مقالات

إبراهيم شقلاوي يكتب: كنا هناك.. فلم نجدكم؟!

إبراهيم شقلاوي يكتب: كنا هناك.. فلم نجدكم؟!

في الوقت الذي تواصل فيه القوات المسلحة السودانية تقدمها الحاسم على مختلف الجبهات، وتتسارع جهود إعادة الحياة إلى المناطق التي تم تحريرها من الميليشيات المتمردة، لا تزال بعض الأصوات السياسية الكذوب تمارس سياسات الإنكار والتشكيك في مسار الأحداث، في محاولة يائسة لإعادة إنتاج خطاب انهار تحت وطأة الواقع الميداني.

مع إحكام الجيش السوداني سيطرته على أجزاء واسعة من ولاية الخرطوم، بدأت حكومة الولاية في تنفيذ خططها الرامية إلى إعادة الخدمات وإصلاح البنية التحتية التي دمرتها الحرب. قرارات اللجنة العليا للطوارئ بولاية

الخرطوم امس تعكس رؤية واضحة لمواكبة التحولات الميدانية، إذ وجهت بتحرك كافة الأجهزة نحو إعادة تأهيل المناطق المحررة، بما في ذلك فتح الطرق، واستعادة

خدمات المياه والكهرباء، ومكافحة الأوبئة في المناطق المتأثرة. هذه الخطوات ليست مجرد استجابة إدارية، بل هي جزء من معركة تثبيت الاستقرار في العاصمة، وإعادة بناء مؤسسات الدولة في مواجهة تحديات ما بعد الحرب.

لكن اللافت أن القوى التي طالما رفعت شعارات “إعادة البناء” و”حماية المدنيين” غابت تمامًا عن هذا المشهد، وكأن وجودها لم يكن سوى صدى للكلمات، مكتفية بمراقبة الأحداث من بعيد أو محاولة التشكيك في الانتصارات

المحققة. لم نجدها تفتح تكية أو تغيث مواطنًا أو تقدم أدنى أشكال الدعم او الخدمات التي ظل يقدمها بعض الأفراد الوطنيين الذين يبذلون أنفسهم لأجل الناس و لأجل استعادة الأمن وتحقيق السلام للسودانيين.

منذ اندلاع المواجهات، كان هناك تيار سياسي واضح راهن على إضعاف الجيش الوطني، وذهب بعيدًا في البحث عن ترتيبات سياسية جديدة تقوم على معادلات مفروضة بقوة السلاح. غير أن الوقائع على الأرض أثبتت هشاشة هذه

الرهانات، بعدما تمكنت القوات المسلحة من تفكيك خطوط التمرد في الجزيرة والخرطوم وكردفان، والتوجه لحسم المعركة في دارفور، التي تعد القاعدة الأساسية للميليشيا المتمردة.

لقد تحولت ولاية الجزيرة من “عاصمة بديلة” كان يُراد لها أن تكون منطلقًا لمشروع جديد، إلى ساحة للهزائم المتتالية للمتمردين. والمفارقة أن الجهات التي سعت لشرعنة الوجود المتمرد هناك، تجاهلت تمامًا مشاهد الترحيب الشعبي بالقوات المسلحة، وتفاعل المواطنين مع عمليات التحرير، ما يعكس انقطاعها عن الواقع ومحدودية تأثيرها على الأرض.

لا يمكن فهم التوتر المتزايد لدى بعض الأطراف السياسية إلا في سياق التطورات التي يشهدها إقليم دارفور. فحسم الجيش للمواجهة هناك لا يعني فقط إنهاء التمرد المسلح، بل يضع حدًا نهائيًا لمحاولات فرض أمر واقع يستند إلى

توازنات عسكرية مرتهنة للخارج . وهذا يفسر تصاعد الحملات الإعلامية التي تحاول تصوير عمليات الجيش وكأنها استهداف سياسي، في محاولة لتدويل الأزمة وإيجاد مخارج دبلوماسية للميليشيا المحاصرة.

مع تراجع قدرة القوى المراهنة على التمرد في التأثير على مجريات الأحداث، يتجه السودان إلى إعادة ترتيب أوضاعه السياسية على أسس جديدة. فالمرحلة المقبلة لن

تكون امتدادًا للسيناريوهات السابقة التي جرى فيها إضعاف الدولة لصالح مشاريع ضيقة، بل ستتطلب توافقًا وطنيًا جامع لكل اهل السودان قائمًا على احترام المؤسسات وحماية وحدة البلاد.

لقد أثبتت التجربة أن الجيش السوداني ليس مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو الضامن الأساسي لوحدة السودان واستقلال قراره الوطني. وبالتالي، فإن أي مشاريع سياسية مستقبلية لن يكون لها مكان ما لم تنطلق من

الاعتراف بهذه الحقيقة، بعيدًا عن أوهام الحلول المفروضة من الخارج أو الرهانات على قوى مسلحة غير شرعية نكّلت بالسودانيين واستباحت دماءهم..

اللحظة الراهنة تمثل نقطة تحول في المسار السوداني، حيث تتلاشى الخيارات الرمادية، ويصبح الاصطفاف خلف مشروع الدولة الوطنية هو الخيار الوحيد الممكن. ومع انهيار رهانات التمرد، وانكشاف الأدوار السياسية لبعض

الجهات التي حاولت استثمار الأزمة، تتبلور معادلة جديدة يكون فيها السودان أقرب إلى استعادة سيادته واستقلالية قراره بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية والدولية.

إن الواقع الجديد الذي يتشكل اليوم لا يترك مجالًا للمترددين أو الباحثين عن صفقات سياسية خاسرة . وكما أن الجيش حسم المواجهة ميدانيًا، فإن السودانيين أمام مسؤولية حسم المعركة سياسيًا، من خلال رفض أي مشاريع تستهدف تفكيك الدولة أو إعادة إنتاج الفوضى تحت أي لافتة كانت او عنوان .

هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن السودان اليوم يتجه بثقة نحو إعادة بناء مؤسساته، مستندًا إلى انتصار جيشه وتلاحم مجتمعه، وبعيدًا عن أوهام النخبة التي وجدت نفسها فجأة خارج حسابات الواقع. فالتاريخ يُكتب الآن بدماء الشهداء، وعلى الجميع أن يدرك أن السودان لن

يُؤخذ رهينة مرة أخرى. فقد كنا هناك حيث الناس تبدأ إعادة الإعمار في ام درمان وام بدة وبحري وشرق النيل لكن للأسف لم نجدكم. فبين معاداة الجيش ومعادات الشعب تبقي الادعاءات الكاذبة علي المحك وامام التاريخ .
دمتم بخير وعافية.
Shglawi55@gmail.com

إشتياق الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى