هل تستولي الترجمة الآلية العصبية للغة العربية على وظائف المترجمين؟
لم يخطر في أذهان مؤسسي الاتحاد الدولي للترجمة عام 1953 أن يأتي يوم تهدد فيه الآلات أعمال المترجمين. فحتى النصف الأول من ثمانينيات القرن الـ20 كان النظام الذي طوّرته شركة “وايدنر” الأميركية للاتصالات (Weidner Communications) هو النظام الوحيد المتوفر تجاريا للترجمة الآلية من اللغة الإنجليزية إلى العربية.
وعلى الرغم من وجود نظامين آخرين آنذاك هما “سيستران” (Systran) و”ألبس” (Alps)، فإنهما لم يكونا جاهزين للتسويق التجاري. تمكنت شركة “وايدنر” من تسويق نظامها إلى جهات في المملكة العربية السعودية وقطر وسلطنة عمان، لكن خاب أمل هذه الجهات في جودة النظام عقب استخدامه.
شهد عقد التسعينيات من القرن الـ20 محاولات عديدة لتطوير نظم ترجمة آلية من الإنجليزية إلى العربية ومن العربية إلى الإنجليزية، من أهمها نظام شركة صخر الكويتية الذي طورته المؤسسة في القاهرة، و”أبتك” (APPTEK) في واشنطن، و”إيه تي إيه” (ATA) في لندن، و”سيموس” العربية (SIMOS) في باريس.
لكن القفزة النوعية في الترجمة من الإنجليزية إلى العربية ومنها إلى الإنجليزية جاءت في شهر أبريل/نيسان عام 2006 مع إطلاق غوغل ترجمتها الإحصائية (Statistical MT) التي شملت اللغة العربية، فقبل ذلك كانت برامج الترجمة الآلية السائدة ترتكز على قواعد اللغة (Rules-Based).
وفي الرابع من شهر أبريل/نيسان عام 2017 أعلنت غوغل تخلّيها عن الترجمة الإحصائية (من اللغة العربية وإليها) التي تفكك الجمل المدخلة إلى عبارات وكلمات تترجم بشكل مستقل (PBMT)، وأحلّت محلها الترجمة الآلية العصبية (NMT) التي ترتكز على التعلم الذاتي العميق الذي يوفر إمكانية ترجمة الجمل دفعة واحدة من دون تجزئة.
شركات عديدة اليوم باتت توفر الترجمة الآلية العصبية من اللغة العربية وإليها، وبجودة عالية، منها: الترجمة العائدة لمحرك البحث الروسي “ياندكس” (Yandex Translate)، وترجمة “مايكروسوفت بنغ” (Bing Translator).
وفي 14 سبتمبر/أيلول الماضي ظهرت آخر نسخة من هذه المحاولات، إذ أطلقت شركة “ترجمة” الأردنية محركا للترجمة عنوانه على الويب https://translate.tarjama.com وصفه خبر الإطلاق بأنه “محرك الترجمة الآلية الأكثر تنافسية وتطورا على الإطلاق”.
ما أهمية الترجمة الآلية؟
ينتج العالم يوميا نحو 2.5 كوينتيليون بايت من البيانات (الكوينتيليون يساوي مليار مليار أي واحد وعلى يمينه 18 صفرًا). وبافتراض أن الكلمة الواحدة تتألف من 5 بايتات في المتوسط، نجد أن عالم المعلومات الذي نشهده اليوم ينتج 500 مليون مليار كلمة يوميا.
وإذا افترضنا أن واحدًا من كل 100 ألف كلمة منتجة بحاجة إلى ترجمة إلى لغة واحدة فقط، وأن المترجم الواحد قادر على ترجمة ألفي كلمة في اليوم (10 آلاف بايت تقريبًا)، فإن ذلك يعني أن العالم بحاجة إلى 2.5 مليار مترجم، فكم عدد المترجمين في العالم؟
من الصعب إعطاء تقدير دقيق لهذا العدد، لكن التقديرات الأكثر قبولًا تشير إلى وجود 640 ألف مترجم، يمكنهم ترجمة 1.28 مليار كلمة يوميا فقط، ولهذا أصبح ضروريا استخدام برامج ذكية لفرز البيانات المنتجة وتصنيفها وفق مستويات أهمية ترجمتها ومن ثم الاعتماد على الترجمة الآلية لإنهاء العملية.
معضلة ترجمة الكلمات الجديدة آليا
وفقا لمرصد اللغة العالمي (Global Language Monitor)، ابتكر الأديب الإنجليزي وليام شكسبير، في حياته الممتدة من عام 1564م إلى 1616م، 1700 كلمة جديدة، واليوم تشهد اللغة الإنجليزية ولادة كلمة جديدة كل 98 دقيقة، أي نحو 15 كلمة يوميا ونحو 5365 كلمة جديدة سنويا.
لكن المتداول من هذه الكلمات على نطاق واسع لا يتجاوز ألف كلمة، ومن غير المتوقع أن تسبق الترجمة الآلية الذكية الإنسان في ترجمة الكلمات الجديدة.
تقنيات مرتبطة بالترجمة الآلية
تدعم العديد من التقنيات المتوفرة حاليا الترجمة الآلية، أهمها:
- تحويل الكلام العربي المنطوق إلى نص عربي (Voice Recognition).
- تحويل النص العربي إلى كلام منطوق (TTS).
- تحويل الكلام المنطوق بالإنجليزية وبلغات أخرى إلى نص.
- تحويل النص المكتوب بالإنجليزية وبلغات أخرى إلى كلام منطوق.
- التعرف على النصوص العربية وغير العربية الموجودة ضمن الصور (OCR).
وتسهم هذه التقنيات في تعزيز الترجمة البصرية والصوتية الفورية، وهو ما يحتاج إليه العالم حاليا بشدة، سواء في المؤتمرات أو برامج التلفزيون أو بث الفيديو عبر الإنترنت (عبر يوتيوب أو تيك توك، أو أي منصات أخرى).
مستقبل الترجمة الآلية
أشارت نتائج اختبارات مؤسسة “ليونبريدج تكنولوجيز” (lionbridge technologies) الأميركية إلى أن الترجمة الآلية العصبية تتحسن سنويا بنسبة تراوح بين 3% و7%.
وتتوقع بعض الدراسات أن يصل مستوى الترجمة الآلية إلى مستوى الترجمة البشرية بحلول عام 2030، باستثناء ترجمة النصوص الأدبية والفلسفية، وتلك التي تتضمن مصطلحات علمية جديدة، إذ يتوقع أن تبقى بحاجة إلى تعديل من قبل البشر.