منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. في الحكم الرشيد..!
منى أبوزيد تكتب:..هناك فرق .. في الحكم الرشيد..!
“قيمة الإنسان شجرة وعي والديمقراطية أهم عناصر تمثيلها الضوئي”.. الكاتبة..!
في أيام الانتخابات الرئاسية الأمريكية قبل الأخيرة أعادت مجلة النيويوركر الأمريكية نشر نص يعود تاريخه إلى أربعينيات القرن الماضي حاول من خلاله أحد محرريها أن يقدم تعريفاً للديمقراطية..!
التعريف جاء فيه إنها “خط الحقيقة الفاصل، حرف النفي في عبارة لا تؤذِ، غبار الخشب الذي يرشَح رُويدًا من ثقب قميص العامل، الانبعاج في القبعة التي تنحني احترامًا، وذلك الشك المستمر في أن أكثر من نصف الشعب على صواب معظم الوقت”..!
وهو كما ترى تعريف حاول كاتبه أن يتحرى العدل في ضبط مقاسات حياكة الإجابة على باترون السؤال الوجودي التالي “هل نحن مجتمع ديموقراطي”..؟
وفقاً لمعيار المواطن السوداني العادي الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وُيبَشِّر في الأعراس ويُفاتِح في الأتراح، ويوقر الكبير وإن كان على خطأ و”ينتهر” الصغير وإن كان على صواب، ويتبرع بالنصح الإجباري في كل موقف – وإن كان لا يخصه ولكل عابر سبيل – فإن الإجابة المنطقية هي لا..!
فالإرث الشفاهي للعلاقات الإنسانية في السودان يحمل مقداراً هائلاً من مفردات الاستبداد والاستعلاء والوصائية، والمبالغة في نقد الآخر، لا لشيء إلا لأنه على النقيض، فضلاً عن التشكيك في قواه العقلية إذا لزم الأمر، ومع ذلك يبقى التقليد هو البطل الشعبي الوحيد الذي لم يذق طعم الهزيمة في السودان، حتى الآن ..!
هنالك من يقول ببعض التطرف “إن المسلمين لو تُركوا لتراثهم لما اكتشفوا الديمقراطية والنظام الدستوري” ولما عكفوا على تشجيع الجمود والاستتباع لتجارب الآخرين بلا إنتاج معرفي حقيقي أو منجز سياسي يعول عليه في ساحات الحرية وميادين الديمقراطية ..!
لكن تطوير مفهوم الحكم الرشيد في السودان يحتاج حساً براغماتياً في تقييم أزمات ومطبات وعلل وأوجاع ومزالق ومهالك واقعنا المعاصر، وهذا يعني باختصار أن نجتهد في زراعة النخب قبل أن نشترك في صناعة الحاكم ..!
في نهايات القرن التاسع عشر ناقش بعض المثقفين في العالم الإسلامي مبدأ تأسيس نظام ديمقراطي حاكم على غرار الحكومات الغربية، وفكروا في مشروع قومي لتربية الشعوب الإسلامية سياسياً، كمرحلة تسبق الإجابة على السؤال عن مدى جاهزيتها للممارسة الديمقراطية ..!
بعد هؤلاء جاء آخرون اجتهدوا في تطوير المفهوم بعد أن تكونت لدى معظمهم قناعة راسخة بعدم أهلية الشعوب العرب إسلامية – اجتماعياً وثقافياً – للخلاص من طبائع الاستبداد، دون أن يكون المخلص نفسه مستبداً يتحرى
العدل والرأفة في تهشيم أضلاع الديمقراطية، فاشترطوا لنجاح الفكرة أن يكون الاستبداد العادل “المستنير” مجرد مرحلة مؤقتة، تنتهي عندما يتحقق الإصلاح السياسي والنهضة الاقتصادية ..!
هناك فرق – بطبيعة الحال – بين التَغيُّر والتَغيير، فالأول ينبع من ذات الشئ، والثاني يأتي خارجه، لذا فنجاح أي تحول ديمقراطي يعتمد على كون الديمقراطية مطلباً شعبياً وليست وسيلة جماهيرية..!
وبهذا المعنى يكون غياب الديمقراطية وحدها غير كافٍ لإحداث تحول، بدليل أن بعض أنظمة الحكم العربي غير الديموقراطي تشهد استقراراً سياسياً لأن شعوبها تعيش في سلام ورفاهية ..!
من جهةٍ أخرى حاولت معظم القوي السياسية – في بعض الدول التي ثارت شعوبها مؤخراً – الاستئثار بمكاسب التغيير على حساب الديمقراطية، ثم تحول المتغيرون أنفسهم إلي طغاة وأباطرة بعد وصولهم إلي السلطة..!
لذا يبقى المعيار الحقيقي بعيداً عن المسميات هو نجاح السلطة – أي سلطة – في توفير الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصادية للشعب الذي تحكمه، في ظل تعايش ديني وتعددية إثنية وسلام مستدام..!
وكل ما عدا ذلك ليس سوى هُراء سيلسي مُوشَّى بشرائط ملونة من حُمق الجماهير!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : صحيفة الكرامة