محمد احمد مبروك يكتب : بس دي ما تبوظوها !!
سطور ملونة
بس دي ما تبوظوها !!
لم يقتصر الخراب على الشوارع تلك البنيات باهظة التكلفة التي شيدت من عرق الشعب ودمه عبر عقود تطاولت من الزمان . ولم يقف التدهور عند الإقتصاد وانهيار العملة وطيران الاسعار إلى عنان السماء ؛ واستعار نار الفقر والمسغبة التي وصلت حد الجوع الشديد في سلة غذاء العالم .
إنما امتد ليشمل للأسف الأخلاق والقيم والإستهانة بدين الله القويم وشرعه الحكيم .
واستطال ليخرب منظومة علاقاتنا الخارجية التي بناها دبلوماسيون عمالقة عبر عشرات السنين ؛ على أسس راسخة من التعامل النظيف ؛ الذي يقوم على عدم التفريط في السيادة الوطنية ؛ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير ؛ وعدم السماح للغير بالتدخل في شؤوننا الداخلية ؛ والتعامل بندية وفقا للمصالح المشتركة .
لكن دبلوماسينا ابدعوا عبر السنين قواعد راسخة في العلاقات ؛ نتج عنها مصطلح الدول الصديقة ومصطلح الدول الشقيقة ؛ لتصنف العلاقات الخارجية الى ثلاث درجات : الأولى علاقات عادية مستوية الأطراف كما هو معهود بين الدول . والثانية علاقات الدول الصديقة وهي أكثر متانة تضاف اليها الصداقة ويكون التعامل فيها واسع الإنفتاح . والثالثة علاقات الدول الشقيقة وهي علاقة فيها مودة وقربى واندماج منشؤه روابط الدم والدين والجوار .
وأصبح راسخا ان هناك ثلاث دول لها علاقة اكثر خصوصية ضمن الدول الشقيقة وهي اثيوبيا ومصر والسعودية .
فأثيوبيا وتشمل شقها الثاني أريتريا تضم شعوبا تشاركنا الارض والطعام والتقاليد والتكوين الثقافى وتداخل القبائل والأعراق . ومهما ساءت العلاقة يلجأون إلى السودان إذا استعرت لديهم حرب أو ضاق بهم العيش . وتربطنا بهم مصالح استراتيجية وشريان حياتنا وحياتهم النيل الأزرق . لذلك فإن الخصومة قصيرة مع أثيوبيا وسرعان ماتعود العلاقات الى ما كانت عليه . وحتى في حالات التوتر بين الحكومتين تكون علاقات الشعوب وحركتهم كما هي . وليس ببعيد لجوء الأثيوبيين إلى السودان عندما تفجرت حروب التيغراي الأخيرة رغم قتال يدور بين الجيشين السوداني والأثيوبي في الفشقة .
ثانيتها مصر التي لا يتصور عاقل أمنا لها ولا أمانا ولا مستقبلا بدون السودان عمقها الأمين ؛ وخزانة الخير التي تضمن لشعبها الكبير النامي توسع المكان في المستقبل ؛ وازدهار الاقتصاد وإمداد القوت وحاجات الناس التي ضاق حبلها على رقاب سكان الكرة الأرضية .
وعندما تتوتر العلاقات بين الحكومتين وتحدث استفزازات المصريين المعتادة تجاه السودانيين ومضايقتهم في المطارات ومنافذ الدخول أو إستفزازهم في الشوارع المصرية سرعان ما تبادر السلطة المصرية إلى وقف هذا تحاشيا لرد الفعل السوداني . وحتى في القضايا الكبيرة مثل قضية حلايب السودانية التي احتلتها مصر وهم يعلمون أن السودان إذا لم يراع مصلحة البلدين في عدم خوض حرب معهم قادر على استرداد أرضه عنوة لكن سيدفع البلدان ثمنا باهظا جدا .
ولعل ما جرى من توتر في الاسابيع الماضية دفع الرئيس المصري للحضور إلى السودان لمعالجة الأمر بشكل مباشر وهو مشهد تكرر من سلفه حسني مبارك وأنور السادات وعبد الناصر ومحمد نجيب .
الثالثة هي المملكة العربية السعودية التي يوجد أمام العلاقة معها خطان أحمران عريضان :
الخط الاول وضعه شعب لا يرى في هذا البلد سوى أنه أرض الحرمين الشريفين . وهي مناط حبهم العميق وشوقهم الدائم لبيت الله الحرام وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم هي البلد الذي هاجر إليه من كل أسرة فرد أو جماعة ولقوا من أهله احتراما وتمييزا على غيرهم من الشعوب ؛ ولهم فيه انجازات وعطاء وصداقات وذكريات يفخرون بها .
الخط الثاني وضعته الدبلوماسية السودانية المحنكة التي صنفت السعودية من أول الأشقاء ونأت بالعلاقة معهم عن الإستقطاب والنزاعات الأخري كبلد جار يرتبط معنا بالشراكة في أمننا وأمنهم القومي وبالمصالح الإقتصادية وروابط الدين والعروبة والمصير . بل سعت الدبلوماسية السودانية الى مساندة السعودية في المواقف الدولية والمحكات المفصلية . وظلت تلتزم الصمت عند تباين وجهات النظر مع السعودية .
وحتى عندما انفرط عقد الدولة السودانية في السنتين الأخيرتين ظل السودان حريصا على استمرار مساندة السعودية وظلت السعودية داعما أساسيا للسودان وظلت تعاملات سفارتها في السودان ملتزمة بأعراف الدبلوماسية النظيفة ودخول البيوت من أبوابها بالتعامل عبر وزارة الخارجية وأجهزة الدولة الرسمية .
بالله عليكم لا تدمروا علاقاتنا مع أثيوبيا ومصر والسعودية وراعوا خصوصية هذه الدول لأنها علاقات لم تبن بسهولة واتبعوا منهج دبلوماسيتنا العظيم فيها الذي يعالج الامور معها بحكمة وهدوء وصراحة ويعيد الأمور إلى نصابها بدون ضجيج
.
محمد أحمد مبروك