مقالات

محمد احمد عبدالقادر يكتب : ..رجال من الساحل (٧)..إدريس الامير :ينبوع الشذى العطرى

محمد احمد عبدالقادر يكتب : ..رجال من الساحل (٧)..إدريس الامير :ينبوع الشذى العطرى

 

 

برفقة شقيقه الأكبر الذى جاء منقولا إلى منطقتنا. إنضم الينا بمدرسة برام الابتدائية الغربية التلميذ اسماعيل على محمد… كان صديقى… كان كثيرا ما يردد مطلع أغنية سواكن ( صب دمعى و انا قلبى ساكن… حار فراقك نار يا سواكن) … قال ذات مرة ( انا لو بقيت كبير بمشى

سواكن و لو جابوا لى بت بسميها سواكن) … كان ذلك اول معرفة لى بسواكن المدينة و سواكن الاغنية… و انا ارتب لهذا المنشور بحثت عن ذلك الصديق الذى لا أعرف عنه اى شئ منذ أكثر من نصف قرن من الزمان. لأعرف منه ان كان قد ذهب إلى سواكن و رزق بابنة سماها

سواكن… زميلنا الناشط الاسفيري الشهير الطاهر ضوالبيت دلنى اليه… وجدت الرجل بإحدى دول الخليج… وجدته قد نسينى تماما و نسى تلك التفاصيل.
* عندما جئت إلى مدرسة نيالا الثانوية العليا كان خالى / الغالى الحطابى (عليه رحمة الله) من المغنيين بالمدرسة .

وكان من الاغنيات التى يغنيها أغنية (الزاهى فى زيك فى وسامتك … ما نحنا عايشين على ابتسامتك) … سواكن و الزاهى هى أشهر أغنيات الفنان إدريس الامير عليه رحمة الله. مع أن للامير أغنيات أجمل منها لم تجد حظها من الشهرة .

* عندما حضرت إلى بورتسودان فى العام ١٩٧٩ . و أثناء تجوالى مع أحد الاخوة بسوق بورسودان الكبير قال و هو يشير ( الزول الماشى داك الفنان إدريس الامير) … بعدها كنت اصادف ذلك الشخص بالمنطقة حول عمارة سوكراب (شخص بدين على عنقه دائما ( كرفتة) غير محكمة

الربط) … عندما دخلت مجال الاعلام أوائل الثمانينيات و ذهبت الى مكتب الثقافة والإعلام بمقرة بعمارة بيومى المقابلة لفندق الزاهران حيث يعمل إدريس الامير موظفا . وجدته شخص آخر غير الذى أشار إليه مرافقى يومئذ… يبدو إننى نظرت إلى شخص غير الذى يفصده مرافقى … لاحقا ذكرت الأمر للأمير و أوصاف ذلك الشخص فقال ضاحكا ( دا صاحبنا كمال الزبير المحامى) .

* فى الفترة الديمقراطية التى أعقبت انتفاضة أبريل ١٩٨٤ كان للصحفى و الشاعر عبدالعظيم اكول حضور كثيف في الصحف الكثيرة التي صدرت في تلك الفترة… يمكن أن تقرأ له فى عدة صحف فى اليوم الواحد… ذات يوم أخبرني رئيس المكتب الذى أعمل به بأن الفنان إدريس

الامير على الخط يريد ان يحدثنى … لم تكن لى معه علاقة تبرر هذا …ما ان وضعت السماعة على اذنى و بعد التحية حتى قال ( انت قالوا اكول دا صحبك) و واصل فى حديث به الكثير من الانفعال و السخرية . خلاصته رسالة تحذير شديدة اللهجة من الامير مطلوب منى

إيصالها لاكول …صراحة الرجل و سخريته و المعلومات التى ذكرها فى تلك المحادثة فتحت شهيتى للتواصل معه. و أزالت اى حواحز بينى و بينه.

* بعدها صرت أذهب إلى مكتب الثقافة والإعلام بموقعه جوار استاد بورسودان مخصوص للجلوس مع الفنان ادريس الامير والاستمتاع بالتحدث معه … أحاديث الأمير طابعها العام تاريخى … يتحدث باستاذية عن تأريخ الاغنية السودانية و سيرة المغنيين السودانيين. و

يتكلم بتمكن عن تاريخ الثورة المهدية و سيرة أبطالها. خاصة البطل عثمان دقنة . اما عندما يحكى عن تاريخ و تراث الشرق بصورة عامة و بورسودان و سواكن بصفة خاصة . لا تمتلك إلا أن تقف أمامه محييا … استماعى باهتمام لحديث الأمير يفتح شهيته للاسترسال . فتتزاحم

المعلومات و تتقاطع الموضوعات و قد تفقد سلاستها … لهذا تجدنى اردد كثيرا فى جلساتى مع الامير عبارة ( لا لا يا دوسه قبل ما نفوت الحته دى ) .

* عندما جاء الأمير أمينا للمكتبة الثقافية بمبنى بلدية بورسودان كان هذا بمثابة فتح اضافى للاستمتاع بالحديث معه … رغم أن المقام مقام هدوء إلا ان الأمير لم يكن ملتزما بالتوجيه المعمول به فى كل المكتبات

العامة … قد يكون له العذر لأن المكتبة غالبا لا يكون بها قراء . و ان وجدوا يكون عددهم قليل جدا. بعضهم يترك القراءة و يسترق السمع لحديث الأمير… إدريس كان يسعد كثيرا عندما يجد بعض جوانب حديثى معه منشورا بإحدى الصحف … كثيرا ما يشاركنا هذه الجلسات العم

على عوض الله المراقب المالى للبلدية. و هو كاتب راتب بالنشرة الاخبارية الأسبوعية لمكتب الثقافة والإعلام. و احيانا السيد / محمد أحمد الاحمر باشكاتب البلدية . و هو كاتب مجيد له أسلوب رصين و لكنه مقل . لم أقرأ له كثيرا . و لكنى ما زلت اذكر تلك المقدمة الرائعة التى

كتبها لواحد من كتب الأستاذة ام احمد يوم ان كانت تطبعها بالرونيو … من خلال تواجدى مع الامير بالمكتبه التقيت بعدد من الفنانين ببورسودان القدامى اذكر منهم ادم الفاضل و كرار صديق .

* بحانب جلسات المكتبة كانت لى مع إدريس الامير جلسات شبه اسبوعية بمنزله العامر بديم المدينة . عقب صلاة الجمعة الى ما بعد صلاة المغرب … كانت زوجته الصالحة الفاضلة حليمة أحمد (ام احمد) كما يناديها

الأمير تتفانى و تبدع فى إعداد وجبة غداء تلك الجلسات … وهنا اقول اعرف عدد من أصدقائى يجلون زوحاتهم و يقدروهن … و طبعا العكس صحيح … لكنى لا أعرف من بين أصدقائى ببورسودان من يقدر زوجته و يجلها كما

يفعل الأمير لزوجته شقيقة الكابتن البحرى الشهير إدريس على نور … أحيانا يشاركنا هذه العصريات الزميل الطاهر بكرى عليه رحمة الله (رئيس البعثة) كما يقول الامير الذى يكن للطاهر معزة خاصة .

* جميع أغنيات الفنان إدريس الامير من كلماته و ألحانه و يؤديها بصوته … تنازل عن أغنية واحدة فقط للمغنية ندى القلعة هى اغنية (انا صابر على الصبر و انت عارف نار الصبر زى الجمر و انا خايف) … هى أغنيات باللغة

العامية و اللهجات المحلية . بعضها مسجل بإذاعة ام درمان . كما سافر الامير الى القاهرة و قام بتسجيل بعض أغنياته لاذاعة ركن السودان من القاهرة … الامير كان يتحدث بسعادة كبيرة عن الإهتمام الذى وجده من مدير الإذاعة المصرية سامية الصادق و تواصلها معه … أنا لم أستمتع باغتيات الامير كثيرا .و لكنى استمتعت كثيرا

جدا بالحديث معه … قد يعود هذا إلى إنى تعرفت عليه بعد ان تراجع إهتمامه بالغناء و صار أكثر إقبالا على العبادة … احسب ان سهر إدريس فى قيام الليل اكثر بكثير من سهره فى حفلات الغناء … عدد من ألحان اغنياته العاطفية حولها الى مدائح نبوية . هذا قبل ان

يقوم الشيخ عبدالرحيم البرعى بتحويل لحن اغنية الزاهى فى زيك الى مدحة نبوية … اتفق مع الأستاذ الكبير عبدالغنى جوهر فى قوله ان إدريس الامير باحث و منقب فى التأريخ و الثراث أكثر من كونه مغنى .
* اشتهر الأمير بأغنية سواكن . و لكنه غنى للقضارف

مدينته الثانية بعد بورسودان التى يقضى بها الصيف . ولديه اغنية لبحرى و أغنية لطوكر . و ورد ذكر عدد من المدن الأخرى في بعض أغنياته… أما اغنيتى المفضلة من بين جميع اغنيات الأمير هى التى مطلعها (سهران بنادى … حبيبى يا نسيت ودادى … وين انت يا نور حياتى) .

عندما سمعتها للمرة الاولى ظننت أنها من أغنيات الحقيبة
* الأمير دائرة معارفه واسعة جدا. الا أن عدد أصدقائه محدود جدا… بحكم قربى الشديد منه و علاقتى القوية به أستطيع القول أن الأستاذ على مختار عمر هو أعز أصدقاء الامير … على مختار اعلامى كانت له بصمات

واضحه من خلال عمله بمجلة الإذاعة والتليفزيون … على مختار أسهم في تقديم العديد من الشعراء الشباب باشرافه على الملف الادبى بالمجلة الأهم في تأريخ الفن السوداني. كما قال الشاعر عبدالوهاب هلاوى وهو يعترف بدور على محتار في مسيرته الشعرية …سيدة الغناء العربى ام كلثوم عندما جاءت الى الخرطوم التقت

بالاستاذ على شمو من الإذاعة و الأستاذ على مختار من الصحافة … لم تجمعني اى جلسة مع الأمير بالأستاذ على مختار . و لكن سيرته على لسان الامير لم تغب عن اى جلسة … الحديث عن اصدقاء الامير لا يمكن ان يتجاوز الزميل الاعلامى طه سعيد عليه رحمة كانت له مكانة لدى الأمير.

* للفنان ادريس عداء شديد لاتحاد الادباء و الفنانين ببورسودان… حاولت و اجتهدت ان أعرف سبب ذلك العداء إلا انى لم أصل لاى نتيجة مقنعة . مع ان علاقته على المستوى الشخصى جيدة و حميمة مع جميع الفنانين ببورسودان . دائما ما يثنى عليهم و يذكرهم بكل

الخير … حدثنى كثيرا عن رحلته الى بربر للمشاركة فى زواج الفنان فاروق محمد صديق … موقف الفنان ادريس الامير من اتحاد الفنانين ببورسودان هو تماما كموقف الصحفى فيصل محمد صالح من اتحاد الصحفيين بالخرطوم …قطيعة تامه .

* عندما جاء الاذاعى الشهير علم الدين حامد الى بورسودان مديرا للاذاعة . زار الأمير بمكتبه و بمنزله …مرت فترة ليست بالقصيرة و الامير لم يذهب الى

الإذاعة. ما جعل الأستاذ علم يحدثنى حول الامر. وقتها كنت مسؤول العلاقات العامة بالإذاعة … عندما قابلت الامير قال ( لن اذهب الى الإذاعة قبل ان اكرم علم الدين بدعوة فى منزلى تليق بمقامة ) و قد كان و بعدها حضر الامير الى الإذاعة.

والى الجزء الثاني:
إدريس الامير … أمير الفنانين البورسودانيين

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى