هل تبكي أفريقيا على رحيل بايدن؟
مع اقتراب رحيل الرئيس الأميركي جو بايدن عن البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، يدور تساؤل في ذهن بعض الأفارقة، حول ما إن كان هذا الرجل يستحق البكاء عليه، لأن له بصمات في القارة، أم يذهب غير مأسوف عليه، لأنه لم يقدم شيئا يذكر لشعوبها؟ وأي كانت الإجابة، فالجميع يتساءل حول عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب وهل سيكون أفضل للقارة السمراء؟
تتطلب الإجابة عن السؤال الأول عقد مقارنة سريعة بين نهج ترامب في فترة حكمه الأولى بين عام 2017 و2021، ونهج خلفه بايدن في التعامل مع القارة، فترامب لم تطأ قدماه أفريقيا، وهو ما يعد خروجا عن الأعراف الدبلوماسية الأميركية لقارة تعد الأكبر دون منازع من حيث ثقلها التصويتي في الأمم المتحدة، بواقع 54 دولة.
ولم يكتفِ ترامب بهذا التجاهل وإدارة ظهره، بل وصف هذه الدول بـ”الحثالة”، رافعا شعار “أميركا أولا”، في حين أن بايدن اهتم مبكرا بالقارة، كما أنه زار أنغولا مؤخرا أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، في زيارة هي الأولى والأخيرة له خلال حكمه.
كشف حساب
يمكن رصد الاهتمام الذي أولاه بايدن لقارة أفريقيا في عدة مؤشرات: أولها حرصه على عقد القمة الأميركية الأفريقية الثانية أواخر عام 2022، بعد توقف دام 8 سنوات، 4 منها كانت خلال حقبة ترامب الأولى، وهي القمة التي أقر خلالها حزمةً ضخمة من المساعدات بقيمة 55 مليار دولار لدعم النمو الاقتصادي في القارة.
كما وعد الرؤساء الأفارقة خلال زيارتهم لواشنطن بأن بلاده ستبذل قصارى جهدها لدعم جهود التنمية في أفريقيا، وبحث تمديد العمل بقانون “النمو والفرص في أفريقيا” والذي ينتهي عام 2025؛ ويعزز فرص الدول الأفريقية بالحصول على الإعفاء الجمركي لنحو 6500 منتج يتم تصديره للسوق الأميركية.
أما المؤشر الثاني فيتعلق بتدشينه مبادرة “الشراكة العالمية في مجال الاستثمار والبنية التحتية” مع القارة، فمنذ عام 2021، تم إبرام أكثر من 800 صفقة تجارية واستثمارية مع 47 دولة أفريقية من إجمالي 54 دولة، بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 18 مليار دولار.
كما تم مؤخرا عقد شراكة لبناء توسعة في ميناء برايا عاصمة جزيرة جمهورية الرأس الأخضر، بمبلغ 150 مليون دولار، ويذكر أن بايدن توقف فيها كـ”ترانزيت” خلال زيارته لأنغولا. وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت واشنطن عن 550 اتفاقية تجارية واستثمارية جديدة مع الدول الأفريقية، بزيادة قدرها 67% على الأعوام الماضية.
المؤشر الثالث هو تأكيد بايدن ضرورة أن يكون لأفريقيا مقعد دائم في مجلس الأمن، في إطار خطة إصلاح الأمم المتحدة، ووعد بالسعي لتحقيق ذلك، مع ضرورة أن تكون أفريقيا عضوا بمجموعة العشرين، وهو ما تحقق لاحقا.
أما المؤشر الرابع والأخير فهو تدشين الإستراتيجية الأميركية صوب القارة، التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عام 2022، حيث تقوم تلك الإستراتيجية على عدة محاور سياسية وأمنية واقتصادية، أبرزها: دعم عملية التحول الديمقراطي عبر مؤسسات المجتمع المدني، والانتخابات الحرة النزيهة.
هذا بالإضافة إلى مواجهة كل من الأنشطة الصينية في أفريقيا، والمعلومات التي دفعت العديد من دول القارة لتصديق الرواية الروسية في تبرير حربها على أوكرانيا، واتخاذ بعض هذه الدول، موقف عدم الانحياز في الأمم المتحدة عند طرح الموضوع للنقاش.
ممر لوبيتو
وفي إطار حرص إدارة بايدن على مواجهة الاستثمارات الصينية الضخمة في أفريقيا كإحدى ركائز إستراتيجيته، ولرغبتها في الحصول موارد طبيعية بأسعار تفضيلية، دعمت الولايات المتحدة ودشنت خط سكة حديد بطول 1300 كيلومتر.
ينطلق الخط من مواقع التعدين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي زارها وزير الخارجية بلينكن في أغسطس/آب 2022، ويمر بزامبيا التي زارتها نائبة الرئيس كامالا هاريس في مارس/آذار 2023، وهي الدولة التي رغم غناها بمعدن النحاس باتت أول بلد أفريقي يعجز عن سداد ديونه بعد أزمة وباء كورونا.
ويصل خط سكة الحديد إلى المحيط الأطلسي في ميناء لوبيتو في أنغولا، التي زارها بلينكن أيضا ووزير الدفاع لويد أوستن، حيث سمي المشروع على اسم الميناء ويعرف بـ”ممر لوبيتو”.
ويجري الحديث عن امتداد الممر من أنغولا إلى تنزانيا نحو المحيط الهندي، ليحقق تواصلا بين دول الجنوب والشرق الأفريقي، وليكون مشروعا مضادا لمبادرة “الحزام والطريق” التي تربط بين الصين وأوروبا عبر موانئ شرق أفريقيا في كينيا، مرورا بالبحر الأحمر وقناة السويس المصرية، وصولا للدول الأوروبية.
ويهدف هذا المشروع بحسب الباحث حكيم نجم الدين في مقال له بالجزيرة نت، إلى الربط بين الصناعات الأميركية والمعادن الإستراتيجية والحيوية في أفريقيا، مثل: الكوبالت، والليثيوم، والنحاس، والألمنيوم، والمنغنيز، والتي تعدّ ضرورية للصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المكثفة، ولتأمين المعادن الإستراتيجية التي تحتاج إليها لتشغيل أنظمة الأسلحة المتطورة، وتكنولوجيا الطاقة المستدامة.
وبحسب كلمة لبايدن في أنغولا، فقد استثمرت الولايات المتحدة ما يقرب من 4 مليارات دولار على طول “ممر لوبيتو”، كما يصل هذا الرقم إلى 6 مليارات عند إضافة التمويل الأوروبي، وتمويل مجموعة الدول السبع الصناعية.
كما أعلن بايدن أن الولايات المتحدة ستستثمر ما يقرب من 600 مليون دولار في استثمارات إضافية لتوسيع البنية الأساسية الزراعية، وبناء شبكات الهاتف المحمول عالية السرعة، ومواصلة تحديث خط سكة حديد لوبيتو، ومن جانبها قدمت مؤسسة تمويل التنمية الأميركية قرضًا بقيمة 550 مليون دولار لتجديد شبكة السكك الحديدية.
ترحيب أفريقي
ورغم الأهداف الأميركية الواضحة في استغلال الثروات الأفريقية، فإن هذا المشروع لاقى ترحيبا كبيرا من الدول الأفريقية التي يمر بها، وهي كل من أنغولا، والكونغو الديمقراطية، وزامبيا، وتنزانيا، وهي الدول نفسها التي شاركت في القمة الأميركية الأفريقية المصغرة التي استضافتها أنغولا خلال زيارة بايدن الأخيرة.
فقد أشار رئيس أنغولا جواو لورينسو، إلى الأهمية الإستراتيجية لممر لوبيتو، بمينائه وخط سكة حديد بنجويلا، والذي كان في سبعينيات القرن الماضي أحد أكثر خطوط السكك الحديدية ربحية على مستوى العالم، من خلال نقل 3.3 ملايين طن من البضائع سنويا.
في حين أشار رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، إلى أن تصميم هذا الخط الحديدي الذي يربط مناطق التعدين في بلاده بكل من زامبيا وميناء لوبيتو، يهدف لنقل ما يصل إلى 20 مليون طن من البضائع سنويا بحلول عام 2030، وسيوفر نحو 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، فضلا عن تعزيز التبادل التجاري داخل أفريقيا، بما يتماشى مع أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063، علاوة على تقليل مدة النقل من ما يزيد على 30 يومًا إلى 10 أيام فقط.
أما رئيس زامبيا هاكيندي هيتشيليما، فأشار إلى أن الممر أمر جيد لمجموعة دول جنوب أفريقيا للتنمية “سادك” ومجموعة شرق أفريقيا، كونه ممرا عابرا للقارات، ويمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، حيث تكون نقطة النهاية هي تنزانيا.
موقف ترامب
ورغم كل هذا الترحيب الأفريقي، يبقى السؤال مطروحا حول وقع موقف ترامب من المشروع، خصوصا أن المرحلة الثانية لتنفيذه بين الكونغو وزامبيا ستبدأ عام 2026، أي خلال العام الثاني لحكم ترامب، هذا عدا عن تنفيذ المرحلة الثالثة بين زامبيا وتنزانيا.
يرى خبراء في العلاقات الأميركية الأفريقية، أن ترامب بالأساس رجل أعمال، وسيواصل دعم هذا المشروع لعوائده الكبيرة على الاقتصاد الأميركي، فضلا عن أنه مشروع منافس للصين، التي يعتبرها ترامب “العدو الاقتصادي الأول لواشنطن”.
وسيستغل ترامب هيمنة حزبه الجمهوري على الكونغرس بمجلسيه، عدا عن توافق نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي على ضرورة تطويق النفوذ الصيني عالميا، وربما تكون أفريقيا أحد مجالات عملية التطويق هذه.