يبحثون عنها في كل مكان… هل تساعد التكنولوجيا في إيجاد سر إطالة العمر؟
في مسلسل الخيال العلمي “الكربون المعدل” (Altered Carbon) -الذي أنتجته نتفليكس (Netflix) عام 2018 والذي تدور أحداثه في نهاية القرن الـ24- يصبح تخزين وعي الإنسان رقميا (ذاكرته وقدراته العقلية وشخصيته) ضمن شريحة إلكترونية ممكنا.
وعندما يفنى الجسد الطبيعي يمكن زرع الوعي الرقمي ضمن جسد صناعي، وإذا تعرض هذا الجسد ا للضرر يمكن استبداله وزرع الوعي في جسد آخر، وهكذا يمكن للإنسان تجنب الموت شرط ألا تتضرر شريحته الرقمية، غير أن الوصول إلى هذه التقنية -وفق هذا المسلسل- مكلف وليس متاحا أمام الجميع.
في عام 2018 طرح إيلون ماسك مؤسس شركتي تسلا (Tesla) وسبيس إكس (SpaceX) فكرة مشابهة، إذ يقول “إذا ماتت ذاتك بيولوجيا يمكنك تحميلها في كيان جديد”.
وأضاف ماسك أن “سيناريو الدمج مع الذكاء الاصطناعي هو السيناريو الأفضل على الأرجح، وإذا كنت لا تستطيع التغلب عليه فانضم إليه”.
أما الملياردير الروسي ديمتري إيتسكوف فهو يعمل فعليا على مشروع يهدف إلى نشر كافة بيانات دماغه وشخصيته على حاسوب عملاق بحلول العام 2045، سعيا وراء الخلود الرقمي.
وتأخذ الجهود العلمية/التقنية الأساسية في مجال إيجاد علاج للشيخوخة منحى آخر يتمثل في إعادة برمجة الخلايا وتجديد الأنسجة، وطباعة الأعضاء وتعديل الجينات، وإذا كان الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين “دي إن إيه” (DNA) مسؤولا عن هندسة الجسم فإن البروتينات هي مواد بنائه، ومع تقدم العمر يبدو أن العديد من البروتينات التي تحتاجها أجسامنا للعمل بكفاءة تتراجع، فيما تتراكم البروتينات التالفة في أماكن غير مريحة.
قبل عدة شهور أطلقت شركة “فلاغشيب بايونيرينغ” (Flagship Pioneering) -التي كانت وراء تمويل شركة اللقاحات مودرنا (Moderna)- شركة جديدة باسم “لاروند” (Laronde) وتم استخدام الحمض النووي الريبوزي المرسال “إم آر إن إيه” (mRNA) في لقاحي “مودرنا” و”فايزر-بيونتك” (Pfizer-BioNTech) لإرسال تعليمات إلى الخلايا لصنع نسخة من البروتين الشوكي الموجود على سطح فيروس كوفيد-19، حيث يحفز هذا البروتين الشوكي جهاز المناعة لدى الإنسان لإنتاج أجسام مضادة تحميه من فيروس كوفيد-19 الحقيقي.
استخدام هذه الطريقة لإنتاج علاجات تعترضه بعض الصعوبات كون التعليمات المرسلة إلى الخلية لا تدوم طويلا وتصعب حمايتها من التهديدات الخارجية، ولهذا تم تطويرها إلى تقنية الحمض النووي الريبوزي ذي النهاية المغلقة (Endless RNA) واختصارا “إي آر إن إيه” (eRNA)، والتي توفر ديمومة واستقرارا طويل الأمد للتعليمات، وتغطي أي نوع من البروتينات، وتمثل نهجا ثوريا لصناعة الأدوية وعلاج الأمراض، بما في ذلك الشيخوخة.
ويقول دييغو ميراليس الرئيس التنفيذي لشركة لاروند “تخيل أننا تمكنا من إعطاء تعليمات إلى خلايا الإنسان عبر الحمض النووي الريبوزي، بحيث تدفع هذه الخلايا لإنتاج البروتينات اللازمة لشفاء الأمراض، فكر فقط في كيف سيغير ذلك مفهومنا للأدوية وطرق صناعتها”، وتتوقع الشركة إنتاج مئات الأدوية باستخدام هذه التقنية خلال هذا العقد.
بدأت تجارب الموجة الأولى من العلاجات المضادة للشيخوخة على البشر قبل عدة سنوات، ففي سبتمبر/أيلول 2015 أجرت إليزابيت باريش رئيسة شركة “بيوفيفا” (BioViva) علاجا جينيا على نفسها يهدف للحد من تقدم العمر، وينقسم العلاج إلى شقين، أحدهما يهدف إلى الحد من ضمور الكتلة العضلية مع التقدم بالعمر، والآخر لإطالة التيلوميرات باستخدام الفيروسات (التيلوميرات هي نهايات الكروموسومات التي تحمي الحمض النووي من الأضرار، والتي يتناقص طولها قليلا مع كل انشطار).
وكان هذا النوع من العلاج قد أثبت نجاحه على الفئران وأدى إلى إطالة أعمارها، وقد أجريت العملية في كولومبيا (بسبب عدم موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على إجرائها في الولايات المتحدة)، وبينما أكدت باريش نجاح العملية شككت معظم الدوائر العلمية في ذلك.
ومن الأدوية التي تجري تجربتها حاليا عقاقير “سينوليتيك” (Senolytic) التي تعمل على إزالة الخلايا التي تتراكم مع تقدمنا في العمر (تسمى الخلايا المسنة)، وتقمع الخلايا المسنة الآليات الطبيعية لإصلاح الخلايا المريضة، بالإضافة إلى أنها تخلق بيئة سامة للخلايا المجاورة، ومن المتوقع أن تتاح هذه العقاقير تجاريا قريبا.
النجاح في إيجاد حلول لهذه العوامل سيؤدي إلى إبطاء الشيخوخة وإطالة حياة الإنسان بشكل كبير، ويتوقع العالم البريطاني المستقبلي أوبري دي غراي أن تتوفر تقنيات إعادة الشباب إلى الفئران الهرمة عام 2022، وتقنيات إعادة الشباب إلى الإنسان الهرم عام 2037.
ويرى دي غراي أنه في ذلك العام سيتمكن العلم من زيادة عمر الإنسان بأكثر من سنة واحدة في السنة الواحدة، وهو ما أطلق عليه مصطلح سرعة الإفلات من العمر المتوقع (Longevity Escape Velocity).
لنفترض أن عمرك المتوقع جينيا هو 80 عاما وأنت الآن في الـ79، ولنفترض أن العلوم والتكنولوجيا نجحت خلال العام المتبقي لك (وفق الحسابات القديمة) في تمديد عمرك المتوقع سنة إضافية واحدة إلى 81 عاما، ثم نجحت العلوم والتكنولوجيا خلال هذا العام بتمديد عمرك المتوقع عاما آخر وهكذا، ففي هذه الحالة قد تعيش فترة طويلة جدا.
هذا المصطلح مستوحى من مصطلح فيزيائي شهير هو سرعة الإفلات من الجاذبية الأرضية (Earth’s escape velocity)، ويعرف بأنه السرعة الدنيا المطلوبة لجسم ما لكي يتمكن من الهروب من جاذبية الأرض ومغادرتها، وهذه السرعة تساوي تقريبا 11.2 كيلومترا/ثانية.
تذكر بعض كتب التاريخ أن بابا روما إينوسنت الثامن (عاش في القرن الـ15) تدهورت حالته الصحية وهو في سن الـ60 فما كان من طبيبه إلا أن سحب الدم من 3 أطفال يبلغ عمر كل منهم 10 سنوات ونقله إلى البابا بهدف استعادة صحته، وكانت النتيجة موت الأطفال الثلاثة والبابا أيضا.
في حلقة “فتى الدم” (The Blood Boy) من المسلسل التلفزيوني “وادي السيليكون” (Silicon Valley) يشتري الملياردير جافين بيلسون -الذي يقوم بدوره مات روس- خدمات نقل الدم من الفتى بريس -الذي يقوم بدوره غراهام روجرز- بهدف العيش إلى الأبد.
هذه الصورة ليست بعيدة عن الواقع، إذ أجريت العديد من التجارب الفعلية لنقل الدم من صغار السن إلى كبار السن بهدف تحسين الصحة وإطالة الحياة، لكن الجدل العلمي حول فوائد وأضرار هذه العملية على الإنسان ما زال مستمرا على الرغم من ظهور فوائد ملموسة عند تجربتها على الفئران، ولا تزال هذه التجارب مستمرة لكنها انتقلت إلى البحث عن العوامل المعززة للشباب في الدم كي يجري نقلها بدلا من نقل الدم بأكمله.
أخيرا، يرى بعض المفكرين أنه من الأجدى التركيز على “العمر الصحي” بدلا من “طول العمر”، واستجابة لهذه الفكرة أطلقت الحكومة البريطانية في إطار إستراتيجيتها للقطاع الصناعي لعام 2019 خطة وصفتها آنذاك بـ”التحدي الكبير”، وهي تتمثل في إضافة 5 سنوات من “العمر الصحي” لكل مواطن بحلول عام 2035، لكن يبدو أن التقدم العلمي/التقني الكبير، وحلم الإنسان في الخلود، والمليارات المتزايدة التي يجري ضخها حاليا في هذا المجال لن توقف الإنسان عن مطاردة هذا الحلم. المصدر : الجزيرة