مقالات

يوسف عبدالمنان يكتب:.. حديث السبت..تدهور الأوضاع في كادقلي والدلنج وسط تجاهل حكومي

يوسف عبدالمنان يكتب:.. حديث السبت..تدهور الأوضاع في كادقلي والدلنج وسط تجاهل حكومي

 

 

*الفريق إبراهيم جابر والمهمة المستحيلة لإعمار الخرطوم*

*’الأمن والخدمات ومصاعب أخرى في مواجهة الجنرال*

*عودة الصلاة لمسجد الخرطوم العتيق*

(١)

القرار الذي أصدره رئيس مجلس السيادة يوم الأربعاء بتكوين لجنة برئاسة الجنرال إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة والمشرف السابق على القطاع الاقتصادي، لإعادة تأهيل ولاية الخرطوم حتى تعود العاصمة من وضعها الحالي إلى ما كانت عليه – ولو جزئيًا – يعد من حيث الدستور الانتقالي من صلاحيات رئيس الوزراء، الذي يُفترض أن يكون الرجل الثاني في الدولة والتنفيذي الأول.

لكن في السودان، لا يأبه الحكّام كثيرًا لدستورية قراراتهم في ظل غياب المؤسسات التشريعية والرقابية، وغياب المحكمة الدستورية. وبذلك، يصبح أعضاء مجلس السيادة أعلى سلطة من رئيس الوزراء.

وسبق أن شكّلت حكومة حمدوك لجنة اقتصادية برئاسة الخبير الاقتصادي محمد حمدان دقلو، وأصبح حمدوك نائبًا له. وبالعودة إلى قرار البرهان، فإن تجاوزه لمسألة الدستورية ــ إذا قبل بها رئيس الوزراء ــ لا يُغير في الأمر شيئًا، إذ جاء القرار متأخرًا بعض الشيء، حيث تحررت الخرطوم منذ شهرين، حينما غادر أو اختفى آخر جنجويدي مسلح علنًا، بينما بقيت “جنحويدات” أخرى: جنجويد الخدمة المدنية، وجنجويد الرأسمالية، وجنجويد الأحياء، وجنجويد “تسعة طويلة”.

منذ ذلك الحين، تعثّرت عودة الملايين من سكان الخرطوم، سواء اللاجئين في دول الجوار، أو النازحين في مدن الشمال والشرق، إمّا بسبب نقص الخدمات كالكهرباء والمياه، أو بسبب الأوضاع الأمنية الهشة.

أما سكان ولاية الجزيرة، فقد عاد منهم ما يقدَّر بنسبة 60% على الأقل، حسب تقديرات سلطاتها المحلية، بفضل وجود والي يمتلك كاريزما القيادة، وروحًا شابة، وزهدًا في السلطة ونعيمها. فالوالي الطاهر الخير لم يخلع “الكاكي” منذ تعيينه حتى الآن. لكن، آن الأوان لخلع الرداء العسكري والانتقال لمرحلة مدنية.

أما ولاية الخرطوم، فقد استُنزفت طاقة واليها أحمد عثمان حمزة، الذي يعمل وحيدًا، وقد أنهكته سنوات الحرب، بينما الحكومة المركزية رفعت يدها عن دعمه، ليبدو حائرًا أمام دمار يتجاوز إمكانيات السودان كلها.

الجنرال إبراهيم جابر له تجربة في القطاع الاقتصادي، وهي تجربة يختلف الناس حولها، لكنها في كل الأحوال كانت صعبة. فقد استطاع القطاع الاقتصادي المحافظة على سعر الصرف، ولم تشهد معدلات التضخم قفزات كبيرة رغم الحرب، ولم تتوقف الحياة كما كان متوقعًا.
لكن آثار الحرب بدأت الآن في الظهور بوضوح: جحيم يومي يعيشه المواطن، تفشٍ في البطالة، تراجع في الإنتاج الزراعي، وخروج البترول من دائرة الإنتاج.

وقد صدرت الأسبوع الماضي توجيهات مباشرة من قائد ثاني قوات الدعم السريع في مناطق إنتاج البترول بتفكيك الحقول وتدميرها، وبدأ التنفيذ فعليًا في غرب كردفان.
كما خرج إقليما كردفان ودارفور تمامًا من دائرة الإنتاج الزراعي والرعوي، وحتى “التمباك” توقّف إنتاجه من مزارع طويلة، وركرو، وجنوب غرب الفاشر، ما يضع الجنرال إبراهيم جابر في مأزق حقيقي بشأن الموارد المالية المطلوبة لإعادة تأهيل الخرطوم.

 

(٢)

تواجه لجنة الجنرال إبراهيم جابر، التي لا صلة لرئيس الوزراء بها سوى بعضويته، إشكالًا سياسيًا، فهي بمثابة “حاكورة” داخل مشروع رئيس الوزراء كامل إدريس، الذي لا يملك سلطة محاسبة أعضائها أو رئيسها.

اللجنة تضم أغلب وزراء القطاع الاقتصادي، لكن بعيدًا عن مرجعية القرار، فإن اللجنة تواجه تحديات جسيمة. أولها مشكلة الأمن في مدينة بحجم دولة، خرجت لتوّها من الحرب، وتعيش داخلها عصابات النهب المسلح.

وقد اتخذت لجنة أمن الخرطوم قرارًا بسحب ارتكازات القوات المسلحة، وترك الأمر للشرطة، وهي مهمة أصيلة للأخيرة، التي تؤدي واجبها الآن بإمكانات محدودة لكنها بكفاءة نسبية.
مع ذلك، تواجه الشرطة تحديًا كبيرًا من حاملي السلاح غير النظاميين: مليشيات تدّعي دعم القوات المسلحة، وعصابات ترتدي الملابس المدنية وتمتشق أسلحة أوتوماتيكية حديثة، بجانب “تسعة طويلة” التي تعيث في الأرض فسادًا.

الأسبوع الماضي، افتتح والي الخرطوم شارع “الحرية”، وسط فرح شعبي، لكن سرعان ما اقتحمت عصابات سرقة المحلات، وسرقت ألواح الطاقة الشمسية ليلًا.
فهل الحادث عرضي؟ أم أن هناك عصابات ذات أبعاد سياسية تسعى لعرقلة الاستقرار؟

المعضلة الأكبر التي تواجه اللجنة تكمن في الانهيار الحاد لخدمات الكهرباء، بسبب التخريب الذي طال محطات التوليد في بري وبحري، والنقص في الإمداد من سد مروي، والمشاكل الأخرى في شبكات التوزيع، التي ما تزال تُستهدف عبر مسيرات استراتيجية تصل حتى للمناطق المحصنة.

أما نقص المياه، فيفاقم من معاناة الناس.
وقد تحدّث والي الخرطوم خلال افتتاحه مسجد الخرطوم الكبير – الذي ارتفع فيه الأذان لأول مرة منذ عامين – عن مشكلة المياه بصراحة، وقال إنهم أوقفوا تشغيل محطة المقرن الجديدة بعد يوم واحد فقط من افتتاحها، بسبب تدفق المياه إلى منازل مهجورة ومؤسسات مغلقة، ما يهدد بانهيارات.

وتساءل الوالي: هل على الناس العودة أولًا، أم نوفر لهم الخدمات ثم يعودون؟
ثم أجاب: “يجب أن نمضي في الاتجاهين معًا”.

وأشار إلى اقتراب عودة الكهرباء تدريجيًا، مع افتتاح مسجد فاروق ومساجد أخرى، داعيًا الأئمة والمؤذنين لرفع الأذان في كل الصلوات، سواء كان في المسجد مصلٍّ أو لا.

(٣)

في المقابل، تتدهور الأوضاع في كادقلي والدلنج بوتيرة متسارعة، وسط تجاهل حكومي مريب. فقد أصبحت الحياة في المدينتين شبه مستحيلة، وتعالت أصوات أبناء جبال النوبة تنديدًا بهذا الإهمال، بينما تُرك الأمر بكامله على كاهل الفريق شمس الدين كباشي، الذي لا يملك السلطة الكافية لتحريك القوات المسلحة لتحرير الطرق وتأمين الإقليم.

بدأت الأمطار في الهطول بغزارة، والمليشيات الجنجويدية تستبيح القرى، تقتل وتنهب، بل لم يسلم حتى من بايعها.
ففي حادثة مؤلمة، اعتُدي على العمدة سعد عبد الله إدريس – الذي كان يركع لعبد الرحيم دقلو في نيالا – حيث نهبت قريته (الشقة أولاد داوود)، وأُخذ أقرباؤه رهائن، وصودرت ثلاث عشرة دراجة نارية، وتم اختطافه، قبل أن يتدخل أحد العمد الجنجويد لإطلاق سراحه.

في الدلنج، ارتفع سعر “ملوة البصل” إلى 80 ألف جنيه، بينما سعر جوال البصل في أم درمان 70 ألفًا فقط، في بلد واحد وشعب واحد، يُفترض أن تكون حقوقهم متساوية!
“ملوة الفتريته” وصلت إلى أكثر من 20 ألف جنيه، والأدوية اختفت من الصيدليات.

بات الأمل الوحيد في أن يقود “الصياد” حملة عسكرية جديدة لتحرير “الدبيبات” وفتح طريق الأبيض – الدلنج عنوةً، لإنقاذ الشعب من الموت جوعًا.

الحكومة في بورتسودان، بكل أسف، لا تشعر بمسؤوليتها تجاه كردفان ودارفور، بعد تحرير الجزيرة والخرطوم.
لم تجد العمليات في كردفان الاهتمام السياسي الكافي، ولا المتابعة اليومية من أعضاء مجلس السيادة، ولا حتى التغطية الإعلامية المتحمسة.

هذا الواقع دفع أبناء جنوب كردفان لتكثيف اتصالاتهم بقادة القوات المسلحة والقوات المشتركة لإنقاذ جبال النوبة، بعد أن فقدوا الأمل في حكومة تسير بسرعة سلحفائية.

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى