يوسف عبد المنان يكتب:..خارج النص..المسيرية في الميدان

يوسف عبد المنان يكتب:..خارج النص..المسيرية في الميدان
قد يبدو العنوان غريباً، لكنه حقيقة تجسدت في أرض المعركة بكازقيل يوم أمس السبت، حينما صدّت قواتنا الباسلة أكبر حشد للمليشيا قادم من ثلاث ولايات: جنوب كردفان، غرب كردفان، وشرق دارفور.
ذلك الحشد كان ثمرة أموال بعدد الحصى، دفعت للإدارة الأهلية، والمقاولين، وسماسرة الحروب، ونافخي نيران الفتنة، والحكّامات، والفدّاديات، وكل من أُهل لغير الله به. جُمعت الآلاف من الشباب، ودُفعوا لخوض معركة قيل لهم فيها: “ادخلوا الأبيض، واغتنموا السيارات الفارهة، والنساء الجميلات، والبنوك التي تفيض بالمال”. كما أُغري بعضهم بأن في كازقيل وجبل الهشاب قلة من “الجلابة” يمكن أخذ ثأر مقتل ماكن الصادق منهم، وأن الطريق سيفتح أمامهم لرئاسة الفرقة.
تولّى حشد هؤلاء المقاتلين المتمرّد غرب النوير، ومعه خادمه المطيع ناظر الحوازمة الهادي أسوسة، والعمدة الدكتور شايب موسى – أستاذ بجامعة الدلنج الذي ما زال يصرف راتبه بانتظام شأنه شأن بقية أساتذة الجامعة المنتمين للجنجويد. وفي ديار المسيرية نشط الأمير إسماعيل الموتر عضو المجلس الوطني، ومعه العمدة عمر شرفي. هؤلاء هم تجار الحرب.
ومن دار الرزيقات جاءت أعداد ضخمة، تمني النفوس بدخول الأبيض. وقال العمدة مالك دراس في حشد للمليشيا بالدبيبات أمس: “لن نرضى بثار ماكن الصادق إلا بقطع رأس شمس الدين كباشي“. هكذا يحلم قادة الجنجويد، فيرمون البسطاء في فكي أسد مفترس.
تقاطرت فلول المليشيا من وادي أبو حبل، والدبيبات – التي هرب أهلها وتركوا ديارهم فريسة للمحتلين الجدد – كما شهدت مناطق الحمادي ووادي شوشاي صباح أمس تجمعات كبيرة. وكان الجيش في كازقيل يسمع ويرى. وما إن أشرقت الشمس، حتى واجه الرجال المليشيا بثبات ورجولة، وامتطى فرسان المسيرية صهوات الجياد.
التحق بالمتحرك نحو أربعمائة من أبناء المسيرية – تلك القبيلة التي طالها الافتراء – بعضهم انضم للجيش، وآخرون تطوعوا للقتال من أجل تحرير الأرض والقضاء على مليشيا حسين برشم. وكان قتال المسيرية بالأمس إضافة ذات بعد قومي كبير، داحضاً فرية “جيش الجلابة والنوبة والزغاوة” التي يرددها الأوباش في منابرهم.
أبناء المسيرية المقاتلون هم فرسان معارك الجنوب، وإخوان جودات وحسن درموت. وهم ثمرة تنسيقية المسيرية بقيادة الفارس عبدالله فضل الله “أبو أيمن” – القيادي الكبير في العدل والمساواة – ومعه نائبه البله جودة، وأحمد جميل الله، وقاسم حلاوة، وآخرون لا يعرفهم الرأي العام.
انتهت المعركة الأولى بانكسار المليشيا عند الضحى، فهرب الرجال أمام الرجال. أعادت المليشيا الانتحار عصراً، لكن كازقيل كانت موعودة بنصر عزيز لقواتنا التي تمثل قومية كل السودان، في مواجهة آل دقلو الذين يقاتلون بمال الإمارات، بينما يقاتل فرساننا من أجل الدين والوطن وقيمة التراب واستقلال وحرية الإنسان.
قبل مغيب الشمس، كانت انتصارات كازقيل فجرًا جديدًا وفتحًا مبينًا. فقد هلك في معركة الأمس المئات، ودُمّرت عشرات العربات. وطارد فرسان الجيش والقوات المشتركة فلول آل دقلو، لكن الأقدام كانت أسرع من العربات، فهرول الأشاوس حفاة، وبعضهم عراة، من الموت الذي حصد المئات.
أصبحت كازقيل هي “المدرعات الجديدة”، وكل ذلك والجيش لم يستخدم نصف قوته بعد. قوة لم يسمع بها الجنجويد إلا حينما تصل طلائع الفرسان إلى الدبيبات والحمادي، وما ذلك على الله ببعيد.