إضاءة علي مخرجات مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي (CICA): “رؤية جديدة لمواجهة تحديات العصر” (3/3)
التحديات وسبل استفادة المقاولين من محاور المؤتمر الرئيسية
إضاءة علي مخرجات مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي (CICA): “رؤية جديدة لمواجهة تحديات العصر”
(3/3)
التحديات وسبل استفادة المقاولين من محاور المؤتمر الرئيسية
د.مهندس مستشار | مالك علي محمد دنقلا
عقد اتحاد المقاولين العالمي(CICA) بتاريخ 26 نوفمبر 2024 مؤتمراً هاماً في باريس بالتعاون مع اتحاد المقاولين الأوروبيين (EIC) ، استغرقت فعاليات وجلسات المؤتمر اربعة ايام وشهده العديد من رؤساء وممثلي منظمات المقاولات علي مستوي العالم، ومن بينهم رئيس اتحاد المقاولين بالدول الاسلامية ورئيس اتحاد المقاولين الافريقي، ومؤسسات التمويل والانماء متعددة الاطراف، وممثلي العقود الهندسية الحديثة، والمقاولين والمتخصصين والاوساط الأكاديمية، حيث تم تقديم ومناقشة عدة اوراق ومحاور هامة تتعلق بتطوير صناعة المقاولات، وكيفية مواجهة تحدياتها، وايجاد الحلول المناسبة والعصرية التي تمكنها من ممارسة دورها التنموي في النهضة البشرية.
ولقد تناولنا في المقالين السابقين المذكرة التفاهمية المقدمة من المؤتمر بعنوان “تعزيز النهج التعاوني والمبتكر لتحقيق مشاريع بناء مرنة ومستدامة”، واوضحنا اهمية النهج التعاوني في دعم صناعة المقاولات، مع التركيز علي مراحل تطوير المشاريع، والاستدامة، والابتكار، وتحسين الكفاءة والاستثمار، كما تناولنا دور التكنولوجيا الحديثة والاجهزة التقنية الذكية في حل التحديات التي تواجه صناعة البناء والتشييد مع التركيز علي التحديات المرتبطة برفع مستوي الكفاءة والجودة، وتحديات العقود التعاونية، والاستدامة البيئية، وفض النزاعات لتسريع انجاز المشروعات.
وفي هذا المقال نستعرض سبل الاستفادة من المحاور والموضوعات المتعددة التي تم طرحها خلال جلسات هذا المؤتمر العالمي والتي استهدفت في مجملها تعزيز أداء قطاع المقاولات وتحقيق أهدافه بصورة أكثر استدامة وكفاءة، بالاضافة الي التحديات والمشاكل التي تعترض التطبيق، كما نتناول سبل الاستفادة الفعلية من العقود التعاونية، والإشراك المبكر للمقاولين، ودور المقاولين في تنفيذ المشاريع بما يلبي المعايير البيئية، ودور مجالس فض النزاعات.
ولتعميم الفائدة علي المقاولين، والمتخصصين، وكافة المهتمين بصناعة المقاولات ممن لم يشاركوا في المؤتمر حرصنا علي ان نختتم المقال بذكر خلاصة الدروس المستفادة المناقشات التي دارت في المؤتمر ، والموضوعات والمحاور الهامة التي تم طرحها، مع ذكر التحديات العامة التي واجهت المشاركين في المؤتمر.
اولا: سبل الاستفادة من العقود التعاونية والإشراك المبكر للمقاولين:
1- تشجيع اعتماد العقود التعاونية التي تركز على توزيع المخاطر والمسؤوليات بين الأطراف، مما يضمن تعاونًا أفضل بين المقاولين، العملاء، والاستشاريين.
2- الإشراك المبكر للمقاولين في مراحل التصميم والتخطيط يتيح فرصة لتقديم حلول مبتكرة وتقليل التكاليف والمخاطر المحتملة أثناء التنفيذ.
3- يمكن للجهات المعنية بالإنشاءات في الدول المختلفة تبني نماذج العقود التعاونية الناجحة التي تم عرضها في المؤتمر كمرجع لتطوير أنظمة العمل الخاصة بها.
تحديات مطروحة
1- مقاومة بعض الأطراف لتغيير الأنظمة التقليدية المتبعة في العقود.
2- ضعف فهم المزايا الحقيقية للعقود التعاونية من قبل بعض الجهات المالكة.
ثانيا: سبل الاستفادة من المواءمة البيئية في تنفيذ المشاريع
1- اعتماد تقنيات البناء الأخضر واستراتيجيات البناء المستدام التي تم استعراضها في المؤتمر، بما في ذلك تقليل البصمة الكربونية.
2- تطبيق الاشتراطات البيئية العالمية والمحلية لتحقيق التوازن بين التوسع العمراني والحفاظ على البيئة.
3- دراسة أمثلة حقيقية لمشاريع تم تنفيذها وفق المعايير البيئية بنجاح والاستفادة منها كنماذج قابلة للتطبيق.
تحديات مطروحة
1- ارتفاع التكاليف الأولية لتطبيق معايير الاستدامة البيئية.
2- نقص الخبرة والمعرفة التقنية لدى بعض المقاولين في استخدام المواد والتقنيات الصديقة للبيئة.
ثالثا: سبل الاستفادة من دور مجالس فض النزاعات في سرعة إنهاء المشاريع
1- تعزيز ثقافة مجالس فض النزاعات كبديل عملي وفعال لإجراءات التحكيم الطويلة والمكلفة.
2- تطوير قدرات المقاولين على استخدام هذه المجالس كوسيلة لحل النزاعات بشكل سريع ومرن، مما يضمن استمرار المشاريع دون تعطيل.
3- الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة التي عرضت في المؤتمر لتطوير مجالس فض النزاعات المحلية.
تحديات مطروحة
1- غياب الإطار القانوني في بعض الدول لدعم استخدام مجالس فض النزاعات بشكل رسمي.
2- نقص الوعي بدور هذه المجالس وكيفية الاستفادة منها.
رابعا: التحديات العامة التي واجهت المشاركين في المؤتمر
1- التفاوت في الخبرات والمعايير:
وجود فروقات كبيرة بين الدول المشاركة في فهم تطبيق المعايير البيئية أو العقود التعاونية.
2- التكنولوجيا والابتكار:
تحدي مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة في بعض الدول، خاصة تلك التي ما زالت تعتمد على أنظمة تقليدية.
3- التعاون الدولي:
صعوبة تحقيق توافق كامل بين الدول المختلفة بسبب التباين في التشريعات والأنظمة المحلية.
خامسا: أهم الدروس المستفادة
1- الشراكة هي مفتاح النجاح:
التعاون بين مختلف الأطراف، بدءًا من التصميم وحتى التنفيذ، يعد أساسًا لتحقيق مشاريع ناجحة ومستدامة.
2- المرونة في العقود:
العقود التعاونية تعزز الابتكار والمرونة، مما يساهم في خفض النزاعات وزيادة كفاءة التنفيذ.
3- أهمية الاستدامة:
لا يمكن لأي مشروع أن ينجح دون مراعاة البعد البيئي، مما يجعل الاستدامة البيئية ضرورة وليست خيارًا.
4- فض النزاعات بفعالية:
مجالس فض النزاعات توفر الوقت والجهد وتحافظ على العلاقات بين الأطراف، وهو ما يجب التركيز عليه كبديل للتحكيم التقليدي.
5- التعلم المستمر:
تبادل الخبرات بين الدول المختلفة يسهم في رفع كفاءة القطاع على مستوى عالمي.
خاتمة
لاشك ان مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي CICA يعد منبرًا دولياً هامًا لتبادل الأفكار والخبرات في قطاع الإنشاءات، خاصة وان هذا الاتحاد العالمي الذي تأسس عام 1974 في طوكيو، يمثل صناعة المقاولات علي مستوي العالم، ويتحدث باسم صناعة البناء في المسائل التقنية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والمالية ذات الاهتمام الدولي، ويستهدف تبادل الخبرات والمعلومات والمعرفة الفنية والاستفادة من اتفاقيات التعاون مع المؤسسات أو المنظمات مثل عقود الهندسة الجديدة، ووحدات ومحترفي الجمعية العالمية للشراكات بين القطاعين العام والخاص، ومؤسسة مجلس حل النزاعات وما إلى ذلك؛
وتعمل CICA على تعزيز الاستثمار في الهندسة والبناء الذي يعزز البيئة، ونوعية الحياة للجميع؛ وعلي تعزيز صناعة البناء العالمية، من خلال التركيز بشكل خاص على تأثيرها الأساسي على الاقتصاد على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية.
وتعد السيكا بمثابة جماعة ضغط علي المستوي الدولي حيث تضم جميع شركات المقاولات العالمية بحجم أعمال عالمي يبلغ حوالي 7 تريليون دولار أمريكي، وتوظف 150 مليون شخص، فهو ينضوي تحت مظلته منظمات المقاولين القارية، بالاضافة الي الشرق الاوسط كاتحاد صناعة البناء الأوروبية، والجمعيات الأوروبية للمقاولين، واتحاد الصناعات الأمريكية للبناء، و الاتحاد الدولي لجمعيات المقاولين في آسيا وغرب المحيط الهادئ، واتحاد أمريكا اللاتينية، ومنظمات المقاولين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنظمة المقاولين الدوليين الصينيين، وجمعية البناء الكندية، وجمعية البناء في اليابان، وجمعية البناء الكورية.
كما يتفاعل الاتحاد العالمي للمقاولين مع الحكومات ومع المنظمات العامة والخاصة بما في ذلك المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية المتعددة الأطراف ووكالات التنمية؛ وذلك للمساهمة في إعداد وتنفيذ مشاريع البنية التحتية و خطط العمل بدول العالم.
لذا لم يكن غريبا ان تتضمن الأوراق المقدمة في المؤتمر الذي تم عقده بباريس خلال شهر نوفمبر العام الجاري، علي رؤى عميقة حول كل ما يتعلق بصناعة المقاولات وتطويرها وتنميتها وتحدياتها وسبل الحل، مع التركيز علي وسائل طرق تحسين العقود، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتسريع إنهاء النزاعات، وحلول التكنولوجيا والتقنيات الذكية، كما سلط المؤتمر الضوء علي اهمية التكاتف لمواجهة التحديات العامة، بجانب الحاجة المستمرة للتعاون الدولي وتبادل الخبرات والمعرفة، لذا فان الدروس المستفادة من هذا المؤتمر تمثل بلا شك خارطة طريق لتطوير قطاع الإنشاءات علي مستوي العالم ليصبح أكثر كفاءة واستدامة في المستقبل.
*خارطة طريق لاستفادة السودان من مخرجات المؤتمر العالمي:*
يُعتبر مؤتمر اتحاد المقاولين العالمي فرصة ذهبية لدول مثل السودان للاستفادة من التجارب والمخرجات التي تم طرحها في جلساته، خاصةً في ظل التحديات التي تواجه قطاع الإنشاءات في البلاد حيث يمكن للسودان الاستفادة من مخرجات المؤتمر في عدة مجالات تُسهم في تطوير قطاع المقاولات والبنية التحتية، ودفع عجلة التنمية المستدامة. ومن أبرز سبل الاستفادة:
1. تعزيز العقود التعاونية والإشراك المبكر للمقاولين و اعتماد نماذج العقود التعاونية التي تم استعراضها في المؤتمر ليسهم في تحسين العلاقات بين الأطراف المختلفة للمشاريع، وتقليل النزاعات والمخاطر و إشراك المقاولين السودانيين في مراحل التصميم والتخطيط بما يُمكّنهم من تقديم حلول مبتكرة تتناسب مع الواقع المحلي، ويقلل من التكاليف والمخاطر أثناء التنفيذ كما
يمكن للسودان تبني التجارب الناجحة التي تم عرضها لتطوير أنظمة العمل، بما يضمن توزيعاً عادلاً للمخاطر والمسؤوليات.
2. تعزيز الاستدامة البيئية في المشاريع:
السودان بحاجة لتطبيق تقنيات البناء الأخضر التي تم استعراضها في المؤتمر، مما يساهم في تقليل البصمة الكربونية، وتحقيق التوازن بين التوسع العمراني والحفاظ على البيئة
والاستفادة من أمثلة مشاريع دولية ناجحة طُبقت وفق معايير الاستدامة البيئية لتكون بمثابة نماذج إرشادية لتطوير البنية التحتية في السودان بأسلوب مستدام.
3. تفعيل دور مجالس فض النزاعات:
إنشاء مجالس فض النزاعات على المستوى المحلي بناءً على التجارب الدولية الناجحة التي تم عرضها في المؤتمر يمكن أن يساعد في تسريع إنجاز المشاريع، وتقليل التأخير الناتج عن النزاعات و تعزيز الوعي لدى الأطراف المعنية بالمشاريع بأهمية هذه المجالس كبديل عملي للتحكيم الطويل والمكلف.
4. مواكبة التكنولوجيا والابتكار:
– يمكن للسودان الاستفادة من الحلول التقنية والتكنولوجية الحديثة التي تم عرضها في المؤتمر لتحسين الكفاءة والجودة في المشاريع و إدخال الأجهزة الذكية والتقنيات المتقدمة في المشاريع المحلية يساهم في رفع مستوى الإنتاجية .
5.التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية:
اتاح المؤتمر فرصة للتفاعل مع مؤسسات التمويل والتنمية متعددة الأطراف، مما يمكن السودان من بناء شراكات مع هذه المؤسسات لتوفير دعم مالي وتقني لمشاريع البنية التحتية و توظيف علاقات اتحاد المقاولين العالمي مع البنوك التنموية يمكن أن يسهم في جذب استثمارات جديدة للسودان.
التحديات والتوصيات :
مع الاستفادة من هذه المخرجات، يواجه السودان تحديات تتطلب حلولاً استراتيجية أبرزها
ضعف الخبرة التقنية في تطبيق معايير البناء المستدام ونقص الإطار القانوني الداعم للعقود التعاونية ومجالس فض النزاعات والتفاوت في القدرات التكنولوجية بين السودان والدول المتقدمة.
التوصيات:
1. تعزيز برامج التدريب للمقاولين السودانيين لتأهيلهم في استخدام التقنيات الحديثة والبناءالمستدام وتطوير التشريعات المحلية لدعم العقود التعاونية والاستفادة من نماذجها العالمية بالاضافه إلى أهمية إنشاء شراكات مع دول ومنظمات متقدمة لتبادل الخبرات ونقل المعرفة.
الخاتمة:
يمثل مؤتمر CICA فرصة استراتيجية للسودان لتحسين قطاع الإنشاءات المحلي، عبر تبني مخرجات المؤتمر في مجالات العقود التعاونية، الاستدامة البيئية، التكنولوجيا، وحل النزاعات كما ان الاستفادة من المخرجات وتطبيقها على أرض الواقع سيُسهم في إعادة و تطوير البنية التحتية في السودان، وتعزيز دورها في تحقيق التنمية المستدامة التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإضرار بمستقبل الأجيال القادمة.