هل تخفف رسائل شيخ الأزهر عن القوامة أزمات حواء؟
بينما تنشب الخلافات في كثير من البيوت المصرية على خلفية عدم وضوح مفاهيم القوامة وما يسمى في الفقه الإسلامي بـ”النشوز”، خرج شيخ الأزهر أحمد الطيب، عبر برنامجه الرمضاني الحالي، برسائل أثارت جدلا واسعا في البلاد.
وتوثق الإحصاءات الرسمية وجود نحو 12 مليون امرأة معيلة (تقوم على رئاسة الأسرة لأي سبب) من إجمالي عدد السكان الذي بلغ في مطلع أبريل/نيسان الجاري 104.77 ملايين نسمة، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهة حكومية).
ويرى مراقبون أن رسائل شيخ الأزهر تأتي تصحيحا دينيا واجبا لما استقر من مفاهيم خاطئة حول القوامة والنشوز، ومحاولة لإنصاف المرأة بما لا يخلّ باستقرار الأسرة ولا يعزز الصراع الجندري، في ظل وجود نساء معيلات يقمن على شؤون العائلات وسط واقع سيئ للغاية يُفاقمه غياب شريك الحياة.
وتنص المادة 11 من الدستور المصري على أن الدولة تكفل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تنص على أن الدولة “تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا”.
رسائل تصحيح واجبة
في برنامجه الرمضاني “الإمام الطيب”، أكد شيخ الأزهر أن قوامة الرجل على المرأة ليست قوامة مطلقة، بل محدودة بنطاق إدارة أمور الأسرة، وأنها قوامة شورى وشراكة وإدارة، لا قوامة رئاسة وسيطرة، وليست وسيلة لسلبِ الزوجة إرادتها ومصادرة حقها في التعبير.
وأوضح أحمد الطيب أن “النشوز”، كما يطلق على الزوجة التي تتمرد على زوجها، يطلق إطلاقا متساويا على الزوج إذا أضر بزوجته وجافاها وتحامل أو تعدى عليها، وهدّدها بالطلاق.
ويرى الدكتور محمود القلعاوي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس أكاديمية بسمة للسعادة الزوجية، أن رسائل شيخ الأزهر تصحيح ديني واجب لما استقر في عقول أجيال عن استخدام حق القوامة بطريقة سلبية ضد المرأة، أو التركيز على نشوز الزوجة وتجاهل نشوز الزوج، على الرغم من تطرق الدين إلى كل تلك الأزمات.
ويوضح القلعاوي، في حديث للجزيرة نت، أن القوامة في الإسلام تكليف لا تشريف، ومسؤولية تقام بالعدل لا عسف فيها ولا معها، ووجودها مع الزوج لها شروط تنتفي بغيابها مثل الإنفاق والرعاية. وأشار إلى أن الاتهام بالنشوز الذي يستخدمه أزواج ضد زوجاتهم، بالحق مرة وبالباطل مرة أخرى، موجود في الدين مثله للرجل، ويُعرف باسم نشوز الزوج، ويعني الإضرار بالزوجة والتحامل عليها ودوام تهديدها والتنمر عليها.
وقال إن شيخ الأزهر أوضح حقيقة الإسلام التي تحاول المجموعات العلمانية والنسوية إخفاءها، وعزّز إنصاف المرأة كما قرره النبي منذ أكثر من 1400 سنة، وأضاف “التدليس النسوي الذي يروّج بين الأزواج عن القوامة والنشوز هُدمت به بيوت وفسدت علاقات، جراء التلاعب بالمصطلحات وتحريض المرأة ضد مفاهيم الأمومة والقوامة، ودفعها إلى التمرّد، وتحريض الرجل على حب التملّك والسيطرة”.
رسائل استقرار ودعم للأسرة
وتعتبر مديرة “مركز أسرتي” للاستشارات الاجتماعية والأسرية الدكتورة منال خضر أن رسائل الإمام الأكبر تصبّ في مصلحة استقرار مؤسسة الأسرة، مؤكدة أن مشيخة الأزهر ذات رمزية إسلامية كبيرة ليست في مصر فحسب، ولكن في الوطن العربي والإسلامي.
وتشير خضر إلى أن أزمات كثيرة تحدث في البيوت جراء عدم فهم الزوج أو الزوجة معنى القوامة، أو مفهوم النشوز سواء للرجل أو للمرأة في نطاق الأسرة، مما يدفع إلى وقائع يندى لها الجبين تكون فيها المرأة معيلة وقائمة بكل شيء، في حين أن زوجها عاطل ويحدثها بأحاديث القوامة والنشوز وهو لا يفهم ما يقول.
وتوضح خضر، في حديثها للجزيرة نت، أن جزءا من حلّ مشكلات البيوت يكمن في العودة إلى صحيح الدين، مع اتخاذ سبل العلم والتعلّم قبل الزواج حتى يفهم المقبلون على الارتباط معنى الأسرة، مع اللجوء إلى المتخصصين فور حدوث أزمة.
سجال مصري حول مفاهيم حقوقية
في المقابل، انتقد مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل الطيب بالتزامن مع إذاعة الحلقات، واعتبرها البعض “كلاما رجعيا”، وذهب آخرون إلى أنها “تفسيرٌ قريب من الحداثة يؤكد المساواة بين الرجل والمرأة، لتصحيح ما قاله الشيخ في وقت سابق”. ووصف آخرون مصطلح القوامة بأنه “عنصري قبيح”، مؤكدين أن مصطلح “القيادة” أفضل ويُعطى لمن يستحق، رجلا كان أو امرأة.
وكان الكاتب إسلام بحيري رفض، في وقت سابق، تصريحات مماثلة لشيخ الأزهر حول النشوز والقوامة وتأديب الزوجة، واعتبرها من أقوال أهل التراث والمفسرين الأوائل، ومخالفة للدستور والقرآن، وفق اعتقاده.
لكن في المقابل، يرى رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية تطوّعية) خلف بيومي أن رسائل شيخ الأزهر الأخيرة حقوقية بامتياز ودستورية مستنيرة، تصب في مصلحة الارتقاء بالمفهوم الحقوقي للأسرة، وتحديدا الزوج أو الزوجة، لكنها تحتاج إلى تبني الدولة بكل مؤسساتها لتصحيح ما استقر من انتهاكات داخل منظومة الأسرة ضد المرأة، لا سيما أن نسب المرأة المعيلة في مصر كبيرة وتحتاج إلى إجلاء الحقائق والحقوق الخاصة بها.
ويعزو بيومي، في حديثه للجزيرة نت، العنف الأسري المتزايد في مصر إلى انتشار مفاهيم مغلوطة، مثل سلطة الزوج المطلقة في البيت والنظرة السلبية إلى المرأة، وتحويل منزل الزوجية في بعض الأحيان إلى مقر احتجاز أو منصة محاكمة يكون القاضي والخصم فيها واحد هو الزوج الذي وصلت أحكامه في بعض الوقائع إلى إزهاق حياة أسرته بأكملها.
ويوضح أن التمييز الإيجابي للمرأة المعيلة، كما حدث في الدستور والتبيان المتكرر لحقوق المرأة، “يجب ألا ينسينا حقوق بقية أفراد الأسرة في عز الصراع الجندري الرائج بين النسويين والذكوريين”.
واقع سيئ موثق
وتوثق الإحصاءات الرسمية وصول نسبة المرأة المعيلة إلى 18.2% من الأسر المصرية. وتفيد دراسة لهيئة الاستعلامات المصرية (جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية) بأن في مصر ما لا يقل عن 12 مليون امرأة معيلة، تصبح فيها المرأة مسؤولة عن أسرة بأكملها، أيا كان عدد أفرادها.
ووفق الهيئة ذاتها، فإن نسبة المرأة المعيلة تحت خط الفقر تمثل 26.3%، وتستهدف إستراتيجية مصر في 2030 الوصول بها إلى 9%.
وفي دراسة حديثة للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية تحت عنوان “المرأة المعيلة.. أعداد متزايدة وجهود متوالية للتمكين”، تنتشر صورة الأسرة “الأحادية” التي يعيلها طرف واحد إلى حد كبير في المجتمع المصري.
ووفق الدراسة، فقد قُدر عدد الأسر التي تترأسها سيدات في عام 2018 بنحو 3.3 ملايين أسرة، علما بأن معظم رؤساء الأسر من الأرامل بنسبة 70.3% من إجمالي الإناث رؤساء الأسر على مستوى الجمهورية، يليها المتزوجات بنسبة 16.6%، ثم المطلقات 7.1%.