نساء يروين تجاربهن.. كيف تغيرت حياتهن بعد أداء فريضة الحج؟
نساء يروين تجاربهن.. كيف تغيرت حياتهن بعد أداء فريضة الحج؟
بيروت – الحج فريضة من الله سبحانه وتعالى يكمل بها المسلم أركان الإسلام الخمسة، يشتاق إليها الحجاج كل عام لأداء مناسكها والفوز بالرحمة والغفران، ويعود الحجاج من الحرمين الشريفين حاملين معهم أجمل المشاعر.
“الجزيرة نت” التقت عددا من النساء المسلمات اللاتي استعدن ذكريات الحج في سنوات سابقة، والمواقف التي لا تنسى، وكيف تغيرت حياتهن بعد أداء الفريضة.
جو إيماني رائع
جومانة الحج (في أواخر العشرينيات) قررت دراسة الشريعة الإسلامية، وتذكرت الحج وما فيه من مواقف لا تنسى أبدا، حيث قالت “الحياة كلها مجموعة من المواقف، يتعلم ويستفيد منها الإنسان، وفي الأيام القليلة التي قضيتها في الحج تعلمت الكثير”.
وتتذكر جومانة عندما حجت لأول مرة ضمن حملة للحج -منذ سنوات- ولم تتوقع هذه المشقة، رغم الإمكانات المتوفرة، ولم تتوقع أنها ستفتقد فراشها الوثير والطعام المعتادة عليه؛ لتعيش أياما في جو آخر غير الذي اعتادت عليه.
صبرت وتحملت الجو الحار والزحام الشديد برضا لتكسب الأجر والثواب من عند الله، “ما يسليني أنني كنت وأخوات لي في الحملة نتعاون ونقوم ببعض الأعمال سويا ونصلي جماعة في جو إيماني رائع”، كما تقول جومانة.
وتنصح كل من يريد أن يحج بالتصدق عن حقوقه المعنوية، ويسامح كل من أساء إليه، ويتصدق بذلك إرضاء لله عز وجل، فهذا يولد شعورا رائعا يجعل المرء دائما في حالة فرح وسرور دائم، وشعور مسبق بقبول الله عمله، مع ضرورة أن يطلب الصفح من الناس، وأن يردّ الحقوق والمظالم لأصحابها إن وجدت.
ولدت من جديد
وفي يوم عرفة، تجلت نعمة من أعظم النعم، وهي مغفرة الله سبحانه وتعالى؛ فالإنسان يستطيع أن يستشعر مدى الراحة والطمأنينة التي يشعر بها عندما يعلم أن الله سبحانه وتعالى يباهي به ملائكته ويكرمه بالمغفرة ويرجعه كما ولدته أمه؛ عندها تهون كل الصعاب.
وتصف مشاعرها “شعرت بأنني ولدت من جديد، وأن ذنوبي غسلت جميعًا، وشعرت بأنني بربوة في الجنة، وأنتظر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ومرات تخيلت أن الصحابة يحجون معي، وأنني ربما أرى بعضهم بجواري، فأنا أستشعر ما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم عند تأدية المناسك”.
وبعد حجها، قررت جومانة إكمال دراستها في مجال الشريعة الإسلامية، ولبست النقاب الشرعي، وتؤكد “أنا الآن مرتاحة جداً لما منّ الله عليّ من الهداية، وأعيش سعادة نفسية عميقة وراحة تامة”. وهي حالياً أستاذة في المعهد العلمي لإعداد معلمات القرآن الكريم وعلومه.
الحج غيّر حياتي
ترجع الحاجة هند سلام بذاكرتها للوراء، لموسم الحج الأول لها، حيث عاشت لحظات ساحرة وفريدة، “لا تتكرر إلا في هذا المكان المقدس”.
وترى أن الحديث عن مكة المكرمة لا تكفيه كل الأحرف والسطور لرسم جماله، ولن تعكس سحرها الحقيقي، وأهميتها الجليلة؛ كونها مسقط رأس أشرف الخلق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولها مكانة خاصة في قلبها، وتصف لحظة دخولها المسجد الحرام بأنها تجربة روحانية ساحرة.
ففي المرة الأولى التي حجت فيها تملكتها الرهبة، حتى إذا ما رأت الكعبة أجهشت بالبكاء، ودعت الله كثيرا واستغفرته طويلا، “رؤية الكعبة للمرة الأولى عن قرب تمنح الإنسان شعوراً لا يمكن وصفه، تمتزج فيه نبضات الفرح بعظمة المكان”.
وزيارة بيت الله الحرام تطفو دائماً على ذاكرة حياتها، فترغب في زيارتها مرارا وتكرارا، وتقول “الحمد لله زرتها للمرة الثانية، وأستعد حالياً لرحلة الحج للمرة الثالثة، وكوني امرأة لم أتعرض لمضايقات أو مواقف مهينة، إنما شعرت بالتعامل بالحسنى والاحترام والتقوى”.
الحجّ غيّر الكثير في حياتها ونفسيتها، صارت أكثر هدوءا وإيماناً وراحة، ونسيت كل أحزانها وهمومها، وأفضل ما يعود به الحاج هو حالة الصفاء النفسي والتوازن المزاجي التي تسيطر عليه خلال رحلته إلى الحج، فالإنسان يتخلص من كل همومه حتى ولو كان التخلص مؤقتا. كما تقول الحاجة هند.
سلام ونقاء وطهارة قلب
الحاجة لينا يافوري مهندسة معمارية وأستاذة محاضرة بإحدى الجامعات ترى أن الحج رحلة إيمانية، بكل ما فيها من مشقة وصعوبات، وتعد الحل لإعطاء الراحة النفسية، فهذه العبادة إذا قام بها الإنسان بشكل صحيح تقوم بتفريغ الشحنات السلبية وإعادة الشحنات الإيجابية.
وتضيف “حين وصلت البيت الحرام لم أصدق نفسي، لم ولن أنسى لحظة رؤيتي الكعبة المشرفة للمرة الأولى في حياتي، تملكتني رهبة وجلال”، وتكمل الحاجة لينا “المسجد النبوي الذي يحتضن قبر الرسول عليه الصلاة والسلام له أهمية كبيرة في قلبي وقدسيته تدفع للبكاء، والشعور بسلام داخلي ونقاء وطهارة القلب”.
رحلة عمر سأكررها
وتوضح أنها كانت تجربة مثالية بكل المعايير، إنها رحلة مقدسة يهون في سبيلها كل شيء، وترى أن التكلفة الباهظة التي يدفعها الحاج لأداء مناسك الحج مقابل الرحلات المنظمة غير مبالغ فيها، لأنها تمنع حدوث أي مضايقات قد تتعرض لها المرأة في الزحام، ومن الناحية الصحية والجسدية.
وتقول يافوري “رحلة عمر سأكررها إن شاء لله العام المقبل، وهي ليست رحلة روحية فقط، بل ذات أبعاد مختلفة تنعكس على طباع الشخصية والسلوك، ولها منافع عدة؛ فعلى سبيل المثال أقلعت عن التدخين بعد أداء فريضة الحج، وتحسّن سلوكي إلى الأفضل”.
ومن ضمن المواقف الإيمانية التي تتذكرها أن الحجاج -وهم بالملايين- على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولهجات بلدانهم يتحدون عند نداء التلبية ويتوحدون جميعا بصوت واحد “لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك”، وعندما يقرؤون القرآن الكريم تجمعهم اللغة العربية الفصحى.
الحج المشقة الممتعة
تؤكد الحاجة ثريا عرفات أستاذة الفقه وتعليم القرآن الكريم أن رحلة الحج من أجمل الرحلات التي يقوم بها الإنسان، لأنها تحمل فرحتين، ومنها فرحة الثواب يوم القيامة.
وتستذكر أول نظرة للكعبة وكيف انتابها شعور لا يوصف، ولما شاهدت الركن اليماني والحجر الأسود أدهشها المشهد المؤثر لجميع الحجاج وهم سواسية من فقراء وأغنياء في اللباس والدعاء والمناسك.
كما ذكّرها الحجر الأسود بقول الرسول الكريم عندما سئل: هل على النساء الجهاد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “نعم، جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة”.
الحج فيه مشقة ممتعة. فرحلته ليست للترفيه، بل لأداء مناسك وعبادات، وفيها معاناة وتقشف محبب للنفس، والثواب على قدر المشقة.