مقالات

مولانا الفاتح بشير الوسيلة الماحى يكتب : هل الوضع السيادي لوزارة العدل منحه من ساطع الحاج؟ ام انه استحقاقاً دستورياً وقانوني ؟؟

هل الوضع السيادي لوزارة العدل منحه من ساطع الحاج؟
ام انه استحقاقاً دستورياً وقانوني ؟؟

*مولانا الفاتح بشير الوسيلة الماحى*

ساطع الحاج، محامي وقانوني، وهو رئيس الحزب الناصري تيار العدالة الاجتماعية، وعضو اللجنة القانونية للحرية والتغير .
قناعاتي انه بما قدمه من جهد في بناء الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، يتضح تماما انه لايملك المعرفة الكافية لبناء الدساتير، وخير شاهد علي ذلك ماتعرضت له الوثيقة الدستورية من انتقادات حاده منذ الوهلة الاولي للاعلان عنها، ولم تترك هذه الانتقادات شاردة ولا واردة في هذه الوثيقة الا وتناولتها، مما كان سببا في ان تظهر نُسخ اخري للوثيقة الدستورية تحاول معالجة ما رأته القوي السياسية من تصويبات او استدراكات لِما كان ينبغي ان يكون موجوداً في الوثيقة، بل حدث تدخل فيها حسب تصريحات الدكتور ابراهيم الأمين، والسيد نصر الدين عبدالباري وزير عدل حكومة الدكتور عبدالله حمدوك الانتقالية .
واحسب ان الرجل قد دفع ثمن عدم معرفته هذه ثمناً غالياً، وهو فقدانه موقعه القيادي داخل حزبه الناصري، ما دعاه لتكوين حزب اخر جديد، وتبددت احلامه في تولي اي منصب دستوري .
وبهذه القناعة ماكنت لأتعرض لاي رأى يقوله حول بناء الدستور القادم ..
بيد انه هذه المرة كشف عن رأى وهو واحد من المأخذ علي الوثيقة الدستورية للعام 2019م السارية الان، وهو المتعلق بتجاوز النص علي وزارة العدل ضمن الاجهزة العدلية ..
وهو أمر كان ومايزال مستغرباً لدي المستشارون بوزارة العدل ويشاطرهم في هذا فقهاء القانون، الذين كتبوا حول هذا الامر العديد من المقالات والمداخلات في المواقع والمنتديات التي تعرضت له، وكان قد كشف عن هذا الرأى عند مشاركته في حلقة من برنامج ( حديث الناس) والذي تبثه قناة النيل الازرق الفضائية ..
وقد ذكر هذا الرأى عند رده علي سؤال من الدكتور الخبير شهاب الدين يوسف، الذي قدم له ملاحظته حول عدم تضمين وزارة العدل ضمن الاجهزة العدلية في مقترح مشروع الوثيقة الدستورية، التي قدمتها اللجنة التسيرية لأتحاد المحامين السودانين المنتهية ولاياتها بقرارات السيد القائد العام في 25/ اكتوبر/202‪0م، فجاءت اجابته علي النحو الاتي :
( كنت عايز اقول وزارة العدل هي جزء من الجهاز التنفيذي، وزارة العدل ليست سلطة قائمة بذاتها، مثلاً ذي السلطة القضائية او السلطة التشريعية، هي جزء من الجهاز التنفيذي وهي ليست سلطة مستقلة او شبه مستقلة ذي النيابة العامة او ذي المحاماة، عشان نشير ليها، يجب ان نعلم هي جزء من السلطة التنفيذية وجزء من الجهاز التنفيذي ولذلك يتم الاشارة للجهاز التنفيذي بشكل مكتمل مهامه ومايؤديه )
ولطالما جاء هذا الحديث في منبر للرأى العام ويشير الي تبني ذات الاتجاه السابق في تجاوز وزارة العدل في مشروع الوثيقة الدستورية، بغض النظر عما اذا كان سيأخذ بها ام تبقي في حيز المبادرة، وكذلك لأن صاحب هذا الرأى تحدث بلغة تحمل عبارات الأنا مثل :
(عشان نشير ليها) بما يفهم منه انه ممن اعدوا هذه الوثيقة..
فأجد من الواجب ان اعلق علي ماذكره الاستاذ ساطع من حجة يعتقد انها كانت كافية لإسقاط وزارة العدل عند ذكر الاجهزة العدلية في الوثيقة الدستورية، وايضا في المشروع المطروح للتداول حاليا..
واعتقد ان حجته هذه لاتقوم علي اي مبدأ من المبادئ التي يستهدي بها بناء الدساتير..
واخشي ان تكون نابعة من التمترس في مربع الولاء المهني، والا فما هي الحجة التي تجعل المحاماة التي ينتمي اليها جهاز عدلياً، ووزارة العدل لا.!!!؟؟
ومما يدعو للدهشة ان السبب الوحيد الذي استبعد به وزارة العدل هو انها ضمن الجهاز التنفيذي، حسب زعمه ولا ادري متي كانت وزارة العدل ومنذ تأسيسها خارج الجهاز التنفيذي، فهي لم تكن فى يوم من الايام خارج الجهاز التنفيذي، ورغم هذا وعبر تاريخها الممتد كانت جهازاً عدلياً وداخل الجهاز التنفيذي مصنفة داخل القطاع السيادي، ولم يتأثر تصنيفها هذا اقترن بها النائب العام او ابتعد عنها، وحتي بعد ان ذهبت منها النيابة فى عام 2017م والتي كانت تمثل ادارة واحدة من بين ادرات وزارة العدل التي تتجاوز سته عشر إدارة متخصصة، بالاضافة للادارات القانونية بالولايات كلها تعمل في مهام قانونية بحته، ولم يحدث في تأريخ السودان عبر كل عهوده ان نازعها احداً في انها ضمن الاجهزة العدلية لانها من المسائل المسلم بها، رغم اخذ السودان بذات التقسيم الذي يقوم علي مبدأ الفصل بين السلطات، السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، مما يجعل استدلاله بانها ليست سلطة مستقلة مثل السلطة القضائية، او شبه مستقلة مثل النيابة، او مستقلة مثل المحاماة..
يغالط ثبات وجة النظر التي استقرت في تصنيف الاجهزة العدلية علي اساس المهام والاختصاصات، وما يترتب علي نفاذ تلك المهام من سلطان، وهو المعيار المأخوذ به حتي في ظل العمل بمبدأ فصل السلطات..
ومن ثم كانت الوزارة هي صاحبة الاسم الذي تندرج تحت بقية الاجهزة، اذاً كيف يستقيم ان تكون وزارة للعدل، ولاتكون ضمن الاجهزة العدلية؟؟
وندلل علي ذلك ان طبيعة عمل الوزارة الأصل ومهامها قانونية بحته، فهي قد عرفت بأنها محامي الدولة، ومستشارها القانوني، دون غيرها من الاجهزة الاخري، واذا كانت بهذه الصفة وهي كذلك لاحظ محامي..
فكيف لاتكون جهاز عدلياً وتكون المحاماة جهاز عدلي!!
وهي في هذا تقوم بأبرام العقود، وتعمل علي دراسة الاتفاقيات، وابدأ الرأى حولها، ثم صياغتها واصدار الشهادة الدالة علي الصياغة، وهي التي تعمل علي صياغة مشاريع القوانين ودراستها في إدارة التشريع، واصدار الشهادة الدالة علي صدور القانون، بل هي التي تتولي نشر الجريدة الرسمية للدولة، وهي التي يعلن فيها عن الاوامر والتعليمات والتصرفات وصدور القوانين واعتماد الاتفافيات، والتي ان تخلف الإعلان عنها في الجريدة الرسمية لا ترتب اثراً علي الكافة، بما في ذلك القوانين وفقا لقانون تفسير القوانين، وهي التي تمنح الاجازة للعمل في المهن القانونية عبر اجراء امتحانات تنظيم مهنة القانون..
ولايستطع اي قانوني ان يلتحق بأي مهنة اوعمل ذا طبيعة قانونية دون الحصول علي هذه الشهادة..
وهي تملك سلطة إبرام وتوثيق العقود لاجهزة الدولة، وتمثيل اجهزة الدولة امام المحاكم بكل درجاتها، وهي من يفوض هذه السلطة لأى من المحامين او غيرهم، بل لايستطيع اي شخص (طبيعي او إعتباري) مقضاة اجهزة الدولة او موظفوها الا بعد اخذ الأذن من وزير العدل، وكذلك لايتم التنفيذ ضد اجهزة الدولة الا بعد اخطار رئيس القضاء ووزير العدل، وهي ايضا عبر ادارة العون القانوني تقدم خدمة التقاضي والترافع عن من لاتسعفه احواله الاقتصادية توفير محامي للظهور الي جانبه، ويتم ذلك امام جميع المحاكم، وهي تقدم هذه الخدمة مجاناً، وهي خدمة لاترتبط بأعمال الدولة بل تتعلق باصحاب المصلحة من المواطنين، ولايقتصر الأمر علي ذلك بل رتب القانون علي ضرورة ان تخاطب المحكمة وزير العدل لتقديم هذه الخدمة في القضايا الكبري، خاصة التي يحاكم فيها بالاعدام، وفاءاً لحق دستوري للمتهم في تحقيق المحاكمة العادلة..
ويذكر هنا ان وزارة العدل عبر ادارة حقوق الانسان تقوم باعداد التقرير الذي تقدمه الدولة امام مجلس حقوق الانسان، وهي من تتلقي الشكاوي عن اي ادعاءات بانتهاكات حقوق الانسان، وهي نقطة الارتكاز التي ترجع لها المنظمات العاملة في هذا المجال، وكذلك هي نقطة الارتكاز في مجال مكافحة الاتجار بالبشر، ومن السلطات التي منحها القانون لوزير العدل الي جانب تنظيم مهنة القانون، هي تسجيل الجماعات الثقافية والفنية والتجارية وأصحاب الإبداع الفكري، وأصحاب العمل والإنتاج الزراعي والحيواني، لذا فهو المسجل التجاري العام وهو يتضلع بتسجيل الشركات واسماء الاعمال والشراكات، ويمنحها الشهادات الدالة علي ميلادها، ولا تعتبر هذه الشركات قائمة الا بعد استلامها لهذه الشهادة، وكذلك هي المسجل للملكية الفكرية، واصحاب العمل، وهي التي تكون النقابات والاتحادات وأصحاب الحرف، وتمنح الشهادات التي تثبت صحة وسلامة تكوينها..
ومن طبيعة الأعمال القضائية التي تقوم بها، التحكيم بين اجهزة الدولة وفقاً لأحكام لائحة التحكيم التي يصدرها وزير العدل، والي جانب دورها في صناعة القوانين فهي تضلع بدور تشريعي بالاشتراك مع رئيس القضاء ووزير المالية ووزير الداخلية والنائب العام بعبارة التشاور مع وزير العدل، فضلا عن عضويتها في مجلس القضاء العالي، حالياً المفوضية القضائية ومجلس النائب العام، ورقابة توثيقات المحامين والتي يفوضهم بها رئيس القضاء، وهي علي المستوي الدولي في المجال القانوني النظير لكل وزارت العدل ونقطة التواصل معهم، كما انها تقوم باجراء التحقيق في المسائل التي تتعلق بالشأن العام..
ولعل ما دعي الدكتور شهاب ان يتسأل عن تغيّب وزارة العدل عن مشروع الدستور معتبراً ذلك قصوراً فات علي اصحاب هذه المبادارات وجود اَلية تتمتع بثقة الأطراف تستطيع تجميعها ودراستها..
لعلمه بأن بوزارة العدل إدارة قائمة بذاتها، هي إدارة شئون الدستور مهمتها نشر الوعي بثقافة بناء الدستور عبر الورش والندوات العلمية، وتدريب الافراد، ونشر المعرفة..
واخيراً فأن الرأى الذي يستند على ان استبعاد وزارة العدل بناءاً علي وجودها ضمن الجهاز التفيذي، لم يراع طبيعة العمل الذي تضلع به ولم يأخذ في الإعتبار أن الجهاز التنفيذي نفسه يعتبر بعض وزاراته ذات طابع سيادي، حيث يقسم الوزارات الي وزارات سيادية وخدمية واقتصادية، وعلي هذا التقسيم رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء، كيفما كانت الجهة التي تتولي ادارة رئاسة الحكومة المراسم المحددة للمهام والاختصاصات، فضلاً عن أنها وزارة قومية تعبّر عن كل قيّم اهل السودان، والاستغلالية المقصودة هي التي تتعلق بأداء مهامها، لا ان تكون جزيرة معزولة .

Jamal Kinany

صحيفة العهد اونلاين الإلكترونية جامعة لكل السودانيين تجدون فيها الرأي والرأي الآخر عبر منصات الأخبار والاقتصاد والرياضة والثقافة والفنون وقضايا المجتمع السوداني المتنوع والمتعدد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى