( موازنة 2023م) .. تحديات كبيرة وبشريات خجولة
حملت الموازنة العامة للدولة للعام 2023م تحديات كبيرة و بعض البشريات الخجولة، بجانب جملة من الأهداف الكبيرة في مقدمتها تحسين معاش الناس وبناء رأس المال البشري من خلال زيادة تخصيص الموارد اللازمة لقطاعات التعليم والصحة والتأمين الصحي وخدمات الصرف الصحي ومياه الشرب بجانب دعم صغار المنتجين بما يؤمن وفرة وسلامة الغذاء المستدام للمجتمع ، كما تستهدف الموازنة دعم وبناء دولة القانون من خلال تطبيق حوكمة وضوابط المؤسسية والشفافية والمساءلة والمحاسبة والرقابة علي المال العام.
وتهدف موازنة العام ٢٠٢٣م لخفض معدلات الفقر والبطالة وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص فضلاً عن تطبيق تقانة المعلومات والحوكمة الإلكترونية، وحشد الموارد المحلية عن طريق رفع معدل الجهد المالي والضريبي في الناتج المحلي الإجمالي الي المستويات الاقليمية.
بشريات الموازنة الجديدة
وحملت الموازنة الجديدة للعام 2023م بشريات خجولة من بينها زيادة مظلة الدعم الاجتماعي للأسر الفقيرة الي (100) ألف أسرة من أربعين مليون نسمة ، وزيادة الصرف التعليم والصحة والمياه بنسبة أقل من (10%)، بجانب زيادة الصرف علي التنمية وتنفيذ المشاريع التنموية والخدمية لأول مرة منذ سقوط نظام البشير، فضلا عن توفير فرص عمل جديدة بالقطاع العام، وتدريب الكوادر البشرية، وتطبيق نظم الحوكمة وأحكام ولاية وزارة المالية علي المال العام ومنع تجنيب الإيرادات، وتوسيع مظلة الضرائب أفقيا بادخال ممولين جدد في المظلة الضريبية دون زيادة الفئات الضريبية، والاعتماد على الموارد الذاتية، بجانب خفض معدلات التضخم والفقر والبطالة .
تحديات الموازنة الجديدة
وتواجه الموازنة الجديدة للعام 2023م تحديات عدبدة في مقدمتها زيادة عجز الموازنة الي (1,4%) من الناتج القومي الإجمالي، وزيادة الانفاق العام للدولة الي الضعف اي أكثر (100%) في ظل شح الايرادات وضعف تحصيلها مقارنة بالعام الماضي، وتوقف قطاعات الإنتاج الحقيقي والصادر واحجام المستوردين عن الاستيراد، وتفاقم حالة الكساد بالاسواق ودخول الاقتصاد السوداني مرحلة الركود التضخمي، بجانب استمرار تعليق المساعدات الدولية.
ووصف خبراء اقتصاديون، الموازنة العامة للدولة للعام 2023م ، بأنها غير واقعية وغير منطقية ولن تصمد طويلا، ولن تنجح في تحقيق أهدافها بزيادة الإيرادات مهما فعلت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي نتيجة لمصاعفة الانفاق العام دون وجود إيرادات حقيقية، وفي وقت عجزت فيه موازنة العام الماضي عن تحصيل (3) تريليونات جنيه ، زاد الانفاق العام إلى اكثر من (8) تريليونات جنيه، الأمر الذي سيدفع بالحكومة الي اللجوء إلى الحلول السهلة بطباعة العملة لسد عجز الموازنة الجديدة في استمرار تعليق المساعدات الإنسانية الدولية، والعقبات التى تواجه الاستدانة من الجمهور بعد فشل تجربة شهادات شهامة والصكوك الحكومية.
حقائق وأرقام الموازنة الجديدة
و كان مجلس الوزراء قد أجاز في الاجتماع الذي ضم قطاعاته الثلاث الموازنة الدولة للعام 2023 م توطئة لاجازتها في صورتها النهائية بواسطة الإجتماع المشترك بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء.
وأوضح وزير المالية والتخطيط الاقتصادي ، ان الموازنة إهتمت بصورة اساسية بالرعاية الاجتماعية، وتحسين معاش الناس، والصرف على التعليم، الصحة والمياه بصورة كبيرة جدا. وأكد الوزير ان جملة الإيرادات في الموازنة قد بلغت( 7) ترليون و363 مليار جنيه، فيما بلغ الإنفاق العام( 8 ) ترليون و196 مليار جنيه، بنسبة عجز بلغ ( 1.4%) من الناتج المحلي الإجمالي.
ونوه الوزير الي ان الموازنة اعتمدت على الموارد الذاتية، مشيرا الي وجود دعم خارجي قليل من البنك الإسلامي للتنمية، مؤكدا سعي وزارته لزيادة الموارد من خلال التوسع في المظلة الضريبية بدلا عن زيادة الضرائب بجانب العمل على ضبط المصروفات بدرجة كبيرة.
ولفت الوزير الي تخصيص ( 722) مليار جنيه للتنمية حتى لا تتوقف عجلتها بالإضافة الجهد المبذول في الرعاية الاجتماعية بزيادة عدد الأسر المدعومة بزيادة 100 الف أسرة، وخلق( 90) الف وظيفة في القطاعين العام والخاص. وأضاف الوزير: ان الإنفاق على الصحة قد بلغ 14.7% فيما بلغ الإنفاق على التعليم 10.7% من المالية الاتحادية يضاف اليه أنفاق الولايات ليصل الي 20% من الموازنة، مؤكدا سعي الوزارة ليصل الإنفاق على التعليم والصحة الي 40% من الموازنة. وأعلن المضي في استقطاب الشراكات والمستثمرين للاستثمار في البنيات التحتية في الكهرباء والطرق، السكك الحديدية والموانئ والمطارات حتى تساهم في نقل الإنتاج من مناطق الإنتاج لمناطق التصدير، بالإضافة للعمل على زيادة الإنتاج الزراعي من حيث الكم والكيف.
زيادة الإنفاق العام
ويري دكتور أحمد آدم سالم الأمين العام السابق لديوان الضرائب والخبير المالي والاقتصادي، أن الإيرادات المقدرة لهذا العام (6,776 ) مليار جنيه (ستة ترليون وسبعمائة وستة وسبعون مليار جنيه)، علما أن الأداء الفعلى فى الانفاق العام للميزانية فى العام السابق 2022 كان بلغ( 3,674) مليار جنيه ، الأمر الذي يؤكد أن إيرادات هذا العام تزيد عن الإنفاق الفعلى للعام الماضى بمبلغ( 3,102) مليار جنيه بنسبة (85%)
واضاف دكتور أحمد آدم سالم: الإنفاق العام للموازنة الجديدة بلغ (8,367.3 ) مليار جنيه بزيادة 4,693.3 وبنسبة تتجاوز المائة فى المائة (128%) من الإنفاق الفعلى للعام الماضى.
استحالة تحصيل الإيرادات
واكد الامين العام لديوان الضرائب الأسبق، استحالة تحصيل وتحقيق. الزيادة الكبيرة في الإيرادات هذا العام، واضاف: هذه نسبة يصعب تحقيقها وارقاما يصعب تحصيلها وجمعها خاصة وأن أقصى نتائج سياسة التحرير ورفع الدعم وتحرير الدولار الجمركى وزيادة رسوم الخدمات العامة قد ظهرت وكانت وراء إرتفاع معدل الإنفاق الكلى فى العام الماضي
ومضي الي القول: حتى تتضح الصورة فإن الاداء الفعلى فى الإيرادات الذاتية فى 2020 كان مبلغ 262 مليار جنيه بنسبة 47% من الربط المخطط له وأن الأداء الفعلى للانفاق العام فى نفس العام بلغ 448 مليار جنيه ، وكان الأداء الفعلى فى الإنفاق فى 2021 مبلغ 1,412 مليار جنيه بنسبة أداء 57% من الربط المخطط له والبالغ 2,475 مليار جنيه
ونوه إلي أنه يلاحظ هنا ضعف الأداء فى تنفيذ الميزانية للعامين أعلاه والذى كان الأداء فيهما بالعجز من المخطط له
مع ملاحظة أن جملة الأداء الفعلي فى الإنفاق لعام 2022 بلغ (3,674 مليار جنيه) مقارنة بتقدير الإيرادات لهذا العام (6,776 مليارجنيه)، كما أن ربط الإيرادات المقدر لهذا العام يزيد عن جملة الأداء الفعلى للثلاثة سنوات الماضية والبالغ 5,534 بزيادة 1,242 مليار جنيه بنسبة 22%، مما يصعب مهمة تنفيذ هذه الموازنة وعدم تحقيق أرقامها المقترحة ويؤدى الى فشل الموازنة فى تحقيق أهدافها.
وأشار الأمين العام السابق لديوان الضرائب، الي أن وضع مقترحات الموازنة الجديدة تسترشد دائما بالاداء الفعلى لثلاثة ميزانيات سابقة والتى يتضح مما ذكر أعلاه أن إيرادات ومصروفات هذه الموازنة تفوقها مجتمعة.
واضاف: كان من الأوجب على وزارة المالية أن تقوم بقراءة أرقام الأداء الفعلى لتلك الاعوام السابقة وتحليل أرقامها وتحديد الانحرافات التى حدثت أثناء التنفيذ والعمل على معالجتها قبل تقديم مقترحات الموازنة الجديدة ، ولأن ذلك لم يتم عند وضع مقترحات هذه الموازنة جاءت أرقامها مضخمة فى الإيرادات وفى الانفاق العام (6,776 …. 8,367.3 مليار جنيه)
أرقام الموازنة غير واقعية
وأكد الأمين العام السابق لديوان الضرائب، أن هذه الأرقام الواردة بهذه الموازنة غير علمية ومن دون مرجعية وغير واقعية وغير منطقية ولا يمكن تحقيقها مهما اجتهدت وزارة المالية فى رفع الضرائب والرسوم لزيادة الإيرادات الذاتية مما يؤدى لتفاقم الأزمة الإقتصادية وزيادة الاختلالات الهيكلية وتعميق المؤشرات السالبة للأداء فى ملف الإقتصاد الكلى
وسترتفع بذلك معاناة المواطنين المعيشية وضعف الخدمات الأساسية
وستزيد معدلات البطالة وتتضاعف حدة الفقر وسط المجتمع، وذلك يعنى أن الخطة المالية والموازنة العامة لهذا العام كسابقاتها لن تتمكن من الإنفاق على التنمية والخدمات الأساسية ومشروعات البنى التحتية ولا تدعم الإنتاج وهى بذلك لم تأتى بالحلول المطلوبة للمشكلة الإقتصادية فى السودان
بل ستعمل على تعميقها أكثر وأكثر.
موازتة غير قابلة للتطبيق
وفي السياق ذاته وصف دكتور محمد النايرالخبير الاقتصادي، موازنة العام الجديد 2023م ، بأنها غير واقعية وغير قابلة للتطبيق ولن تصمد طويلا، وتواجه تحديات كبيرة في مقدمتها زيادة الإنفاق العام مقارنة بالاداء الفعلي للايرادات للعام الماضي الذي بلغ (2,8) ترليون جنيه، بينما زاد الي أكثر من (8) ترليون جنيه.
وتسأل دكتور الناير قائلا: كيف يمكن تحقيق إيرادات بهذا الحجم الكبير في الموازنة الجديدة اذا لم يتحقق المبلغ الصغير في موازنة العام الماضي، داعياً وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الي الكشف عن آليات سد عجز الموازنة الجديدة، ومن أين ستأتي بالايرادات في ظل توقف قطاعات الإنتاج الحقيقي وتراجع الاستيراد، وفشل أدوات الاستدانة من الجمهور ، واستمرار تعليق المساعدات الدولية ليصبح الخيار المتاح فقط لسد عجز الموازنة الجديدة هو الاستدانة من الجهاز المصرفي بطباعة عملة ، وبالتالي ستكون الموازنة الجديدة غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ مع إتساع دائرة عجزها المقدر بنحو (1,4%) من الناتج القومي الإجمالي.
ايجابيات الموازنة الجديدة
وأشار دكتور الناير الي أن الموازنة الجديدة للعام 2023م حملت بعض الإيجابيات بزيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والمياه، وتخصيص اعتمادات لتمويل المشاريع التنموية والخدمية لأول مرة منذ سقوط نظام البشير رغم قلة تمويلات مشاريع التنمية والتى تقل عن (10%) من إيرادات الموازنة حيث. تبلغ ( 722) مليار جنيه، وهي نسبة قليلة لن تحقق التنمية.
توسيع المظلة الضربية أفقيا
وفي السياق ذاته يري دكتور عبدالله الرمادي الخبير الاقتصادي، أن موازنة العام 2023م تواجه تحديات كبيرة، ولكنها حملت بعض الإيجابيات في مقدمتها توسيع المظلة الضربية أفقيا بزيادة عدد الممولين أو دافعي الضربية بادخال ممولين جدد بدلا عن زيادة الفئات الضريبية.
واضاف دكتور الرمادي: اتفق مع وزير المالية في الاتجاه نحو توسيع المظلة الضريبية بادخال ممولين جدد، فلابد من زيادة إيرادات الدولة في ظل زيادة الإنفاق العام، مع مراعاة عدم تأكل قيمة العملة الوطنية.
الجديد في الموازنة الجديدة
وفي السياق نفسه يري دكتور هيثم محمد فتحي الخبير الاقتصادي، أنه يمكن لا جديد في الموازنة الجديدة للعام 2023م ، وليست هنالك مؤشر بشير إلي أن هنالك بشريات للانتقال إلى مرحلة جديدة أو بشريات الاقتصاد السوداني بتجاوز الوضع الراهن.
واضاف دكتور هيثم: مافي أي حديث عن التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج والصادر ومعالجة المشاكل التي تواجه الاقتصاد السوداني، ولم تتحدث الموازنة عن آليات سد. العجز.
ومضى دكتور هيثم الي القول: كنت أتمنى أن تقوم بها الحكومة بتقديم موازنة واقعية تعكس الواقع الاقتصادي بالبلاد وتعالج التحديات الراهنة ، بجانب إشراك القطاع الخاص في إعداد الموازنة الجديدة.