلغ منتهاها… ولكن، آه من لكن!