منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق ..الحل بالأسنان ..!
منى أبوزيد تكتب: ..هناك فرق ..الحل بالأسنان ..!
“الموت ليس قضية الميت، إنه قضية الباقين”.. غسان كنفاني..!
في أواخر سنوات حكم الإنقاذ – أي في سودان ما قبل قيام الثورة واندلاع الحرب – نظمت كلية طب وجراحة الأسنان بالجامعة الوطنية محاضرة قيمة للدكتور أحمد رزق، كان موضوعها الرئيس هو” طب الأسنان العدلي”..!
السؤال المفتاحي الرئيس كان بشأن الدليل العلمي الدامغ الذي حسم مسألة عودة الإمام الهادي المهدي التي ما يزال يؤمن بها بعض الأنصار، والدليل العلمي الدامغ الذي حسم أيضاً مسألة التشكيك في موت الزعيم النازي أدولف هتلر التي تبناها بعض الروس إبان الحرب العالمية الثانية ..!
الإجابة – التي تلخص مضمون المحاضرة – أكدت أن الخبر العلمي اليقين كان يقبع في الأسنان. فالإمام الهادي المهدي الذي تم اغتياله في منطقة الحدود بالقرب من مدينة الكرمك مطلع سبعينيات القرن الماضي – الذي لم يعترف النظام العسكري آنذاك بقتله، ولم والذي لم يُعرف مكان دفنه قبل النصف الثاني من الثمانينيات – أكدت تقارير طب الأسنان العدلي تطابق أسنان رفاته مع صور أسنانه المحفوظة في ملفات طبيبه المعالج، وبناء على ذلك تم نقل رفاته في موكب مهيب إلى قبة الإمام المهدي بأم درمان ..!
والزعيم النازي أدولف هتلر الذي كان البعض يشككون في رواية انتحاره، تم حسم أمر وفاته من خلال اختبارات الحمض النووي على أسنانه أيضاً، وكذلك كانت الحال مع جثتي راجيف غاندي رئيس ورزاء الهند الأسبق، ومحمد ضياء الحق رئيس باكستان الأسبق، الذين تناثرت أشلاء كل منهما إثر انفجار قنبلة ..!
أسنان الجثث لا تفنى إذن، وطب الأسنان العدلي يستثمر ذلك البقاء ويستخرج من تلك البقايا أدلة حاسمة ضد الفناء، فيكشف غموض الجرائم ويُعرِّف بهوية الجثث في حال الكوارث والحروب، ويشد من أزر علم الآثار بتحديد عمر وهوية رفاة ومومياءات الحضارات البائدة ..!
وعن طريق تقارير طب الأسنان العدلي يتم إثبات أو نفي هوية المفقودين، ويتم الفصل في قضايا الميراث ومصائر الزيجات، ويتم حفظ الحقوق القانونية للأحياء، ويتم حفظ كرامة الميت الذي يتمكن ذووه من دفن جثته أو رفاته على النحو الذي يليق بعقيدته الدينية. فضلاً عن الكشف عن هوية المعتدين في حوادث الإغتصاب التي يحل غموضها تقرير بشأن “عضة” نتجت عن مقاومة الضحية فكانت سبباً في اكتشاف القاتل ..!
أكثر من خمسين بالمائة من ضحايا إعصار تسونامي تم اكتشاف هويتهم عن طريق الأسنان، وأكثر من خمسين بالمائة من ضحايا حادثة تفجير برج التجارة العالمي تم اكتشاف هويتهم عن طريق الأسنان، ولم يحدث أي خطأ علمي أو فني ..!
قبيل اندلاع هذه الحرب كان بعض أعضاء الحرية والتغيير – تقدم لاحقاً – يقولون إن مشكلات العلاقة بين الجيش والدعم السريع يجب أن تحب باللسان وليس بالأسنان، ولكنهم بعد اندلاعها ألجموا اللسان وأعملوا الأسنان..!
انتهاكات ومجازر المليشيا خلفت وراءها جثثاً مجهولة وقبوراً جماعية ومدافن مؤقتة قد لا يتم التعرف على هوية أصحابها أبداً، وقد يحدث ذلك – بعد مرور سنوات – عن طريق فحص الأسنان..!
أما اليوم فإن انقطاع الأخبار وطول الغياب ما يزال هو الوجه الآخر لفكرة الموت، في الوقت الذي ما يزال بعض حلفاء المليشيا – في تقدم – يباركون فيه جرائمها سراً، بينما يحدثون الناس جهراً عن الحل باللسان والحل بالأسنان..!
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفه الكرامة