يوسف عبد المنان يكتب: خارج النص: متى تقاطعون العرب؟

يوسف عبد المنان يكتب: خارج النص: متى تقاطعون العرب؟
يُقتل الشعب السوداني بسلاح العرب، وتُدمّر بنيته التحتية بمال العرب، ويُسحَل الأحرار الفقراء بأيدي العرب. وحتى السجناء، كما حدث في الأبيض، تُحصد أرواحهم بصواريخ العرب، وتهتك قنابلهم مستودعات الوقود. سلاح عربي ومال عربي يُجهز اليوم على إرث السودان وحضارته.
نحن أمام غزّةٍ أخرى، وقطاع جديد من الموت… الموت بسلاح العرب ومال العرب. مؤامرة عربية نُسجت خيوطها في أبوظبي والرياض، وسكتت عنها القاهرة وبغداد الجريحة، ودعمتها المنامة، وكل أعضاء ما يُسمى بجامعة الدول العربية. لقد ولغوا جميعًا في الدم السوداني، وهم شركاء في الحرب، بالصمت والتجاهل. هناك دولٌ تم شراء صمتها بالمال العربي، وأخرى تم شراء أرضها. حكّام أبوظبي سخّروا المال الذي لا ينفد من مصارفهم لشراء السلاح الصيني والبلغاري والأمريكي، وفتحوا الأسواق لاستقدام المرتزقة من الرقيق البيض والسود، لقتال الشعب السوداني.
المال العربي هو من يشتري عصابات المخدرات والمجرمين من توغو والنيجر وعرب الشتات، من بقايا لجان ثورية العرب. وجاء المال العربي بمرتزقة بدون هوية، وبدون وطن، وبدون أصل، وبدون عقيدة، وبدون أخلاق، لقتال الشعب السوداني، وسرقة مدخراته، ونهب معامل المستشفيات. والآن، يريدون قطع أنفاس الشعب، ولو عُرض الأكسجين في سوق النخاسة لاشتراه العرب لقتله.
ربما يتم الآن تجريب أسلحة نووية في الشعب السوداني. لقد انتشرت الأمراض، ومن لم يمت بالصواريخ العربية مات بالمرض والجوع. ونحن، من فرط سذاجتنا، نغنّي لأمة عربية، ولمجد العرب!
ومن خيبة ساستنا وسوء تقديرهم، أن نتمسك بالبقاء في حظيرة “الحيوان العربي”، ولا يجتمع مجلس السيادة ليقرر، في خمس دقائق فقط، الانسحاب السياسي من “جامعة الدول العربية”، ذلك الكيان الميت الذي لا يمثل إلا أمة ماتت منذ زمن، وما تبقى منها سوى أشباح وصور.
ما جدوى الانتماء للدول العربية اليوم؟ إذا كانت طغمة فاسدة في أبوظبي تمارس القتل في السودان، ويضحك علينا العرب ببيانات تعكس تفاهة هذا الزمان؟
القرار المنتظر من قيادتنا العسكرية والسياسية هو: الانسحاب الفوري من جامعة الدول العربية. لقد دفع السودان ثمناً باهظًا لهذا الانتماء، فقط لأن قادته أصرّوا على توصيفه كدولة عربية، بينما العرب له كارهون. فقيمة الإنسان العربي عند العرب لا تُقاس بالأخلاق أو القيم، بل بما يملك من مال. وأغلب الدول العربية الفقيرة، كالصومال وموريتانيا واليمن، تُحتقر ويُنظر إليها بازدراء.
حتى مصر، التي تمثل ثقلاً تاريخياً وقيمة حضارية، تتعرض لتنمّر مشيخات الخليج.
إن حرب السودان الحالية ليست حرب آل دقلو، ولا صراع هامش ومركز، بل هي حرب العرب على الشعب السوداني. وعلى الفريق البرهان أن يتخذ قراراً فورياً بإعادة الجنود السودانيين من السعودية واليمن، بعد أن أخطأ الرئيس المخلوع عمر البشير بسماحه لقوات الدعم السريع ببناء علاقة مباشرة مع العرب، والقتال نيابة عنهم، تحت ذريعة الدفاع عن الحرمين الشريفين، واستعادة ما يُسمى بالشرعية.
وأي شرعية تلك، غير شرعية الشعب اليمني التي يُمثلها عبد الملك الحوثي، العربي الأصيل أكثر من كل مشايخ الخليج؟
فلماذا تبقى قواتنا المسلحة تقاتل هناك؟ إعادة تلك القوات اليوم هو استعادة لكرامة السودان وثقة الشعب بنفسه. فليمت جنودنا على أرضهم بسلاح العرب، لا في صحاري اليمن دفاعاً عن عروش الملوك والشيوخ!
الانسحاب من جامعة الدول العربية اليوم، قبل الغد، هو خيار هذا الشعب الذي يموت كما مات الشعب الفلسطيني، ولن يستسلم لمؤامرة عربية تمتد من أبوظبي إلى طنجة.
ومن حق الشعب السوداني أن يتحالف مع كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا… فليس بعد الموت إلا الموت.