زرع شريحة من الجيل الخامس في اللقاح ممكن.. لكنها لن ترسل أي بيانات
يتداول مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي منذ عدة أشهر نظرية مفادها أن اللقاحات المضادة لفيروس كورونا تحتوي على شرائح دقيقة من الجيل الخامس تسمح بتتبع الأشخاص الحاصلين على التطعيم وجمع بياناتهم الخاصة. لكن هل هذا الأمر ممكن عمليا؟
في تقرير نشرته مجلة “لوبوان” (lepoint) الفرنسية، يقول أستاذ العلوم والتكنولوجيا بجامعة كاين نورماندي جان مارك روتور إنه يمكن عمليا زرع رقاقة إلكترونية في جسم الإنسان عبر حقنة صغيرة، لكن من المستحيل جمع أي بيانات عبر هذه الرقاقة.
من المفارقات -حسب الكاتب- أن تظهر هذه الشائعات بعد مرور 56 عامًا من إعلان غوردون مور، أحد مؤسسي شركة إنتل، عن نظريته التجريبية التي تشير إلى تضاعف عدد الترانزستورات الموجودة على الرقاقات الصغيرة بمعدل مرة واحدة كل عامين.
وحسب الكاتب، يمكن التأكد من صحة قانون غوردون مور التجريبي من خلال ما وصلته إليه المكونات الإلكترونية الأولية من تطور في الوقت الحالي، حيث بلغت الترانزستورات أحجاما نانومترية.
وفي السابق، صُنعت المكونات الإلكترونية من مصابيح مفرغة تحتوي على خيوط وشبكات تسمى الصمامات الثلاثية. وعن طريق التسخين والتأثير الكهروستاتيكي، كان بالإمكان تضخيم الإشارات الكهربائية الضعيفة، وقد أتاح ذلك إرسال أول إشارات لاسلكية أوائل القرن العشرين، والتي عُرفت بشفرة مورس.
ثقب حقنة
تم تطوير مكونات أشباه الموصلات في خمسينيات القرن الماضي، وقد ابتكرت شركة بيل الاسم التجاري “ترانزستور”. وتمت صناعة أول دائرة متكاملة تعمل ضمنها عدة ترانزستورات متصلة ببعضها البعض نهاية الستينيات.
على المستوى الصناعي، تُصنع الدوائر المربعة جنبا إلى جنب لتسهيل قطعها قبل التعبئة. عام 2021، أعلنت “المؤسسة الدولية للحاسبات الآلية” عن صناعة ترانزستور بحجم لا تتجاوز 2 نانومتر (أي حوالي عشرين ذرة موضوعة بجانب بعضها البعض).
كم عدد الترانزستورات التي يمكن أن تمر عبر فتحة الحقنة المستخدمة باللقاح؟
هناك مشكلة هندسية قد تعيق زرع الشريحة في حقنة اللقاح، لأن دائرة الترانزستورات مربعة، أما الإبرة فهي دائرية ولا يتجاوز قطرها الداخلي 0.6 ملليمتر.
لذلك، لا ينبغي ألا يتجاوز ضلع المربع الذي يمكن أن يدخل دائرة الحقنة 0.424 ملليمتر. بناء عليه، من الممكن وضع رقاقة مختومة -مماثلة لتلك الموجودة بالهواتف المحمولة الحديثة- داخل حقنة لقاح.
التواصل مع الخارج
يوضح الكاتب أن التحدي الأكبر هو تواصل الشريحة المحقونة لاسلكيا مع مستقبلات خارج جسم الإنسان، إذ يجب صنع هوائيات صغيرة على شريحة الاتصالات اللاسلكية.
في هذه الحالة، يجب استخدام معادلات ماكسويل لتحديد حجم تلك الهوائيات. ويُنسب إلى جيمس كلارك ماكسويل، وهو عالم فيزياء ورياضيات أسكتلندي عاش في القرن 19، الفضل في إثبات أن المجالات الكهرومغناطيسية المستخدمة في إرسال الإشارات اللاسلكية تنتشر في الفضاء على شكل موجات بسرعة الضوء.
وفقًا لمعادلات ماكسويل، يجب أن يكون الحجم المثالي للهوائي مساويًا لنسبة سرعة الضوء وتردد الموجات الكهرومغناطيسية. وتستخدم تقنيات الجيل الخامس الحالية نطاقات تردد تناهز 3.5 غيغاهرتز. ومن ناحية عملية، ينبغي صنع هوائي بحجم 2.1 سنتيمتر للسماح للرقاقة بالاتصال لاسلكيًا بمستقبلات خارج جسم الإنسان، لكن حجم سطح الشريحة لا يسمح بتثبيت هوائي بهذا الحجم.
رقاقات الحيوانات
سبق للإنسان أن قام بزراعة رقاقات في أجسام الكلاب والقطط، ويبلغ طول الشريحة حوالي 10 ملليمترات، وهي تحتوي على رقم فريد يمكن قراءته عن طريق وضع الجهاز القارئ بالقرب من أذن الحيوان.
ينطبق الأمر ذاته على جميع تقنيات نقل البيانات اللاسلكية، حيث إن المسافة بين الشريحة المزروعة والجهاز القارئ صغيرة، وغالبا لا تتعدى بضعة سنتيمترات. ومن أجل زيادة المسافة، من الضروري تقوية طاقة الإرسال المنبعثة من الشريحة، وبالتالي زيادة حجم البطارية.
حجم الشريحة
بين تعقيدات صنع هذه الأحجام الصغيرة والمعادلات الرياضية الصعبة والنتائج التي تعتمد بشكل كبير على الظروف التجريبية، لا يبدو من السهل تحديد حجم البطارية المناسبة لإرسال الإشارات المطلوبة إلى مسافة بعيدة.
يمكن على سبيل المثال النظر إلى بطاريات الهواتف المحمولة، حيث يبلغ مدى الهاتف كيلومترًا واحدًا بالنسبة لبطارية يبلغ حجمها حوالي 10 سنتيمتر مكعب.
إذا افترضنا أن البطارية تحتل نصف مساحة الشريحة المحقونة باللقاح، سيكون نطاق الإرسال 0.1 سنتيمتر. ونظرا لحجم البطارية، ينبغي أن تكون الشريحة متصلة بنظام قراءة قريب حتى تتمكن من إصدار البيانات.
الأمر قد يستغرق 60 عاما
يخلص الكاتب إلى أنه يمكن حقن معالج رقاقة من الجيل الخامس من خلال ثقب الإبرة المستخدم بلقاحات كورونا، لكن نطاق الإرسال سيكون صغيرا ويتطلب نظام قراءة ملامسًا للجلد.
ويضيف أنه باستقراء قانون تضاعف نطاق ترددات الإرسال الهاتفي اللاسلكي 10 مرات خلال 20 عامًا، يمكن أن يستغرق ابتكار هوائيات صغيرة صالحة لرقاقات تُحقن في إبرة لقاح، حوالي 60 عاما.
المصدر : لوبوان