السودان

يس علي يس يكتب: رسوم خيالية … وصمت الوزارة

يس علي يس يكتب

رسوم خيالية.. وصمت الوزارة
المدارس الخاصة زادت فرص النجاح للأثرياء.. ونسفت مبدأ العدالة الذي نادت به ثورة ديسمبر المجيدة
هنالك مدارس تحولت إلى سكن شعبي في عهد الإنقاذ ولم تحرك الوزارة ساكناً حتى الآن لإزالة المخالفات

ولا ينقص المواطن السوداني إلا أن تكون بداية المدارس على بعد أيام قليلة من العام الدراسي الجديد، والأرقام الخيالية دفعت الكثيرين إلى التفكير الجاد في الهجرة خارج السودان بحثاً عن مناخ جديد وتعليم أفضل وبيئات مدرسية جديدة لأبنائهم، في ظل الرسوم الخيالية المفروضة من جانب أصحاب المدارس الخاصة، الذين برعوا في استقطاب نسب التحصيل الكبيرة، من ذوي القدرة على الدفع، وكأن الفقراء محرم عليهم الطموح والتفكير في بناء مستقبلهم بصورة أفضل.
فرض سيطرة المدارس الخاصة كانت سياسة مقصودة من النظام السابق لتصبح مصادر دخل لمنسوبيها الذين وجدوا فيها استثماراً سهلاً ومضموناً، وتصادف ذلك مع حرب شرسة على كثير من المدارس الحكومية والنموذجية وتجفيفها وتحويل مقارها إما إلى مكاتب أمن أو مكاتب تحصيل حكومية، ولم تستهدف تلك الخطة إلا المدارس الناجحة والمعلمين المميزين الذين تم إقصاؤهم من المشهد بفرية الصالح العام تارة والمعاش الإجباري في كثير من المواقف ، وهو ما أجبر الكثير من المعلمين المميزين على ترك المهنة، أو الهجرة في أرض الله الواسعة، ليكون نتاج ذلك تردي المناهج والتعليم معاً خلال فترة الـ30 عاماً من عمر الإنقاذ.
بيئة غير مناسبة
الملاحظ أن كثير من المدارس الخاصة إن لم يكن معظمها تقوم في بيئة غير مناسبة للتدريس، إذا تكتفي معظم المدارس بطابق أو طالقين دون أن يكون هنالك متنفس للتلاميذ أو الطلاب كما في المدارس الحكومية المخططة والتي تحظى بالمساحات والميادين داخلها إلى جانب التشجير، ولأن المناشط الأخرى صارت من الماضي، سواء على مستوى الرياضة أو الموسيقى أو المكتبة، فإن المدارس الخاصة الجديدة لم تكلف نفسها حتى عبء توفير معمل كمبيوتر لتدريس علومه الموجودة في منهج كتاب نظري، يحفظه التلميذ والطالب دون حتى أن يدري كيفية التعامل مع الكمبيوتر نفسه، وهذا بالتأكيد يلقي باللوم على وزارة التربية والتعليم التي تمنح تصاديق قيام المدارس الخاصة دون تنفيذ الشروط اللازمة لقيام المدارس، أو كأنها تمنح التصاديق دون الوقوف على الطبيعة لتقييم صلاحية المباني والبيئة المدرسية.
مدارس .. مساكن
بعض المدارس الخاصة تحولت إلى مساكن لأصحابها، واستغل أصحاب المدارس صمت الوزارة وتغاضيها عما يدور ليحولوا مدارسهم إلى سكن شعبي، ولعل الشواهد كثيرة لو كانت وزارة التربية والتعليم حريصة على مؤسساتها ومراقبتها بالسكل الذي يحفظ للطالب بيئته المثالية للتعليم، فهنالك أكثر من مدرسة في ولاية الخرطوم سكنت فيها أكثر من خمس أسر بكامل عدتها وعتادها دون أن يحرك ذلك ساكن وزارة التربية والتعليم، ولعل ارتباط أصحاب المدارس تلك بالنظام البائد والمؤتمر الوطني وقياداته منحهم حق البناء والسكن آمنين من السؤال من جانب الوزارة، ولكن وبعد الثورة فإن الكثير من المفاهيم كان يجب لها أن تتغير وتصحح الوضع المائل، وذلك بمراجعة كل تلك المدارس ميدانياً والوقوف على وضعيتها وصلاحيتها للاستمرار أو نزعها وتحويلها إلى مدارس حكومية تستوعب الأحياء المجاورة وترفع عن كاهل أولياء الأمور الكثير من الأعباء..!!
رسوم خيالية
لا يكفي أولياء الأمور والتلاميذ والطلاب صبرهم وجهدهم ومثابرتهم للحصول على درجة كبيرة في امتحانات النقل من مرحلة لمرحلة، فالطريق ما زال طويلاً في طرق أبواب المدارس الخاصة التي تفرض درجة كبيرة للقبول قد تقل عن المجموع الكامل بعشر أو خمس عشرة درجة فقط، بل يذهب أصحاب المدارس الخاصة إلى فرض رسوم كبيرة تتجاوز في متوسطها مبلغ الـ400 ألف جنيه بالجديد “400 مليون بالقديم، كان هذا حديث أحد أؤلياء الأمور الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وهو يسمع أرقام التسجيل للمدارس الخاصة ثم يعقب بالقول:” أنا ما بجيب سيرة المدارس الدولارية”، في إشارة إلى المدارس التي تتحصل رسومها بالدولار، ووجه أولياء الأمور صوت لوم لوزارة التربية والتعليم التي تركت الحبل على الغارب للمدارس الخاصة لتفرض رسومها بما شاءت وكيف شاءت، وكأنها تدعم هذا الاتجاه وتمنح الرأسمالية الجديدة فرصة للاغتناء على حساب المواطن والتعليم.
وما أدراك ما الترحيل
استلام إيصال سداد القسط الأول العالي من الرسوم الدراسية لا يعني نهاية المطاف بالنسبة لأولياء الأمور، فهنالك الكثير من الالتزامات الأخرى التي يجد نفسه محاصراً بها من كل الاتجاهات وعلى رأس القائمة مسألة الترحيل، وذلك لبعد المدارس الخاصة الجغرافي عن مناطق سكن التلاميذ، فالمدارس الخاصة ميالة دائماً لوجودها في الأحياء الراقية لذلك في الخرطوم تجدها متمركزة في الجهة الشرقية من العاصمة حيث الأحياء الراقية، وتقل كلما اتجهت غرباً أو جنوباً، فاختيار الموقع بات يممثل نوعاً من “البرستيج” لخلق حالة من الانبهار لدى أولياء الأمور، لذلك فإن المدارس جغرافياً تكون بعيدة ما يتطلب ترحيلاً يتراوح ما بين 15 إلى 30 ألف في الشهر للطالب الواحد، وهي حسبة تبدو شبه مستحيلة لمحدودي الدخل، والتي خلقت فجوة كبيرة بين الرأسمالية والمواطن العادي ومنحت فرص التعليم والنجاح بصورة أكبر للمستطيعين، وهو ما ينسف مبدأ العدالة الذي قامت عليه ثورة ديسمبر المجيدة، فهل يحرك ذلك ساكن وزارة التربية والتعليم لمراجعة هذا الوضع المختل..؟؟

محمد الكناني

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى