يس ابراھيم الترابي يكتب:ديوان(شراب الوصل) سفر تربوي
سعدت كثيرا بإنزال بعض خواطري وانطباعاتي عن الطريقة البرهانية التي وقفت على برامجها وتأثيرها لأول مرة في حياتي بمدينة عطبرة حيث كنت قريبا من زاوية الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية ، فكان
أن نعمت بمعلومات عنها من الشيخ الوقور محمد الحسن الشهير بود الفكي المرشد العام للطريقة البرهانية على مستوى العالم،وقد نثرتها من قبل عبر مقال سابق وجد صدى طيب بينهم مما جعل علاقتي به تزداد توثقا.
ومما ذكره لي أن الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني له مؤلفات من ضمنها ديوان (شراب الوصل ) الذي يعتمدون عليه كثيرا في مدحهم وإنشادهم بطريقة خاصة بهم تختلف عن بقية تعاطي المديح في بقية الطرق الصوفية الأخرى ونلحظ أنهم يتأثرون بها كثيرا أثناء إلقائها وهم في ذكر متواصل بكلمة التوحيد(لا إله إلا الله) ، وهو ما يتسبب في تربيتهم عليها وتزكية نفوسهم وفقها ، فهل من نعمة أفضل من ذلك؟
وهذا الديوان الذي وقفت عليه يحتوي على العديد من القصائد ذات المناقب التربوية القائمة ذكر الله وأفضل ذكره تلاوة القرآن الكريم كما اقتبست بعض القصائد منه وكذا محبة النبي صلى الله عليه وسلم
وغيرها من الإرشادات والتوجيهات التي تصب في جوانب التربية والتزكية والتأسي بالصالحين والاقتداء بسيرتهم ونهجهم الذي كانوا عليه وأحيطوا بسببه من الجموع رجالا ونساءا صغارا وكبارا.
وقد بدأ الديوان بمعرفة نسل وأصل الشيخ
محمد(الخليفة الحالي) بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني الذي ينتهي نسبهم إلى سيدنا الحسين بن السيدة فاطمة الزهراء ابنة رسول البشرية عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فلا غرو من هذا العلم والصلاح والحب والشعر بالكلام الديني الخلقي التربوي المؤثر الذي تدافع حوله الجميع لتربية نفوسهم وتزكيتها على ضوئه وهداه.
ونما إلى علمي أن هذا الديوان قد عُرض على المرحوم البروفيسور عبدالله الطيب فقال: إن العقول الموجودة حاليا يصعب عليها فهم معاني كلمات هذا الديوان لأن هذا علم يشبه كلام سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه فما فوق، فهو علم لدني و برزخي ، فالشيخ بجسده مغيب وبروحه حاضرا بهذه الكلمات وفي هذا المنحى
قال:
*ما غبت عنكم قط*
*وعاريتي ردت إلى رب البرية*
وقوله:
*كل ذكي دقّ أو رقّ فهمه*
*لدى كلاماتي صار في الجهل مثبت*
وقوله:
*علم وليّ ملجأ في الشدائد*
*وجهل غبي علة فوق علة*
ومما وقفت عنده طويلا قوله في ديوان شراب الوصل:
*العلم بالذكر لا ينفك مقترنا*
*والجهل صاحبه في غفلة وعناء*
فهنالك علماء غزيرون في علمهم ولكنهم غير ذاكرين ، فلم ينتفع بعلمهم ولم يؤذن لهم في تربية المريدين.
ومن أقوال اهتمامه بالعلم:
*من يروم العلم عندي*
*يجتني رطبا جنيّا*
وأخبرني بعضهم بأن الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني قد سئل عن مقاصد الصوم هل لمساواة الفقير مع الغني، ولكي يشعر الغني بالجوع لأن الفقير أصلا يشعر به، فكان رده ما ذنب الفقير في صومه- وهو أصلا جيعان- حتى يتساوى مع الغني، فجاء
حديثه شافيا ومفحما لهم: (إن الله قد فرض الصيام لكي لا تضيق الروح بالأبدان) وهذه العبارة من ديوان شراب الوصل قد استشهد بها واشتق منها سؤال في امتحان الشهادة الثانوية المصرية وهو
*ماهي فوائد الصوم الروحية؟*
ومما أثار فضولي وإعجابي أن الشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني الخليفة الحالي له رؤية في النشيد الوطني السوداني في الفقرة أو العبارة التي تقول:
*نشتري المجد بأغلى ثمن*
وقال إن المجد لا يشترى بل يورث بالأخلاق والتربية للأجيال مستشهدا ببيت في قصيدة بديوان شراب الوصل
*من حبا شيخك شيخ واصلا*
*يا مريدي قل هو الله أحد*
جاء فيها:
*قد ورثت المجد عن أمجاده كابرا عن كابر جدا فجد*
وهو في ذلك يطابق كلام الإمام علي رضي الله عنه (الأدب لا يباع ولا يشترى، بل هو طابع في قلب كل من تربى ، فليس الفقير من فقد الذهب وإنما الفقير من فقد الأخلاق والأدب).
وقد اخترت لكم من بين هذه القصائد قصيدة تشعر فيها بنفس القرآن وذكر الرحمن ، فأهديها لكم عسى أن ننتفع بكلماتها ونتربى على هدى معانيها السامية،
وهي قصيدة تدل على سعة ثقافة ودراية الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني والشاعرية الفذة التي يمتلكها وتأثره بآي القرآن الكريم فجرى صلاحه وبركته حولها ، فنال محبة كل هذه الأعداد المهولة من أحبائه وأتباع الطريقة البرهانية داخل السودان وخارجه.
*القصيدة بعنوان(حديث المرسلات بصدق وعدي):*
حديث المرسلات بصدق وعدي
وويلٌ عشر آيات عشار
وإن العاصفات بكل ظلم
لديّ قياد سطوتها يدار
وإن الناشرات بكل مرقى
لها مني نشور وانتشار
وإن الفارقات بكل أمر
حكيم لي برتبتها وقار
كذا فالملقيات لكل ذكر
بألواح وأرواح تغار
فطمس النجم لو نسفت جبال
كواكب آيتي فيه انتشار
أتى في النازعات حديث موسى
وفي الوادي المقدس لا تماروا
أراه الآية الكبرى فنادى
وكذب عاصياً فالماء نار
ولذا فالناشطات بكل مجرى
بأفلاك الكمال بها استجاروا
لديّ السابقات بفضل ربي
بعلم الله إذ فيه القرار
وهذه عِبرة والحب يخشى
ومن لم ينتهي فله الدمار
وأما الذاريات فريح وصلي
وإن الإفك منها للغبار
وإن الموقرات بحمل علمي
جرين به يسيرا حيث ساروا
وإني قاسم والله معطي
وهذه آيتي ولي الفخار
تقول الذاريات بصدق وعدٍ
وأن الاختلاف هو الغمار
حديث الضيف أو موسى وعاد
ثمود ثم نوح والديار
لعلّ الله يحدث بعد هذا
أمورا حيث أهل العلم حاروا
فإن النار للموصول نور
وإن النور للمقطوع نار
ولي من سرها كشف الخبايا
ودون الكل قد وضع الخمار
ولي بالمستجار جوار عز
فانعم جيرة ولي الجوار
وما نال الرجال قرى وفخرا
جميعا حول معصمي السوار
ويوم يطيب لي إفشاء سري
ليوم فيه عطلت العشار
وعلم يجتنى من بعض علمي
لعلم منه سجرت البحار
وبالتسبيح تسبح كل روحٍ
وبالتوحيد تنتفع القفار
وما فُضّ الختام لنيل علمي
لألفى حقبة طال انتظار
فإغطاش المعاني محض حكم
لأعطي ما أشا ولي الخيار
تعالى الله ألبسها رداءً
ومن سر اللطيف لها إزار
وماء لا يجود به سحاب
وليل لا يجليه النهار
وفيما جئتكم توحيد ربٍّ
وقول القاطعين له خوار
وإنا قد فطرنا ماء غيب
كما أن السماء لها انفطار
وبعد ، نجد أن هذه القصيدة قد حوت أسماء بعض سور القرآن الكريم وقد اقتبست كثير منها معاني آيات القرآن خصوصا قوله
لعل الله يحدث بعد هذا
أمورا حيث أهل العلم حاروا
ونجد ذلك في قوله تعالى في سورة الطلاق (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا)، وفي هذه الآية بلاغة طمأنة الله لقلوب المؤمنين.
والشيخ محمد الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني يطلق على سورة الطلاق(سورة التفاؤل) لما فيها من الخيرات والبشارات والانفراجات.