مقالات

يوسف عبد المنان يكتب: ..خارج النص..الفاشر والفاشر

يوسف عبد المنان يكتب: ..خارج النص..الفاشر والفاشر

 

 

هل ننتظر حتى تسقط الفاشر ونبكي كما تبكي المرضعات على الفطيم؟
هل نفرح المليشيا وأتباعها وهم ينثرون فوق رؤوسنا شلالات الفرح بالقضاء على مدينة صمدت كما لم تصمد بغداد في وجه العاصفة الأمريكية؟

لقد استبسلت الفاشر كما استبسل أهل غزة والضفة، وصمد رجالها ونساؤها في وجه آلة الموت المدعومة من كل حدب وصوب؛ دعماً لوجستياً من تحتها ومن فوقها، ومرتزقة قدموا من كولومبيا حتى الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا. بينما نحن هنا، حكومةً وشعباً، نكتفي بالفرجة ونمني النفس بانتصار لم نُعِد له عدته.

أهل الفاشر، رجالاً ونساءً، يقاومون الموت والجوع والحصار اللئيم، فيما تغيب الإرادة لإنقاذ ما يقارب نصف مليون إنسان احتموا بالمدينة من بطش المليشيا. والربيع نفسه يبشر ـ علناً ـ بإبادة شعب الفاشر، ويعلن ذلك في وسائل الإعلام، بينما المحكمة الجنائية لا تسمع ولا ترى، وكأن الدعوة للإبادة ليست جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني الذي يبدو وكأنه في إجازة طويلة وصمت مريب عمّا يجري في دارفور.

فماذا ينتظر الشعب السوداني، والفاشر تغرق في الدم؟
ولو زحف شباب السودان سيراً على الأقدام لبلغ طوفانهم وادي “سيلي” شرق الفاشر حيث يعسكر الغزاة، كما كان الحال قبيل سقوط السلطان علي دينار. ولكن أين هي إرادة الشعب؟ وأين إرادة الحكومة، بكل فصائل جيشها المشتركة والبراؤون و”الكيكلاب” وغيرهم من رجال بعدد الحصى، قادرين بهبة واحدة وعبر عشرين محوراً على إنقاذ الفاشر؟

لو خلع جبريل إبراهيم قفطان الوزير، وتجرّد البرهان من نياشينه، وارتدى “فنلته” البسيطة (لا تلك التي تشبه قميص ميسي الذي خدع به البشير بعض البلهاء)، لو فعل ذلك، وقاد بنفسه كتائب التحرير وفيلق الانتصار على المليشيا، لما رهبت المقاتلين سيارات مدرعة ولا مسيّرات استراتيجية أو انتحارية.

يحدثنا التاريخ: في منتصف التسعينيات، حين فرضت الحركة الشعبية حصاراً على مناطق صغيرة لا تقارن بالفاشر، تقطعت الطرق بسيلان الأودية، وتعذرت إغاثة النقاط العسكرية، فهب شباب كادقلي والأبيض بقيادة الراحل حافظ سوار، وأحمد هارون، والراحل الزبير كرشوم، ومحمد أبكر (الذي ألقى اليوم تاريخه في مزبلة المليشيا).
هب الرجال، وحُسم القرار: إنقاذ الجنود في دلوكة وطروجي وشات الدمام وشات الصفيا والمساكين الطوال والريكة. حمل بعضهم الدقيق والفترية على الأكتاف، وحمل آخرون البنادق والمدافع. وساروا على أقدامهم تحت المطر والوحل والبعوض والنحل ورصاص التمرد، حتى بلغت القوافل الراجلة مقاصدها، وتم إنقاذ تلك النقاط.

تلك كانت مجرد مواقع صغيرة لا يشكل سقوطها تهديداً للأمن القومي مثل الفاشر، لكن كانت هناك إرادة، وجذوة قتال، وروح تضحية، وتعبئة سياسية.
فماذا أصابنا اليوم؟ لماذا ننكفئ على الهواتف ونقرأ فقط تكبيرات وأخبار د. مزمل أبو القاسم، وهو يعدّ انتصارات الفاشر حتى بلغت الانتصار الخامس والثلاثين بعد المائتين؟

فلنجعل من الانتصار القادم دخول قواتنا الباسلة من كل اتجاه لتحرير الفاشر، وطرد المليشيا، ثم الاتجاه غرباً لجبال “سيي”، وجنوباً نحو نيالا وقوز زريقة، والجنوب الغربي إلى طويلة وركرو وسرونقو وهبيلا وكرينك ونيالا البحير. ولتكن احتفالية بتحرير دارفور، مهما عظمت التضحيات وتساقط الشهداء، فالأيدي القوية لا ترتعش أمام الأجنبي ومغتصب الأرض وقاتل الأحرار.

لقد حسم أبناء جبال النوبة قرارهم، وغداً ستشرق الشمس من الدلنج وكادقلي وتندية والكرقل وكيقا تميرو. لكن أمر الفاشر لا يزال بعيداً، والجيوش بعدد الحصى، والسلاح بوفرة، ومع ذلك لم تسقط الفاشر منذ عام واحد؛ لأن العزيمة والإرادة لا تُهزمان.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى