مقالات

مولانا الفاتح بشير الوسيلة الماحي يكتب :غياب هيئة الاتهام عن جلسة محاكمة قادة انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م

مولانا الفاتح بشير الوسيلة الماحي

غياب هيئة الاتهام عن جلسة محاكمة قادة انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م

المقاصد والدلالات
ما اعتدنا أن نعلق علي امر قيد النظر أمام القضاء، بيد أن إصدار هيئة الاتهام لبيان للرأى العام نوضح فيه اسباب غيابها عن الجلسة فتح الباب علي مصراعيه للتعليق عليه، ولأن العديد من غير المشتغلين بالقانون تسألوا عن ما المقصود بهيئة الاتهام هذه؟
حتي يشكل غيابها خبر اول في وسائل الإعلام!
وللتوضيح سوف اتناول في خلاصة المراحل التي تمر بها الدعوي الجنائية.
تسلك الدعوي الجنائية للوصول للحكم بجبر ضرر المدعي به، مراحل تبدا بتقديم عريضة لدي النيابة أن كانت الدعوي مما لايجوز إقامتها الابعلم النيابة، حيث أن هناك دعاوي لاتحتاج لذلك وتقام أمام الشرطه مباشراً، وذلك لطبيعتها التي تتعلق بالضبط العام أو حفظ الأمن والسلامه العامه.. واوجب القانون أن النيابة تأخذ بها علما خلال اربعة وعشرون ساعه. وللتفريق بينهما سماها المشرع بالجرائم التي يجوز القبض فيها بدون أمر.
والنيابة في الحالتين تتولي الإشراف علي اجراءات التحري وتصدر فيها من التوجيهات والأوامر ما يساعدها في الوصول الي البينات التي تمكنها من بناء قناعاتها في إزالة الشبهة عنها والدفع بالدعوي الي المحكمة بعد توجيه الاتهام للمشتبه بهم.
والقانون منح النيابة سلطة الظهور أمام المحكمه وتولي الادعاء فيما ذهبت به من اتهام، وهي هنا يمكن أن تظهر منفرده بظهور وكيل واحد للادعاء ويسمي ممثل الاتهام، أو أن تظهر في شكل مجموعة وهنا تسمي هيئة الاتهام.
ولهيئة الاتهام أن تقدم ماتوصلت إليه من بيانات وادله وقرائن في الدعوي للقاضي بالمحكمة.. وبالمقابل للمتهم هنا الحق في تكليف محامي أو مترافع عنه وهنا يسمي ممثل الدفاع أو تكليف عدد من المحامين ويقال عليهم هيئة الدفاع،
وتتولي في هذه المرحلة المحكمة ذلك بتدوين الدعوي وفحص البيانات من خلال إتاحة الفرصة للأطراف ادعاء أو دفاع أو ما تقدمه هي من اسئله واستفسارات،
والفصل في الطلبات التي يتقدم بها أي من الأطراف بعد إتاحة الفرصة للطرف الآخر بالرد عليها وسماع التعقيب من مقدم الطلب، وفي هذه المرحلة يكون المتهم الذي تقدمت به النيابة أو الاتهام برئ في عقيدة المحكمة أعمالا للقاعدة الاوصولية والمضمنة في كل مواثيق حقوق الإنسان وهي أن المتهم برئ حتي ثبت أدانته.
لذا يتمتع بكافة حقوقه أمامها من الظهور بشكل يبين عدم تعرضه لأي أوضاع تؤثر علي اهليته في الاستماع لما يقدم من بيانات ضده حتي يتمكن من الرد عليها من خلال دفاعه، وتأكيداً علي هذه النقطة تطلب القانون من المحكمه أن تراقب سلوك المتهم، وإذا تبين لها ظهور أي شئ يتعلق باهليته أن توقف المحاكمه وان ترسله الي الطبيب ولاتعود للمحاكمة الأ بعد قرار الطبيب بقدرته علي متابعة المحاكمه.
والمحكمة في هذه المرحلة منحها القانون كل السلطات المتعلقه بضبط الجلسات وحماية الشهود ومنع آذدرائها أو تحقيرها أو اساءتها أو التذمر من قراراتها ومنع التأثير عليها ومنحها الحق في توقيع الجزاءات المناسبه التي تحفظ للمحكمة قدسيتها وهيبتها.
والقانون في السودان تأكيد لسياده المحكمة في نظر الدعوي لم يضع شروط لازمه لصحة انعقاد الجلسه كما في القانون المصري الذي يعتبر وجود النيابة أو الاتهام شرط لازم لقيام الجلسه.. لذا لا تقام حال غيابه.
والقانون في السودان عرف حضور وغياب الخصوم، والمحكمة صاحبة القرار في هذه الحاله.
ومن هنا يمكننا أن نجيب علي السؤال الذي دهش له الرأي العام حول تأجيل محاكمة الانقلابين لغياب هيئة الاتهام.
فمن الجائز جدا أن يتغيب احد الخصوم ويلتمس له الطرف الآخر العذر او يتمسك بحقه في استمرار الجلسة فتتدخل المحكمة باعمال مالديها من قواعد أو تعمل قيم العداله بايقاف الجلسة وتأجيلها وهو يحدث في الممارسة العملية دوما، وحينما قبلت المحكمة التأجيل لغياب الاتهام رغم رفض هيئة الدفاع وجاء في تبريرها أنها تقبل التأجيل لعدم غياب الاتهام من قبل.
بيد أن الاتهام اتي بجديد غير مسبوق عليه وهو إصدار بيان يتهم فيه المحكمة نفسها بارتكاب العديد من المخالفات كما سماها في بيانه وأنه امتنع قصدا من الحضور لتقدمه بطلب يتضمن هذه المخلفات لرئيس القضاء.
ومن المؤسف أن هذا الإجراء غير المسنود بأي قانون
يدخل مباشراً تحت بند التأثير علي سير العداله، ويفهم منه:
1/إذ أن التلويح بالتوقف عن الظهور احتجاجاً علي المحكمة( مع انها محكمه خاصه) وذلك للتقدم بطلب لرئيسها قصد منه الطعن في عدالتها.
2/اصدار بيان للرأي العام بدلا من تقديم الطلب أمام المحكمه الغرض منه جعل هذه المحاكمة سياسية من الدرجة الأولي، لأن الاتهام يعلم إذا تكرر غيابه سوف تنتهي الدعوي لامحالة لتخلي صاحب الخصومة عنها علي عكس الحال عند انسحاب الدفاع فإن المحكمة ملزمة بمنح المتهم الفرصة في إحضار من يتولي الدفاع عنه لقيام الخصومة من المدعي.
3/وإصدار الاتهام لبيان للرأي العام يفهم منه تهيئة الرأي العام وتعبئته ضد أي حكم إيجابي قد يحصل عليه المتهمين في هذه المحاكمة وإرسال إشارات سالبه تقدح في نزاهة الحكم أوبالاحري القرارت التي أصدرتها المحكمة في اي طلب تقدم به الدفاع.
4/في كل الأحوال أن مسلك الاتهام هدم كل مقصد نبيل للمحكمة في تأجيل الجلسة لغيابه رغم عدم وجود نص يجعل من وجود الاتهام شرط لازم لصحة انعقاد الجلسه.
5/مثل هكذا بيانات في تقديري سوف تخلق زعزعة في نفوس المتهمين، وربما تهز ثقتهم في أي قاضي قد يتوالي النظر مستقبلا في هذه الدعوي حال قبول رئيس القضاء لطلب الاتهام .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى