من الحمام والكوارع إلى تايجر كنج.. لم كل هذا الهوس بخرافات الأطعمة المحفزة جنسيا؟
السكر، الشوكولاتة، التوابل بأنواعها، الكوارع، الحمام، الأكلات البحرية بتنوعاتها المختلفة وخاصة الجمبري والمحار، الفراولة، المكسّرات بأنواعها، وغيرها، ادخل إلى يوتيوب العربي الآن وستجد أن الأمر أكبر من مجرد معلومة، إنه نوع من الهوس الذي يتزايد يوما بعد يوم، كل الطعام تقريبا يوضع في قائمة من اثنتين، فإما أن يكون مقويا جنسيا وإما أن يكون مثبطا، مع آلاف النصائح من متخصصين وغير متخصصين حول الأمر.
أضف لذلك ثورة أخرى تتعلق بالمكملات، في الصيدليات أو محلات بيع المكملات الغذائية ستجد ربما عبوة عليها أعشاب أو شخص قوي ومكتوب جمل مثل: “تعمل كمنشط جنسي”، “يثير أو يزيد الرغبة الجنسية ويحسن الأداء الجنسي”، “يساعد على استعادة النشاط الجنسي والقوة والأداء”، “يحسن الأداء، والقدرة على البقاء، والقوة الجنسية” و”يبني الرجولة والقوة الجنسية” أو ربما في سياق آخر، أحدهم ينصح صديقه بتلك العبوة التي جعلته “أسدا”، هذه الأحاديث شائعة جدا بين الرجال، والسؤال الأهم في هذا السياق هو: هل هذا صحيح؟ هل يمكن بالفعل لمكمل غذائي ما أن يساعد على تعزيز القدرة الجنسية إلى حد مناسب؟
لكن دعنا لا نلوم مجتمعنا العربي فقط هنا، فعلى مر التاريخ، في الثقافات الصينية والهندية والمصرية والرومانية واليونانية القديمة، استعان الناس في جميع أنحاء العالم بأطعمة ومشروبات بعينها على أمل الحصول على بعض القوى السحرية التي ستنشط حياتهم الجنسية. لنصل إلى أن بعض المطاعم تطلق على وجباتها اسم “فياجرا”، تشبيها لأكلة بعينها بالدواء الأشهر عالميا في هذا المجال “فياجرا”. الجميع يبحث عن الوجبة السحرية، الأكلة التي ستفتح مشاعره للرغبة من جديد.
فياجرا طبيعية
حسنا، لنبدأ بالخلاصة، هناك القليل من الأدلة التي تدعم فعالية معظم الأطعمة التي يُعتقد أنها من المنشطات الجنسية الطبيعية(1،2)، يعني اصطلاح “القليل من الأدلة” أنه قد تكون هناك ورقة بحثية ما تشير إلى أهمية طعام ما في تحفيز الرغبة الجنسية، لكن ورقة واحدة أو حتى عدة ورقات لا تكفي، يجب أن يكون هناك ميل كبير خلال عدد كبير من الدراسات يوضح وجود هذا الأثر المزعوم.
وفي حالات الرغبة الجنسية، فإنه وفقا لإدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)(3)، لم يثبت علميا أن أي مثير للشهوة الجنسية يُزعم أنه فعال في نطاق عمله. وكذلك الشوكولاتة، والتي وجدت بشكل خاص اهتماما عالميا في هذا الأمر، وهناك سبب لذلك، فبعض الدراسات تقول إن الكاكاو يمكن أن يزيد من تدفق الدم في أجزاء من الجسم منها الأعضاء التناسلية، ولكن عندما دُرست علاقته المباشرة بالرغبة الجنسية، لم يكن هناك دليل يدعم استخدامه منشطا جنسيا(4).
أضف لذلك أن مراجعة بحثية في دورية “ذا جورنال أوف سيكشوال ميدسن” (The Journal of Sexual Medicine) أشارت إلى أن الأدلة الموضوعية الحالية لا ترجح استخدام أي مثير للشهوة الجنسية علاجا فعالا للاختلالات الجنسية للذكور أو الإناث، مشيرة إلى أنه على الرغم من ذلك، سيواصل الرجال الذين يعانون من الضعف الجنسي البحث عن المنشطات الجنسية الطبيعية على الرغم من البيانات المخيبة للآمال الحالية حول فعاليتها(5).
لم إذن يظن البعض أن تلك الوجبات فعالة؟
نتائج الدراسة الأخيرة تشير إلى نقطة مهمة، فالناس بالفعل لا يزالون واقعين تحت أسر هذه الخرافات رغم خطئها، لأن هناك أسبابا عديدة يمكن أن تجعل البعض يظن أن بعض الوجبات تعمل على تحفيز الرغبة الجنسية، أشهرها هو تأثير الدواء الوهمي (Placebo Effect)، ويعني أنه حينما يقول لك أحدهم إن هذا الدواء أو الغذاء مفيد، فإنك -نفسيا- تشعر أنه مفيد. تأثير الدواء الوهمي كبير، لدرجة أن الدراسات الطبية الدوائية يجب أن تعمل على إعطاء مجموعتين من الدواء للخاضعين للتجارب، أحدهما تأخذ دواء وهميا والثانية دواء حقيقيا؛ حتى نقارن بين التأثيرين.
أضف لذلك أنه عند تنافس الرغبات تنخفض الرغبة الجنسية، فإذا كانت الرغبة الجنسية ورغبة الجوع متنافستين، فإنك قد تشعر برغبة جنسية أقل، لكن بعد الأكل تصبح الساحة فارغة للرغبة الجنسية فقط، فتشعر أنها زادت. من جانب آخر فإن هناك رابطا قد ينشأ لكل شخص بشكل منفرد، مثلا إذا تناولت الشوكولاتة قبل ممارسة جنسية جيدة، فإنك حينما ترى الشوكولاتة مرة أخرى ستتذكر تلك المرة.
مكملات القوة الجنسية
الأمر نفسه يتعلق بالمكملات الغذائية التي تحمل علامة “الأسد” أو “النمر” أو التمساح” أو غيرها من الحيوانات الشرسة، لا نتحدث هنا عن أدوية صُممت طبيا لغرض رفع القدرة على الانتصاب مثل المادة الفعالة “سيلدنافيل” الموجودة في عقاقير مثل الفياجرا، ولكن عن هوس الناس بـ”الطبيعي”، المكمل الغذائي الذي يمثل خلاصة عشبة ما، ومن ثم فإنه غير ضار كما سيظن البعض.
مرة أخرى، تجيبك إدارة الدواء والغذاء الأميركية (FDA)، أحد أهم المصادر في هذا السياق(6)، قائلة إن هناك منتجات كثيرة تحمل علامات تدعي أنها تثير الرغبة الجنسية أو تزيدها، أو أنها تحسن الأداء الجنسي، مثل اليانسون، الكانثريد، دون كوال، الإستروجين، الشمر، الجينسنغ، الختم الذهبي، غوتو كولا، الجينسنغ الكوري، عرق السوس، الماندريك، ميثيل تستوستيرون، المعادن، نوكس فوميكا، بيغا بالو، سارسابريلا، الإستركنين، التستوستيرون، الفيتامينات، يوهيمبيني، وغيرها.
تضيف الإدارة أن هناك نقصا في البيانات الكافية لإثبات الاعتراف العام بسلامة وفعالية أي من هذه المكونات أو أي مكون آخر للاستخدام بدون وصفة طبية بوصفه منشطا جنسيا، مضيفة أن الادعاءات مثل: “يعمل كمنشط جنسي”، “يثير أو يزيد الرغبة الجنسية ويحسن الأداء الجنسي”، “يساعد على استعادة النشاط الجنسي والقوة والأداء”، “يحسن الأداء، والقدرة على البقاء، والقوة الجنسية”، “يبني الرجولة والقوة الجنسية”، هي ادعاءات خاطئة أو مضللة أو غير مدعومة بالبيانات العلمية.
وأخيرا، كما في حالة الأطعمة المثيرة للرغبة الجنسية، فإنه استنادا إلى الأدلة المتاحة حاليا، لا يمكن التعرف على أي منتج دوائي بدون وصفة طبية (مكمل غذائي) يحتوي على مكونات لاستخدامها منشطةً جنسيا -بشكل عام- على أنه منتج دوائي آمن وفعال. في كل الدراسات التي تتحدث في هذا النطاق ستجد كلاما على شاكلة: “هناك القليل من الأدلة من الأدبيات العلمية للتوصية باستخدام المنشطات الجنسية الطبيعية لتعزيز الرغبة الجنسية أو الأداء”(7).
حتى بعض المواد التي وجد العلماء أنه “يمكن أن يكون لها دور”، مثل الجنكة (ginkgo) والجينسنغ (ginseng) والماكا (maca) والقرطب الأرضي (Tribulus) فإنها لا تمتلك كما كافيا من الدلائل على وظيفتها(8).
ضرر مُتحقق
الأسوأ من ذلك هو أن هذه المنتجات غير آمنة أصلا، خذ مثلا الذبابة الإسبانية (Spanish fly)، وهي اسم شهير جدا في عالم المكملات الجنسية خاصة في العالم العربي، يمكن لها أن تسبب تلف الكلى ونزيفا في الجهاز الهضمي، والأسوأ من ذلك أنها غير مصرح باستخدامها لأي غرض طبي من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية، والأسوأ أن الغالبية العظمى من منتجاتها في السوق مغشوشة (9،10). على جانب آخر، تم ربط بعض المنتجات، مثل اليوهمبين (المستخرج من لحاء شجرة يوهمبي في غرب إفريقيا)، بمخاطر صحية شديدة، مثل النوبات القلبية، وفقا للمركز الوطني للصحة التكميلية والتكاملية في بريطانيا(11).
لا يعرف الكثيرون أن المكملات الغذائية -بشكل عام- لا تخضع لإشراف إدارات الغذاء والدواء، وكلمة “مكمل غذائي” الموجودة على العبوة لا تعني فقط تلميحا بالوظيفة، ولكن أيضا أنها لا تُعامل قانونا مثل الأدوية، بل يتم التعامل معها على أنها تابعة لنطاق الأغذية، وهو أمر لا يخضع لسياسات مراقبة الجودة الدوائية.
من جانب آخر، فإن المكملات الغذائية الجنسية ليست أصلا طبيعية بالكامل. في دراسة صادرة سنة 2018 قامت بتحليل حوالي 800 مكمل غذائي شهير كان معظمها لتحسين الأداء الجنسي وفقدان الوزن وبناء العضلات، قالت النتائج(12) إن 80% من تلك المكملات تحتوي على مكون صيدلاني واحد على الأقل، و20% منها يحتوي على أكثر من مكونين صيدلانيين، واحتوي حوالي 33 مكملا غذائيا من تلك المجموعة على 3 مكونات صيدلانية أو أكثر. نقصد بالمكونات الصيدلانية مواد تستخدم لأغراض علاجية، مثل أدوية ضعف الانتصاب أو أدوية تخفيف الوزن أو مضادات الاكتئاب أو المسكنات.
هناك حالة شهيرة لهذا، وهي منتج تايجر كنج (Tiger King) الشهير جدا في الوطن العربي، في عام 2014 أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية بيانا جاء فيه: “تنصح إدارة الغذاء والدواء (FDA) المستهلكين بعدم شراء أو استخدام Tiger King، وهو منتج يتم الترويج له وبيعه لتعزيز الجنس على مواقع الإنترنت المختلفة وفي بعض متاجر البيع بالتجزئة. أكد التحليل المختبري لإدارة الغذاء والدواء الأميركية أن تايجر كنج يحتوي على مادة السيلدينافيل، العنصر النشط في عقار الفياجرا الموصوف من قبل إدارة الغذاء والدواء، والذي يستخدم لعلاج ضعف الانتصاب”(13).
هذه الحالة تنتشر كثيرا، يعدك أحدهم بمنتج طبيعي للتقوية الجنسية، ثم تجد أنك أمام فياجرا متخفّية! بل إن إحدى الخدع التي يقوم بها البعض هي مزج العسل -على سبيل المثال- مع فياجرا مطحونة، ثم بيعه على أنه منتج طبيعي مقوٍّ جنسيا، بما يعادل مئات الدولارات من عملاتنا المحلية، المشكلة هنا أن الفياجرا عادة ما تترسب أسفل العبوة، ومن ثم هناك مخاطر لجرعة كبيرة من مادة السيلدنافيل الفعالة، في آخر ملاعق تحصل عليها من هذه العبوة.
في النهاية، نحن لا نعرف إلى الآن طعاما أو مكملا غذائيا من المؤكد أنه مؤثر في الرغبة الجنسية، لكننا نعرف شيئا واحدا فقط يبتعد عنه الجميع من مهاويس الحلول العاجلة، وهو أن اتباع نظام غذائي صحي، على سبيل المثال حمية البحر الأبيض المتوسط، يساعد على دعم وظيفة الأعصاب ودعم تدفق الدم والهرمونات، ومن ثم تحسين الحياة الجنسية بشكل عام.
لكن لا أحد بالطبع يروّج لتلك المعلومة البسيطة، الجميع واقع في أسر الأسود والفهود والنمور والتماسيح التي تساعدك على أداء المهام الجنسية بقوة السوبرمان. لا نتحدث هنا فقط عن حالة عربية تتبدى واضحة في حوارات الناس والإعلانات التلفزيونية على حد سواء بالوطن العربي، بل ثورة عالمية مغذاة بشكل أو بآخر بشكل متعمد، وفي هذه الأجواء لا يستمع أحد إلا إلى الصوت الصارخ، ولا يؤمن أحد إلا بالقوة المفرطة، يؤثر ذلك على كل شيء، من السياسة إلى الجنس!
—————————————————————————————-
المصادر:
1- مايو كلينيك Healthy Lifestyle Sexual health
2- Aphrodisiacs: Fact or Fiction?
3- CFR – Code of Federal Regulations Title 21
4- Natural Aphrodisiacs—A Review of Selected Sexual Enhancers
6- CFR – Code of Federal Regulations Title 21
8- Natural Aphrodisiacs—A Review of Selected Sexual Enhancers
9- Aphrodisiacs — do they really make you randy?
10- مايو كلينيك Healthy Lifestyle Sexual health
12- The hidden dangers of dietary supplements
13- Public Notification: Tiger King Contains Hidden Drug Ingredient