مقالات

نزار حسين يكتب:..(بروباغاندا)..عودة الروح إلى الشوارع الميتة!

 نزار حسين يكتب:..(بروباغاندا)..عودة الروح إلى الشوارع الميتة!

 

بعد عام ونصف العام من التوقف التام للحياة في أحياء أمدرمان القديمة بدأت نسمات صباح الأمل تعطر طرقها الخالية وتلثم العابرين بالترحاب، ورغم أنك حين تدخل للمرة الأولى إليها بعد انقطاع طويل، تشعر بالرهبة، ذات الرهبة التي تأتيك وأنت تمر بالمقابر، إلا أن إحساساً

بالأمل ينزل على قلبك فجأة وأنت تسمع أصوات المحقق (كونان) و(تاليتابيس) وأغنيات (MB3) و(CN) تخرج من بين الأزقة لتعلن وجود أطفال في هذا البيت أو ذاك. وحين تجد في على الطريق الرئيسي حافلة تقف لبعض

المنتظرين مواصلات المهداوي، الثورات، صابرين، وحين تمر بجانب مجموعة من الشباب والمعاشيين، معاً، يتبادلون أطراف الحديث تحت شجرة ما، مما تبقى من تلك الأشجار القديمة التي عاشت لعقود في هذه الأحياء التاريخية، يحتضنك الأمل!

ويزيد أحساسك بانتهاء الحرب فعلياً حين ترى ابتسامات العودة والنصر بعد الصبر، في وجوه مجموعة من الجارات الخارجات من محلات سوق الشجرة، بأبروف أو اللاتي يناقشن باعة الفاكهة في فرق السعر غير المقبول

بعد أن بدأت المحلات تتعدد ليفتح باب التنافس بين التجار، فإلى عهد قريب لم يكن بمقدور أحد أن يسأل عن سعر أي سلعة لندرة محلات البيع وانقطاع وسائل المواصلات إلى محلية كرري المصدر الوحيد للسلع الاستهلاكية!

الآن اختلف الوضع في أمدرمان القديمة، بدأت الحياة تدب في أوصالها، مناطق أبروف، الهجرة، ود نوباوي، القلعة، ود البنا، بيت المال والشهداء..

صارت هذه الأحياء الآن رمزاً لانتهاء الحرب لأنها أولى المناطق التي شهدت الحرب الحقيقية كما شهد أهلها المرابطين فيها منذ بداية الحرب وحتى اليوم وكما

 

شهدت معالمها بذلك فالبيوت تحكي كل الأحداث لكأنك ترى في كل زاوية قتيل، وعلى كل ناصية جثة..!
تنبؤك العمارات المائلة والأبواب المفتولة والمكسورة والسيارات المحترقة والأسقف المنهارة، عن حجم المعركة

التي كانت والتي تسببت في نزوح ما يفوق المائة وثلاثة وخمسين ألفاً من سكان هذه الأحياء غير العدد الكجهول من الذين هاجروا إلى الولايات والى خارج البلاد..!
الوضع الآن اختلف تماماً حيث باح الضوء في كل مكان

وسرت المياه في الحنفيات من جديد ونظِّفت الطرق وأزيلت تراكمات النفايات من عليها، وبدأ الناس يستأنفون حياتهم التي توقفت جبراً وقهراً..!

هذه القلوب التي بكت دماً، بدأت الآن تضخ دمها في المدينة لتحييها، فلوحات التكافل والتوحُّد التي تشكلت بحبر (التكايا) المنتشرة في كل مكان، توثق لأعظم قصة اتحاد في تاريخ الإنسانية..!

 

هؤلاء الناس صنف آخر.. هذا الشعب خامة فريدة، ومعرضٌ غريبٌ من الإبداع الربَّاني المتشكل في سريانية إنسانية فلكلورية سودانية لا تقبل المقارعة!ّ!

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى