الأخبارالسودانتقارير

ردَّة فعل الشعب تجاه المتعاونين مع مليشيا الدعم السريع بين الغضب والقانون..!

ردَّة فعل الشعب تجاه المتعاونين مع مليشيا الدعم السريع بين الغضب والقانون..!

الانتقام العشوائي يفتح الباب لتصفية حسابات خاصة وقد يستغله البعض لأغراض أخرى!

لابد من ضبط النفس والاحتكام إلى القانون في القِصاص ورد الحقوق تجنباً لحدوث جرائم جديدة!

 

 

كرري: نزار حسين

مقدمة:

إن الغبن الذي يحتقن في نفوس السودانيين منذ أن بدأت هذه الحرب الفريدة في نوعها، هذا الغبن الذي تبركن لنحو العامين في انتظار لحظة الانفجار، جدير بأن يشعل كل الأرض بنيران الانتقام، فما قام به هؤلاء القتلة وقطّاع الطرق الذين اتضح جلياً أنهم مجموعة من أعداء الوطن

اللابدين بانتظار فرصة الانقضاض، حيث تشكلت هذه المليشيا، أول ما تشكلت، من جحافل من الفاقد التربوي، ربما كان ذلك في غفلة من الدولة، حيث لا يبدو أفرادها من الخاضعين للتحري أو الفيش كما هو العرف في تجنيد أي فرد في أي جهاز نظامي، لا سيما الجيش والشرطة والأجهزة النظامية الأخرى.

المساجين واللصوص والمتعاونون.. الكتيبة الاحتياطية (للمليشيا)!

ثم بعد أن بدأت الحرب تمدد هذا الجسم المريض فشمل المجرمين الذين أخرجوهم من السجون وهم لا يقلون، بالتقريب، عن أربعة عشر ألفاً من معتادي الإجرام والمحكومين بأحكام طويلة المدى، منها المؤبد بل وبينهم من المحكومين بالإعدام. إضافة لأن هذه المليشيا قد

جندت أعداداً كبيرة من اللصوص والعصابات التي كانت تنشط في الجريمة قبل الحرب، تلك المسماة بـ(9 طويلة) و(النيقرز) وغيرهم، فقد شهدت العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث، في فترة ما قبل الحرب، حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق ما جعل السجون تمتلئ بالمجرمين والفاقد التربوي الذين كانوا بمثابة الكتيبة الاحتياطية لجنود هذه

المليشيا، التي عمدت على تجنيدهم إمعاناً في الانتقام من هذا الشعب الذي اتضح أنها تحمل نحوه أحقاداً سقيمةً قديمة، فقد حملت الوسائط، في السنوات القليلة الماضية، الكثير من لغات العنصرية والحقد على الفئات التي تسكن في العاصمة الخرطوم والمدن الكبيرة وانتشرت أفكار لا تستند على أدلة ترمي باتجاه أن كل

الخرطوم بنيت بأموال الشعب وأن هنالك فئة معينة استأثرت منذ الاستقلال بثروات البلاد، وتمرحلت الأفكار الكاذبة الخبيثة التي بُثَّت من جهات مغرضة في أوساط البسطاء والجهلاء الذين لم يشعروا بسريان السم العنصري في جسد الأمة الواحد والذي هيَّأ كثيراً من

المغرَّر بهم للانخراط في هذه الحرب التي أخذت طابعاً قبلياً من أفراد من اثنيات محددة كونت نواةً تفرعت بمرتزقة من شتى الأصقاع، ضد كل مكونات الشعب السوداني الذي ظل طيلة تاريخه لُحمةً واحدة في كل البقاع لا تعرف القبيلة ولا اللون ولا اللهجة..!

نيران الغضب تستعر في قلوب السودانيين!

السرديات التي ملأت الأسافير والذاكرة عن ما اقترفته مليشيا الدعم السريع وأعوانها لا تحتاج إلى ذكر نموذج منها فقد بلغت انتهاكاتهم وجرائمهم واقترافاتهم الحد الأقصى، ولا يكاد تاريخ الجريمة في البشرية يحمل مثل ما سجله هؤلاء المعاتيه في محاضر الموت والنهب والقتل والتهجير والاحتلال والتعذيب والاغتصاب وكل ما يمكن للشيطان أن يفكر في إقناع ابن آدم بفعله..!

وقد كان من شأن هذا الملف الضخم من الأفعال، بطبيعة الحال، أن يجعل نفوس المجني عليهم من السودانيين الذين ليس لهم أي يد فيما يعاني منه هؤلاء المصطفين في جيش من القتلة مغذّى بالأفكار الهادمة ومشحون بالأحقاد غير المبررة، كان من شأنه أن يوغر صدورهم على من ارتكب في حقهم كل هذه الخطايا التي تهتز لها الأرض والسماء..!

فالسودانيون الآن فقدوا ثرواتهم وبيوتهم وسياراتهم، بل فقدوا أرواحهم، ومن تبقى منهم على قيد الحياة لا تكاد تجد منهم من لم يفقد عزيزاً، إن كان بالراجمات والدانات العشوائية أو بالرصاص الطائش أو ربما بالرصاص الموجّه قنصاً أو اغتيالاً مباشراً، في بيته أو في ارتكازٍ أو دفاعاً عن ماله وعرضه، لذا ظل هناك حقل من النيران المشتعلة يتصاعد في قلوب هذا الشعب المظلوم والغاضب بحق..!

الاحتكام إلى الدين والقانون في القصاص!

وبعد أن انقلب السحر على الساحر ودار ظهر المِجن وانتهت صولة الباطل، لابد لنا أن نتريث في الرد على من ظلمنا وأن لا يأخذنا الغضب نحو الظلم وأن لا يحملنا الانفعال على اقتراف خطايا ممثالة لما فعله هؤلاء القتلة المغتصبين، فقد سرى حديث في الوسائط وفي الأسافير

وبين الناس في المجالس والأركان بل وحتى في المهاجر، عن غضبة شعبية على كل من عاون هذه المليشيا من أهل الأطراف في المدن الكبيرة و(الكنابي) والمساكن العشوائية، وكلنا مع هذه الغضبة ومع هذه الصولة والثورة، فكل من مسَّنا لابد أن ينال عقابه ضعفين..!
ولكن علينا أن ننتبه لأنه قد يندس في هذه القضية مغرضون وأصحاب أهداف بعيدة ربما لا نفطن لهم في سكرة الانتقام..!

فلا يخفى على المتابع الحصيف أن هناك من لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي، وأن نغمة (الحرب الأهلية في السودان) التي سمعناها بداية هذه الحرب كانت غاية في حدِّ ذاتها لأعداء هذا البلد، فهم لا يريدونه أن يستقر أبداً، يُريدون لفتيل الحرب أن يظل مشتعلاً حتى يتمكنوا من مفاصله كأرض محروقة من الأطراف وضعيفة من العمق..!

وعلينا وقد صار الأمر، بفضل الله ثم مجهودات القوات المسلحة وكل فئات وتنظيمات هذا الشعب التي تلاحمت لتشكل جيشاً لا يُقهر، علينا أن نتمهل ونحتكم إلى الدين والقانون في اقتصاص حقوقنا، وأن لا نستجيب لدعوات الانتقام العشوائي التي بدأت تسري بين الناس، فذلك ربما يفتح الباب لتصفيات خاصة وقد يستغله البعض لأغراض

أخرى بل قد يكون مدخلاً لانتهاكات جديدة تضيع تفاصيل تجريمها في خضم هرج الفوضى الانتقامية التي إن حدثت فلن يكون بعدها إلا كوارث أخرى وندم آخر وسلسلة أخرى من الدماء والدموع..!
لابد لنا من التريُّث في اتخاذ أي أجراء وإحاطة القوات النظامية والجهات القانونية علماً بكل خطوة نخطوها، فحتى لو كان الواحد منا يعلم بالتحديد من الذي انتهك

حقه أو سرق شيئاً منه أو تعاون مع المليشيا ضده، ليس من الحكمة أن يأخذ حقه بيده، حفاظاً على السلامة العامة وسدَّاً لباب فتنة جديدة، علينا أن نتخذ التدابير الكافية لعدم إفلات أي مجرم من العقوبة.

نحن نتفق قطعاً على ضرورة إيقاع أقصى وأقسى ما يمكن تنفيذه في هؤلاء المجرمين، ولا يشفي غليلنا فيهم حتى الموت، ولكن لنجعل الأمر رسمياً وقانونياً تحت راية الدولة حتى لا يكون هناك أي مجال لظلم أحد أو أن يُستغل الأمر من جهة ما لتصفيات شخصية أو لأغراض سياسية أخرى، غير تنفيذ القانون للقِصاص ورد الحقوق إلى أهلها.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى