مني ابوزيد تكتب: ..هناك فرق.. على طرف الفراء ..!

مني ابوزيد تكتب: ..هناك فرق.. على طرف الفراء ..!
“عند بلوغ الخمسين لا تبحث المرأة عن إجابات جديدة، بل تعيد صياعة ذات الأسئلة القديمة”.. الكاتبة..!
الوقوف على أعتاب الخمسين منصة كاشفة تقف فيها المرأة بين ما مضى وما تبقّى، فلا يغريها ترف، ولا تُخيفها انكسارات. إنها السن التي يتحول فيها الفضول إلى بصيرة، والخسارات إلى دروس، والتجارب إلى حكم صغيرة تُضيء الطريق..!
في هذه المرحلة من العمر تنجح معظم النساء في سبر أغوار كثيرة، واستجلاء حقائق غرائبية بشأن طبائع الرجال وطرائق تفكيرهم، تكاد بعضها أن تتحول إلى طرائف ونوادر جندرية، إن جاز التعبير..!
من القناعات المخبوءة في دواخل النساء بعد وصولهن إلى هذه المرحلة من العمر – والمسكوت عنها عن سبق إصرار وترصد منهن – أن الرجل بإمكانه أن يحب أكثر من امرأة، وأن يكون صادقاً في مسألة هذا الحب المتعدد..!
الموقف من التعدد عند الرجال لا يُشبه الموقف منه عند النساء، فبينما هو عند المرأة خيانة لمبدأ التوحد، هو عند الرجل امتداد لطبيعته لا أكثر. ومثل هذه الحقائق التي قد تصدم الفتيات في بدايات العشرين، تبدو للنساء عند بلوغ الخمسين وقائع باردة، شأنها شأن أي ظواهر كونية لا تحتمل الجدل، لكنها قابلة للفهم..!
وعلى العكس من الشابات اليافعات، تفهم النساء عند بلوغ هذه السن أن صمت الرجال لا يُترجم بالضرورة إلى فتور عاطفي أو خيانة مستترة، وأن دخولهم إلى كهوف عزلتهم ليس انسحاباً عاطفياً، بل هو تمرين وجودي لا أكثر..!
اعتكاف الرجل في كهف صمته عودة إلى الداخل لترتيب فوضاه. هو يغيب ثم يعود، لأنه من الأساس يغيب لكي يقدر على أن يعود. لذا فإن الوقوف على تلك الأعتاب يعني فيما يعنيه أن تكف المرأة عن مطاردة صمت الرجل بالاتهام، وأن تتعلم أن تمنحه مساحته، فيعود إليها كما كان، وربما أكثر قرباً..!
ثم هناك مسألة ضعف الرجال أمام الجمال واعتباره سلاحاً ماضياً، والتي تبدو من المسلمات في يقين العشرينيات والثلاثينيات، لكن بلوغ الخمسين يعيد تشكيل قناعات كثيرة، من بينها أن ولاء الرجل إلى الجمال الساذج مؤقت لكنه قد يطول إذا اقترن ذلك الجمال بالذكاء والوعي..!
فالجمال وحده عند الرجال لا يصمد لأنه يذوي، لكنه إذا تزيّن بوعي عميق ونضج هادئ، صار نافذاً إلى أرواحهم، فلا يزول بمرور الوقت. هنا تدرك من تجاوزت الأربعين أن الوعي هو ما يجعل الجمال الأنثوي مقاماً يؤتى، وليس مجرد واجهة للعبور..!
عند بلوغ هذا المنعطف تدرك المرأة أن الرجال لم يكونوا يوماً ماهرين في قراءة الإشارات، وأن الكلام نصف الموحى لا يصل، وأن معظم التلميحات تضيع في الطريق. فالرجل يحتاج وضوحاً مباشراً، وجملاً كاملة، لا رموز ولا استعارات. لذا تكف المرأة حينها عن إضاعة وقتها في اختبار كم أن الرجل لماح، وتكتفي بالقول الصريح والطلب المباشر..!
فضلاً عن أن جميع الرجال، بلا استثناء تقريباً، يضعفون وجدانياً أمام أي وجبة مفضلة تعدها أيدي شريكاتهم. والطعام هنا يتجاوز المعدة إلى الروح، لأنه رسالة محبة غير قابلة للتأويل، وهدنة صامتة تُعيد بناء الجسور..!
.
لكن الأهم من كل ذلك، أن المرأة عند الوقوف على هذه العتبة تدرك أنّ العلاقات النسائية الرجالية مساحات متحركة، تحتاج إلى مرونة، وتحتمل التناقض. وأن الرجل ليس خصماً دائماً ولا منقذاً مطلقاً. بل شريك ناقص، تماماً كما هي، يبحث عن اكتماله في التفاصيل الصغيرة..!
هذه الملاحظات قد تنفع بعض بنات جنسي، ولكن مع ذلك “كل نفس بما كسبت رهينة”، فالحياة لا تُعاش بالنيابة، لكن الحكمة دوماً تُضيء الطريق!.
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر: صحيفة الكرامة





