يوسف عمارة أبوسن يكتب :الفيدرالية ضمان للوحدة لا تهديد لها

يوسف عمارة أبوسن يكتب :الفيدرالية ضمان للوحدة لا تهديد لها
يمثل الاحتكار المركزي للسلطة والثروة سببًا جوهريًا لتردي الأوضاع في السودان ومعاناة أبنائه. فقد حكمت البلاد نخب مركزية معزولة عن نبض الشعب، أقصت عمدًا التنوع الثقافي والجغرافي الذي يشكل نسيج الأمة، وقاومت بشراسة أي محاولة لمشاركة ديمقراطية حقيقية أو تمكين للأقاليم، محافظة بذلك على امتيازاتها عبر نظام مركزي خانق.
أدت هذه المركزية المفرطة إلى تهميش أصوات وتطلعات أهل الأقاليم في صنع القرارات المصيرية، وعجزت عن تحقيق التنمية المتوازنة المنشودة، ما تسبب في تفشي الفقر والإهمال في الأطراف، وتغذية مشاعر الإقصاء، وفتح باب النزاعات التي استنزفت البلاد وأضعفت وحدتها الوطنية.
من هذا المنطلق، فإن الجهوية والمناطقية – أو بالأحرى النظام الفيدرالي – ليست سُبة يتنابذ بها السياسيون، بل حتمية دستورية تقتضيها طبيعة السودان المتنوعة وتضاريسه السياسية والاجتماعية. إنها السبيل الوحيد لتحقيق العدالة، من خلال الاعتراف الحقيقي بالتنوع، ومنح الأقاليم سلطة فعلية لإدارة شؤونها، وتمكين أصحاب المصلحة من أبناء الأقاليم ليكونوا في قلب القرارات التي تحدد مستقبلهم.
هذا التوجه هو الطريق نحو ديمقراطية حقيقية تستمد شرعيتها من القواعد الشعبية، وطريق نحو وحدة وطنية تقوم على التمثيل العادل والمشاركة الفاعلة، لا على الإكراه المركزي، لأن الشعور بالإنصاف يعزز الانتماء الوطني.
مقاومة المجموعات المركزية للمناطقية ليست سوى دفاع يائس عن امتيازات وسيطرة موروثة، واتهام الداعين للفيدرالية بالانفصالية أو بتهديد الوحدة الوطنية ما هو إلا ترهيب هدفه الحفاظ على وضع فاشل. فالمناطقية ليست تفتيتًا، بل هي الضامن الأهم لوحدة حقيقية وعميقة، قائمة على العدل والمشاركة.
إن تبني نظام فيدرالي حقيقي يعكس تنوع السودان، ويمنح أقاليمه سلطات دستورية فعلية، بات ضرورة قصوى لبناء سودان مستقر، آمن، عادل، وديمقراطي، يستمد قوته من جذوره المتنوعة، ويستجيب لتطلعات جميع أبنائه.
إنها الخطوة الحاسمة نحو دولة قوية موحدة، تُكتب تاريخها بمداد المشاركة والعدل.