مني ابوزيد تكتب : صُنَّاع الأمطــار..!
مني ابوزيد تكتب : صُنَّاع الأمطــار..!
“القانون منطق خالٍ من العاطفة”.. أرسطو..!
الراسخون في المهنة يعرفون أنّ (صانع المطر) لقب يُطلق على محامي قضايا التعويض في أمريكا، لأنه يجني مبالغ طائلة لموكليه، أما غير الراسخين فقد يعرفون ذلك من رائعة الروائي جون جريشام الشهيرة (صانع المطر)..!
ولأن التعويض في القانون الأمريكي كالبقدونس في المطاعم اللبنانيّة تجده في كل شيءٍ وعن كل شيءٍ وخلف كل باب وتحت كل حجر، فالمحامي هو صانع الأمطار.. الأمريكان مُسرفون في ذلك، تشجعهم قوانينهم التي تشوبها بعض الطرافة أحياناً، فلا تندهش إذا قرأت في شريط الأخبار على قناة الــ”سي. إن. إن” أن نملة أمريكية عجوزاً قد قامت برفع دعوى قضائية في مُواجهة مالك المنزل القديم الذي تُقيم بين شقوق جدرانه لأنّها تنضح بالرطوبة، مُستندة في دعواها على تقارير طبية تثبت إصابتها بداء المفاصل.. والكسب مضمون بفضل صانع الأمطار الذي لا يقهر..!
لكن ماذا تحت المظهر الخارجي لصانع الأمطار؟!.. ماذا عن المشاعر واللواعج والدواخل المُفعّمة..؟!
دراسة القانون تضع بصماتها على شخصيتك وتصرُّفاتك وطريقة تفكيرك أبداً ما حييت، وهذا شيءٌ لا تملك تغييره وإن حاولت.. تلك البصمات قد تجعل منك في كَثيرٍ من الأحيان شخصية مُثيرة لاستياء من حولك.. فـ صانع المطر شخصٌ يُجيد الاستماع لكنه نادراً ما يتدفّق في الحديث عن خُصُوصياته.. عملي جداً يوفر على نفسه مرارة الصفقات الخاسرة.. فلا ينظر إلى الخلف إلا بمقابل يشعره بالربح..!
عادةً لا يفهمه من حوله كثيراً وحياته الخاصّة – في الغالب – لا تُوازي في نجاحها حياته المهنية، لكنه مظلوم لأن شخصيته الحقيقية تذوب في سلوكه المهني.. لذلك تسمع دوماً من يردد: أن كل المحامين هكذا… كلهم يقولون أو يفعلون كذا… أو كلهم يفعلون كذا.. بينما الحقيقة هي أنهم كلهم يبدو عليهم أنهم “كذا”..!
إذا كنت من صُنّاع الأمطار وحاول شريك حياتك استجوابك بطريقة غير مُباشرة عن أمرٍ ما، قد تدفعه إجاباتك الحذرة والمُقتضبة إلى الشك في براءتك فقط لأنّك تجيب بحذر واقتضاب!. فـ على سبيل المثال – كمواطن تأكل الطعام وتمشي في الأسواق – عندما تذهب لتناول وجبة في أحد المطاعم ستطلب قائمة الطعام وتقرأ الأصناف المكتوبة ومن ثَمّ تقرر ما تُريد، لكنك لا تفكر أبداً بقراءة شيء آخر غير لائحة الطعام..!
هنالك جُملٌ صغيرةٌ تجدها مكتوبة عن نسبة الضرائب أو مسؤولية المطعم في حال فقدان الزبائن لمعاطفهم التي يُعلِّقونها في المشاجب المُخصّصة لها قبل جلوسهم لتناول الطعام ..إلخ.. هل فكّرت يوماً بتفحص أو تقليب عُقود الإذعان الجاهزة كفواتير المياه والكهرباء وقسائم الشراء؟!.. لا أعتقد بأنّك تفعل شيئاً سوى قراءة المبالغ المُستحق دفعها أو الأشياء المُماثلة، لكن المحامي غالباً ما يفعل..!
ماذا عن تلك اللافتات التي تكون مُعلّقة في جدران غرف الفنادق؟!.. تجدها دوماً مكتوبة بخط دقيق في داخل إطار أنيق.. أنت قد لا تلتفت إليها أما هو فقد يقف عندها وربما تأملها طويلاً..!
وهكذا يمضي صانع الأمطار في تضخيم انتصاراته المهنية، بينما يظل يسوس شقاءه وأوجاعه بعيداً عن أقرب الآخرين، أولئك الذين يطلقون النكات الطريفة عن جشعه وماديته طوال الوقت..!
munaabuzaid2@gmail.com
المصدر : الصيحة