مقالات

وفاق صلاح عبد العال مبروك تكتب: السودان ودبلوماسية الغذاء

وفاق صلاح عبد العال مبروك تكتب: السودان ودبلوماسية الغذاء

الدبلوماسية بمعناها التقليدي القديم تشمل العلاقات السياسية بين الدول فقط ، أما الدبلوماسية بمعناها الحديث فتعني بأنها مجموعة القواعد و الاجراءات التي تنظم العلاقات بين الدول و المنظمات الدولية و الممثلين لها بهدف خدمة المصالح العليا اقتصاديا و سياسيا وامنيا و اجراء المفاوضات.

أما ( الدبلوماسية الاقتصادية) ، يقصد بها استخدام الدولة لمقدراتها الاقتصادية في التأثير على الدول الأخرى وتوجيه سلوكها السياسي في الاتجاه الذي يخدم المصلحة القومية لهذه الدولة وهي السياسة التي تنتهجها الدول بوجهان هما الترغيب و الترهيب.

وتهدف الدبلوماسية الاقتصادية الى تحقيق جملة من الامور منها، جذب وتشجيع الاستثمار وتحفيز التجارة وبالتالي زيادة في الصادرات والواردات، تأمين حقوق الملكية واستقرار وتعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية والمتعددة الاطراف والتي تشمل التفاوض على المعاهدات الاستثمارية واتفاقيات التجارة (بدعم الجهود الوطنية في توقيع اتفاقيات الازدواج الضريبي الثنائية ومعاهدات الاستثمار الثنائية)  ، التأثير في السياسات الوطنية الخارجية لصالح الشر كات متعددة الجنسيات ، فهي تقوم

بمعالجة الحواجز المحددة التي تؤدي الى اعاقة المصالح التجارية للشركات المحلية وتوسيع العلاقات الاقتصادية المتنوعة بين الدول و المؤسسات الدولية عن طريق تقنيات معينة من اجل تحقيق نتائج مفيدة في مجالات التعاون الاقتصادي و السياحي و الاستثماري لدعم في نهاية المطاف الاحتياجات طويلة الأجل للدولة التي تم تسليط الضوء عليها في إطار  الرؤية الوطنية،

(المعروفة أيضًا باسم اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار).. ويكون العمل متواصلا ما بين المؤسسات ذات الصلة مثال وزارة الخارجية ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي بشكل وثيق مع وكالات ترويج الاستثمار والقطاع الخاص وصناديق الثروة السيادية، ومجالس الأعمال، وغيرها من الجهات الاقتصادية الفاعلة لضمان تحقيق نتائج ناجحة من خلال الدبلوماسية الاقتصادية وتقييم مستوى التكامل العالمي لاقتصاد الدول، وتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية بهدف خلق فرص عمل جديدة.

شهدت الدبلوماسية تطورا ملحوظا في السنوات ألاخيرة.. وظهرت في ممارساتها مجموعة من المفاهيم الحديثة.
وفي عالم يتسم بالسرعة والحركية أصبحت الدبلوماسية من أهم الوسائل التي تمكن الدولة من مواجهة التحديات الخارجية وتحقيق التقدم والتطور. ونظرا لذلك فان الدبلوماسية خرجت عن النطاق السياسي، واتسعت لتشمل الدبلوماسية الثقافية والامنية والاقتصادية، وأصبح للأخيرة تأثير دولي يتسع يوما بعد يوم، بسبب سياسة الانفتاح على العالم التي تعتمد على

الموارد والمقومات الداخلية للدولة من جهة، والعلاقات الدبلوماسية مع الدول من جهة أخرى، وكذلك بسبب تأثير العامل االقتصادي وازدياد أهميته بشكل كبير، وكذلك نجد أن السياسة الخارجية، ترسم معالمها في كثير من الاحيان، أهداف اقتصادية، وهناك علاقة جدلية بين السياسة والاقتصاد حيث ارتبطت الصراعات السياسية بالمصالح الاقتصادية.

ان في معظم الدراسات المتعلقة بالدبلوماسية كمصطلح للدراسة والتفسير لفهم عملية اتخاذ القرارات في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية قد أضحت الدبلوماسية الاقتصادية إحدى ألادوات الرئيسية والضرورية للدبلوماسية العامة وخصوصا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد ارتبطت هذه الدبلوماسية بشكل كبير بظهور المنظمات الاقتصادية الدولية مثل، صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وتداخل العلاقات وتشابكها بين مكونات المجتمع الدولي.

في الوقت الحاضر فأن الدبلوماسية الاقتصادية أصبحت تشمل جميع أوجه العلاقات الاقتصادية الدولية ، أي ان الدبلوماسية الاقتصادية ذلك الفرع من الدبلوماسية الذي يهتم بالعلاقات الاقتصادية الدولية و اعرف بأنها: ( مجموعة النشاطات والممارسات التي تهدف الى صياغة مناهج و اجراءات اتخاذ القرارات على المستوى الدولي ، حيث يتمثل نشاطها في التجارة ، الاستثمار ، الاسواق العالمية ، المساعدات ، الامن الاقتصادي ، والمؤسسات التي تجسد البيئة الدولية.

اهداف الدبلوماسية الاقتصادية

تهدف الدبلوماسية الاقتصادية الى تحقيق جملة من الامور منها، تشجيع الاستثمار والتجارة وبالتالي ز يادة في الصادرات والواردات، تأمين حقوق الملكية واستقرار العلاقات الاقتصادية والتي تشمل التفاوض على المعاهدات الاستثمارية واتفاقيات التجارة، التأثير في السياسات الوطنية الخارجية لصالح الشر كات متعددة الجنسيات ، فهي تقوم بمعالجة الحواجز المحددة

التي تؤدي الى اعاقة المصالح التجارية للشركات المحلية وتوسيع العلاقات الاقتصادية دوليا بين الدول و المؤسسات الدولية عن طريق تقنيات معينة من اجل تحقيق نتائج مفيدة في مجالات التعاون الاقتصادي و السياحي و الاستثماري.
للدبلوماسية الاقتصادية أهمية كبيرة على صعيد العلاقات الدولية لكونها تعمل على زيادة عمليات التدويل والترابط بين بلدان العالم من خلال حركتها علىم المستويين العالمي والاقليي.
وبعد (دبلوماسية الكمامات) و ( دبلوماسية اللقاحات) ، ربما ندخل الآن فترة (دبلوماسية الغذاء).

الامن الغذائي

إن الغذاء ضروري لنا جميعًا، ولكن هذا هو الحال بشكل خاص في البلدان النامية حيث يمثل جزءًا كبيراً من إنفاق الأسرة كما يعتمد العديد من هذه البلدان بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية وتستورد منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط على وجه الخصوص أكثر من 50٪ من حبوبها من أوكرانيا وروسيا وكان قد سبق ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل قياسي خلال

“الربيع العربي”. كما أن بلدان أخرى، مثل النيجر أو مدغشقر أو الصومال، تواجه بالفعل أزمات غذائية حادة، وقد يتعرض لبنان أو تركيا لأزمات اقتصادية كبرى. كذلك تتعرض دول جنوب القوقاز، أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، لخطر كبير أيضًا بسبب اعتمادها الشديد على الواردات من روسيا وأوكرانيا.

إن انعدام الأمن الغذائي يؤدي لا محالة إلى زيادة التفاوتات. كان ما لا يقل عن 195 مليون شخص حول العالم يعانون من أزمات غذائية أو أسوأ في عام 2021، أي بزيادة قدرها 25٪ عن عام 2020؛ من المتوقع للأسف أن يزداد الوضع سوءًا..

وقد أدت الزيادات الهائلة في أسعار المواد الغذائية، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة، إلى تفاقم التضخم الذي كان يرتفع بالفعل قبل الحرب الروسية الاوكرانية. فقد زاد الضغط على قدرة الحكومات على الإنفاق العام الذي تأثر بالفعل بعواقب جائحة كورونا. كما أن الإنفاق أكثر على الغذاء يعني أموالاً أقل تخصّص للضروريات الأخرى مثل التعليم والرعاية الصحية، وبالتالي تعميق الفقر العام.

إن منطقة جنوب الصحراء الافريقية تعتبر بشكل عام أقل اعتمادًا من شمال إفريقيا أو الشرق الأوسط على الواردات الغذائية من روسيا وأوكرانيا، لكنها ستتأثر بسبب انعدام الأمن الغذائي الموجود مسبقًا والمرونة المحدودة في الميزانية لمواجهة الزيادات في أسعار المواد الغذائية، لا سيما في منطقة الساحل ومنطقة القرن الأفريقي .. في منطقة جنوب الصحراء

الافريقية، يمثل الغذاء حوالي 40٪ من الإنفاق الاستهلاكي للأسر مقابل 15٪ في الدول المتقدمة. ويمكن أن يتسبب الجفاف وتغير المناخ وجائحة كورونا واضطرابات السوق الناجمة عن الحرب الآن في جعل ما يقرب من 120 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء القارة. إن منطقة غرب إفريقيا معرضة للخطر بشكل خاص في هذا الصدد: فقد شهدت سلسلة من الانقلابات أو محاولات الانقلابات مؤخرًا.

سلاح أو دبلوماسية الغذاء

بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أكد الاتحاد الاوروبي علي الابقاء علي ان تكون أسواق السلع العالمية مفتوحة، وأن يتصدى للمضاربة، وأن يدعم النظام الغذائي متعدد الأطراف، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي ومجموعة العشرين والأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومن خلال التعاون الدولي الوثيق، التأكيد علي منع مخاطر التراكم المفرط للمخزونات التي لا يمكن إلا أن تغذي المضاربة على الأسعار..
للتعامل مع انعدام الأمن الغذائي في مجموعة السبع.

وقد اقترح الرئيس ماكرون بالفعل نهجًا متعدد الطبقات في قمة مجموعة السبع الأخيرة يسمى مبادرة تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة  (FARM).

وقد اكدوا علي مساعدة “شركائهم” في العالم النامي والناشئ من خلال الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم.
وقد خصص الاتحاد الأوروبي بالفعل 2.5 مليار يورو في شكل مساعدات دولية بهدف التغذية للفترة 2021-2024، (1.4 مليار يورو للتنمية و 1.1 مليار يورو للمساعدات الإنسانية)، ودعم النظم الغذائية في حوالي 70 دولة شريكة.
“إن الطريقة التي نتعامل بها مع أزمة انعدام الأمن الغذائي العالمية اليوم ستكون حاسمة لمكانة أوروبا الجيوسياسية في العالم غدًا”.

أهمية استراتيجية

ربما كانت الأزمة الأوكرانية لحظة كاشفة لأهمية القمح السياسية؛ فعلى مدار السنوات الماضية، لم يعد القمح مجرد سلعة غذائية تُستخدَم في ضمان الأمن الغذائي وتلبية احتياجات أفراد المجتمع، بل بات أداة للتأثير السياسي وتعزيز النفوذ لعدد من الدول. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن الأزمة الأوكرانية عززت الأهمية الاستراتيجية للقمح؛ لعدة اعتبارات، في مقدمتها:
1– احتكار إنتاج القمح: يسيطر خمسة منتجين للقمح فقط على أكثر من نصف إنتاج القمح العالمي، وهم: الصين، والهند،

وروسيا، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي. ومع إضافة منتجين آخرين، كأستراليا وكندا، وأوكرانيا، تصل النسبة إلى أكثر من 80% من إجمالي إنتاج القمح العالمي، وهو ما يعني أن واقع إنتاج وتصدير هذه السلعة الاستراتيجية، يتسم بطابع احتكاري إلى حد بعيد؛ ما يسهل سيطرة الدول المنتجة للقمح على الدول المستهلكة، وإمكانية استخدامه أداةً دبلوماسيةً لتحقيق رغباتها.

2– الاعتماد على القمح الروسي والأوكراني: تسهم روسيا وأوكرانيا سنوياً بأكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح؛ أي بنحو 55 مليون طن، القسم الأكبر منها يُشحَن عبر البحر الأسود إلى مختلف الوجهات، وعلى رأسها الدول العربية التي أضحت في مقدمة دول العالم استيراداً للقمح الروسي والأوكراني، وتُعرف أوكرانيا باسم سلة غذاء أوروبا. وحسب العديد من التقارير، صدَّرت أوكرانيا في عام 2020، نحو 18 مليون طن متري من القمح، وهو الأمر الذي يضعها في المرتبة الخامسة عالميّاً ضمن أكبر مُصدِّري القمح

3– أولوية الأمن الغذائي: أعادت الأزمة الأوكرانية الاعتبار إلى قضية الأمن الغذائي بعد أن توارت خلال السنوات الأخيرة خلف قضايا سياسية وأمنية؛ فقد برزت من جراء الحرب الروسية الأوكرانية، ملامح أزمة غذائية ناجمة عن نقص في سلعة القمح، وهي سلعة ضرورية ترتبط بالنظام الغذائي في كثير من الدول. ومن ثم، يواجه عدد كبير من الدول بالفعل خطر انعدام الأمن الغذائي؛ بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر، أو العنف المباشر في تلك البلاد. وحتى برنامج الغذاء العالمي يحصل

على 50% من إمدادات الحبوب من منطقة أوكرانيا وروسيا، ويواجه الآن زيادات كبيرة في التكلفة في جهوده لمكافحة حالات الطوارئ الغذائية في جميع أنحاء العالم. ويُعضِّد هذه الإشكالية تقديرات برنامج الأغذية العالمي بأن هناك أكثر من 800 مليون شخص يُواجهون شبح الجوع في جميع أنحاء العالم، بينما يتأرجح 44 مليون شخص في 38 دولة من حافة المجاعة.

4– التأثيرات الممتدة لارتفاع الأسعار: أدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع في أسعار القمح والمواد الغذائية؛ بسبب زيادة تكاليف النقل والشحن والتأمين من ناحية، أو بسبب الزيادات المتوقَّعة في أسعارها، من جراء انخفاض المعروض منها في الأسواق العالمية. وقد تؤدي قيود سلسلة الإمدادات الغذائية إلى زيادة الأسعار في جميع المجالات، حتى البلدان التي لا تعتمد على أوكرانيا أو روسيا من حيث الواردات الزراعية، قد تشهد ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية؛ بسبب زيادة أسعار الوقود التي تؤثر على تكاليف نقل الغذاء، وانخفاض إمدادات الأسمدة، ومن ثم تقلص الإنتاجية والإمدادات الزراعية العالمية.

النفوذ الدولي

كشفت الأزمة الأوكرانية الراهنة عن تصاعد توظيف القمح سياسيّاً في العلاقات الدولية، وهو التوظيف الذي اتخذ عدداً من المظاهر والتجليات الرئيسية المتمثلة فيما يأتي:

1– استخدام صادرات القمح الروسية أداةً دبلوماسيةً:
استمرت موسكو في استخدام القمح أداةً دبلوماسيةً مهمة في إدارة علاقاتها بالدول الأخرى، وهو التوجه الذي تعاظم خلال السنوات الماضية، وخاصةً بعد فرض عقوبات غربية على روسيا عام 2014، إثر قيامها بضم شبه جزيرة القرم؛ إذ لجأت موسكو بعد ذلك إلى فرض عقوبات مضادة، منعت بموجبها استيراد المنتجات الغذائية من أوروبا والولايات المتحدة، ودعمت الإنتاج الزراعي المحلي، لتصبح روسيا البلد الأكبر من حيث المساحات المزروعة بمحاصيل القمح، وفي عام 2017، أصبحت المصدِّر الأول للقمح في العالم، متجاوزةً الولايات المتحدة وكندا لأول مرة، ومُسيطرةً على معظم أسواق آسيا والشرق الأوسط

وإفريقيا. ومنذ ذلك الوقت، باتت الصادرات الروسية تمثل أداة دبلوماسية–اقتصادية في علاقات موسكو بالدول الأخرى؛ ففي عام 2015 حظرت روسيا نسبة من الصادرات الغذائية إلى تركيا ضمن مجموعة من الإجراءات للرد على إسقاط القوات التركية طائرة مقاتلة روسية. ولكن بعد عامين من هذا القرار استؤنفت الصادرات في ضوء تحسُّن العلاقات الروسية التركية، وخاصةً أن تركيا وافقت على نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، وهكذا أصبحت أنقرة أكبر مستورد للقمح الروسي في عام 2019.

2– دور القمح في الحصول على الدعم الخارجي: وهو ما تجلى – بشكل أو بآخر – في السياسة الأوكرانية؛ إذ حاولت الدعاية الأوكرانية الحصول على الانتباه والدعم الدولي من خلال إرسال رسائل أن ما يجري لن يتوقف عند حدود الشعب الأوكراني، بل سيمتد إلى الدول الأخرى من زاوية أمنها الغذائي. وتعززت هذه الفرضية بفعل تراجع القدرة الإنتاجية الزراعية لأوكرانيا؛

حيث يقع الجزء الأكبر من الأراضي الزراعية الأكثر إنتاجيةً في أوكرانيا في مناطقها الشرقية الواقعة بالقرب من المناطق التي سيطرت عليها القوات الروسية؛ ما يعني انخفاضاً حادّاً في إنتاج القمح، وتراجع صادراته نتيجة تدمير البنية التحتية الحيوية، والمعدات الزراعية، ومرافق تخزين الحبوب، والتسبُّب في نزوح جماعي للمزارعين، كما تم قطع طرق الإمداد البحري الرئيسية عبر البحر الأسود.

3– وسيلة للخروج من العزلة:
ظهر هذا النمط في طريقة تفاعل موسكو مع العزلة المفروضة عليها عقب تدخُّلها العسكري في أوكرانيا؛ حيث وظفت روسيا القمح من أجل توسيع دائرة علاقاتها ودفع الدول الأخرى إلى تجنب الانحياز نحو المعسكر الغربي في الأزمة. وفي هذا الإطار، أعلنت روسيا اعتزامها تصدير الغذاء والمحاصيل إلى “الدول الصديقة” فقط، على أن يباع بالروبل أو بعملات تلك الدول بنسب متفق عليها؛ ما يُعَد عامل ضغط على الدول المستوردة لتأييد الموقف الروسي.

4– تعزيز الحضور الدولي: حيث عبَّرت الأزمة الأوكرانية الراهنة عن مساعي بعض الدول إلى استخدام ورقة القمح في تعزيز الحضور على الساحة الدولية ودعم المصالح الاقتصادية؛ فمع بدء الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا، بدأ بعض

منتجي القمح في جميع أنحاء العالم يزيدون إنتاجيتهم؛ فعلى سبيل المثال، سعت الهند إلى توسيع صادراتها من القمح، وحاولت عقد صفقات مع الدول الأخرى التي تضررت من تراجع إمدادات القمح الروسي والأوكراني، وهو أمر يتسق مع استراتيجية زيادة الإنتاج التي تبنتها الهند في السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2021–2022، أضافت الهند 5.75 مليون طن متري إلى تجارة القمح العالمية، وهي زيادة تغطي تقريباً النقص من أوكرانيا وروسيا بمفردها.

5– تشويه صورة الدول الأخرى:
شكَّلت الحرب الأوكرانية فرصة مواتية لاستخدام القمح ضمن حملات الدعاية المضادة والوصم الأخلاقي المتبادل بين الدول. ولعل النموذج الأبرز لذلك، تبادل الاتهامات بين روسيا وأوكرانيا حول مسؤولية منع سفينة مُحمَّلة بالقمح الأوكراني كانت متوجهة إلى مصر؛ حيث نشرت السفارة الأوكرانية بالقاهرة يوم 4 أبريل الجاري، خبراً عبر صفحتها الرسمية على تويتر قالت فيه إن “القوات الروسية الموجودة في أوكرانيا تمنع سفينة الشحن إماكريس 3 المحملة بشحنة قمح أوكراني اشترتها الحكومة المصرية، من التوجه إلى القاهرة”.

وفي مقابل هذا البيان، نشرت السفارة الروسية في القاهرة بياناً نفت فيه الاتهامات الأوكرانية، وذكرت أن القوات الأوكرانية هي التي تمنع حركة السفن في مناطق “أوديسا وتشيرنومورسك”، كما أكدت أن “الأسطول البحري الروسي يضمن حرية حركة السفن التجارية، وأن السلطات الأوكرانية هي من تمنع خروج السفينة من الميناء”.

أزمة الخبز

هنالك ثماني دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باتت مهددة بأزمة خبز قاسية. وعلى مستوى العالم، فإن المعاناة تلوح في الأفق بدرجات متفاوتة كذلك لدول عدة.

فمن إندونيسيا إلى بنغلاديش إلى نيجريا والبرازيل واليابان والمكسيك، حتى دول الاتحاد الأوروبي، جميعها مضار من خطر القمح المتوقف تصديره واستيراده ولم تكن الدول العربية في مأمن من هذا النقص ايضا في نفس الوقت الذي تم الاعلان فيه بأن عام 2023 هوعام الدخن مما يفتح الابواب مشرعة للسودان للريادة والسيادة ليست فقط داخليا بل عالميا لما له من امكانيات حالية لزيادة انتاجيته من الدخن كأقرب بديل للقمح ولكن مع العمل علي زيادة انتاجية القمح ايضا لسد الفجوة العالمية.

إضافة إلى المشاعر الإنسانية والأحاسيس المرهفة والرغبة في تقاسم رغيف الخبز بين القادر وغير القادر، فإن تقاسم رغيف الخبز يكون أحياناً قامعاً لاحتمالات نشوب إرهاب، أو ترسيخاً لوجود سياسي وقوة اقتصادية وهيمنة جيوسياسية، أو درءاً لقوة أخرى لديها القدرة على اقتسام رغيف مشابه وإمدادات من القمح او بديله كالزرة والدخن ربما أوفر.

إن دور روسيا في معادلات دبلوماسية القمح ليس وليد حربها في أوكرانيا.. ففي 2017، نجحت روسيا في أن تترأس قائمة أكثر دول العالم تصديراً للقمح، متفوقة على كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا للمرة الأولى. وحين خرج الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليعلن أن “روسيا أصبحت رقم واحد” في مؤتمر صحافي، كان على الأرجح يعلن أن الطريق بات

ممهداً أمام الطموح الروسي، لتلعب بلاده دوراً آخذاً في النمو كـ”قوة عظمى” عبر قنوات الدبلوماسية الغذائية. وفتحت روسيا أسواقاً شاسعة لنفسها في الشرق الأوسط وأفريقيا وأميركا اللاتينية وفي القارتين الأوروبية والآسيوية. وهذا النظر الدبلوماسي الروسي جعل البعض يصف الحبوب الغذائية الروسية (نفط الكرملين الجديد)

لذلك، تظهر على السطح الدبلوماسي في هذه الآونة عروض بعض الدول المنتجة للقمح، لمد يد العون إلى دول تأثرت سلباً جراء الحرب الحالية، وأغلبها عروض لا يمكن فهمها خارج ما يعرف بـ”نظام الغذاء العالمي” المرتبط ارتباطاً وثيقاً بخريطة المصالح والتوازنات وآليات الضغط من أجل الحصول على مكاسب أو تحقيق غنائم.

وتشير دراسة عنوانها “القمح والسياسة والقوة” (2017) أجرتها “الجامعة النرويجية لعلوم الحياة” إلى أن تجارة الحبوب العالمية عنصر مركزي في نظام الغذاء العالمي.

وعلى مدار عقود طويلة، ظلت الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وعدد من الدول الأوروبية مُسيطرة على تجارة الحبوب في العالم، إلى أن أطاحت روسيا هذه الهيمنة في السنوات الأخيرة. وتشير الدراسة إلى أن صادرات فائضات القمح كانت، خلال الحرب الباردة والسنوات التي تلتها، جزءاً مهماً، ليس فقط من تجارة أميركا، بل ومن سياستها الخارجية وبرامج المساعدات التي تقدمها لدول بعينها.

السودان ودبلوماسية الغذاء

تُعتبر الموارد والثروات المتواجدة في جمهورية السودان فرصة سانحة للاستثمارات العالمية وتحديدا العربية لتحقيق الأمن الغذائي، تعتبر زيادة استثمارات الدول في جمهورية السودان وتوسعها في الوقت الحالي وخاصة في مجالات الأمن الغذائي ضرورةً لتحقيق أهداف الامن الغذائي للاقليم في هذا المجال. يُساعد الاستثمار في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية على

الصعيد الحكومي وعلى مستوى القطاع الخاص على رفع معدلات الاكتفاء الذاتي في مجال الأمن الغذائي، تساعد المشاريع الاستثمارية الدولية في السودان في تحقيق نسبة كبيرة من الاحتياطي للأمن الغذائي الاقليمي. تعد مشكلة البيروقراطية وتعقيدات الإجراءات الإدارية التي تواجه المستثمرين من معوقات الاستثمار العالمي السودان وخاصة مشاكل تَمَلُّك الأراضي وإجراءات تسجيلها، وعدم توافر البِنَى التحتية (من الطرق والجسور وغيرها) تعد من أكبر المعوقات التي تواجه الاستثمارات العالمية في السودان.

تؤدي زيادة الاستثمارات المستقبلية العالمية والعربية تحديدا في السودان إلى تحقيق الأمن الغذائي في الاقليم، يعتبر توجيه الاستثمار العربي في السودان مناسبًا لتحقيق الأمن الغذائي العربي تحديدا وذلك بعد الاستقرار الذي سيشهده السودان في الفترة القادمة ورفع الحصار والعقوبات الاقتصادية عنه.

يجب استغلال الفرص المتاحة في ظل الحرب الروسية- الأوكرانية، بأن يتم المشاورة والتواصل مع الدول المستوردة وبالاخص العربية والافريقية منها لتراجع تحالفاتها الخارجية وسياساتها الداخلية؛ للتعاون مع السودان بما يزخر من موارد طبيعية وبشرية وموقعه الجيوسياسي لتقوية البنى التحتية لديه، وبناء تحالفات اقتصادية جديدة لتأمين سلاسل التوريد لها، والتضامن الدبلوماسي، وتبادل التقنية والخبرات، فضلاً عن تعزيز التعاون الزراعي البيني، وتوظيف الأراضي الزراعية غير المستغلة

بتوجيه الاستثمارات إليها؛ لزيادة إنتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، كالقمح والذرة والأرز والدخن؛ لتنويع سلة الغذاء، كما يتطلَّب تحقيق الأمن الغذائي إقامة تكتلات اقتصادية لتقوية الموقف التفاوضي مع الدول والتكتلات الاقتصادية الأخرى، وتعزيز ثقافة الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية؛ وذلك من خلال تنفيذ مشروعات زراعية عربية مشتركة لإنتاج السلع الغذائية الاستراتيجية، وإقامة مخزون استراتيجي من السلع الغذائية الأساسية، ووضع نظام لتنفيذه وإدارته، وتنفيذ برامج طويلة الأمد لتحسين إنتاجية العمل لدى صغار المزارعين، والاهتمام بالتقدم العلمي التقني والبحث..

مبادرة الامن الغذائي

كل المعطيات تشير لاهمية القيام بمبادرة تعزيز دور السودان في تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة في الدول العربية والافريقية و تسريع وتيرة الانتقال إلى النُظم الغذائية المستدامة وذات القدرة على الصمود، والعمل علي تعزيز”السياده الغذائية”، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات والمنظمات الدولية ومجلس التعاون الخليجي تحديدا.
وتقوم هذه المبادرة على الركائز التالية:

ركيزة تجارية ترمي إلى التخفيف من حدة الاضطرابات التي تواجهها الأسواق الزراعية، وضمان الشفافية التامة في التدفقات والمخزون الزراعي، ومكافحة الحواجز التجارية،

ركيزة تضامنية ترمي إلى دعم القدرات الزراعية في السودان، لضمان حصول البلدان الأقل نموا ثم دول الاقليم على السلع الزراعية بأسعار معقولة، والاستعداد للتخفيف من حدة آثار الحرب الروسية الاوكرانية في مستوى الإنتاج الزراعي، إن التعاون التضامني الوثيق بين القطاعين الخاص والعام على جميع الجبهات ضروري من أجل ضمان التصدّي للأزمة الغذائية على نحو فاعل.. ركيزة إنتاجية ترمي إلى تعزيز القدرات الزراعية على نحو مستدام في السودان بمشاريع عملية على الأجل القصير

والمتوسط والطويل سيستدعي تنفيذها إشراك جميع الجهات الفاعلة الملتزمة في القطاعين العام والخاص (ائتلاف القطاع الخاص من أجل الأمن الغذائي) ، وذلك من خلال مبادرة تعزيز القدرة على الصمود في مجالي الغذاء والزراعة وبدعم من المنظمات الدولية الناشطة في مجال الأمن الغذائي والتغذية، وضرورة التركيز والتنسيق وتبادل الأفكار لتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية ومعالجة التعقيدات التي تواجه علاقات السودان الاقتصادية الخارجية وتفعيل وتنشيط الاتفاقيات الاقتصادية

ومجالس الأعمال المشتركة مع الدول المتوجهين إليها السفراء الجدد لخلق شراكات اقتصادية جديدة وتحويل انعكاس تطورات الأزمة العالمية الحالية على الأمن الغذائي وارتفاع أسعار الغذاء إلى فرصة إيجابية للسودان باستقطاب شركاء ومستثمرين من الخارج لتحقيق الأمن الغذائي.. الاكتفاء الذاتي من الغذاء ضمان للاستقلالية والسيادة الوطنية الغذائية والتصدير يعني الهيمنة لأن الاستيراد كفيل بالتحول إلى ريشة في مهب السياسة

أنها فرصة لن تتكرر في المستقبل القريب فاما عملنا علي الاستفادة القصوي منها لضمان السيادة الوطنية والهيمنة والا اضعناها واخترنا ان نظل قابعين في قاع الاحتياج وانتظار الغير, هو خيار وعلي المسؤلين ان يحسنوا الاختيار.

الخرطوم.. فبراير 2023م

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى